ليست زوبعة في فنجان
الإثنين، 07 مايو 2018 12:38 م
كتبت نخبة فرنسية عريضة طالبت فيها بحذف آيات من القرآن الكريم، شاع خبر العريضة وذاع حتى علمه القاصى الدانى، وظهرت ردود فعل مصرية وعربية وإسلامية، نتوقف عندها.
الردود فى عنوانها العريض تندرج تحت باب «زوبعة فى فنجان».
هكذا رأت جماعة لا يستهان بها من النخبة المصرية والعربية والإسلامية العريضة الفرنسية.
هذا التعاطى مؤسف جدًا، فأولًا: الزوبعة ليست شيئًا هينًا حتى يستهان به، فالزوبعة هى «حركة مفاجئة سريعة للرياح تكون مترافقة عادة مع تغيرات فى الطقس، مثل هطول الأمطار أو الثلوج أو عواصف رعدية، تكون سرعة الرياح فى الزوابع كبيرة، وقد تصل إلى سرعات مرتفعة خلال وقت قصير».
ثانيًا: كل فناجين الكون ليس بينها فنجان واحد يستوعب زوبعة.
ثالثًا: ما حدث هو عاصفة أو إعصار، فعندما تصدر عريضة يكتبها ويوقع عليها ويروج لها شخصيات لها وزن وثقل على المستوى العالمى تصبح الاستهانة فرارا عاجزا وليس تجاهلا قادرا.
رابعًا: القول بأن القرآن معصوم هو قول يخصنا نحن الذين نؤمن بالقرآن، ولكنه لن يمنع الآخرين من الدعوة للعبث بالقرآن، بل لن يمنعهم من القيام بهذا العبث.
ثم متى نمد الخيط إلى منتهاه فى قضايانا المصيرية؟
قضية القرآن يجب تصديرها بوصفها قضية حياة أو موت، حياة أمة كاملة أو اندثارها وذهابها إلى مجاهل النسيان، ولكى تتحقق الصورة، نتخيل أن مؤسسة ولتكن مصرية ولتكن تعمل فى قطاع التعليم على وجه الخصوص، تلك المؤسسة تريد أن تنهض بأعبائها المادية، فرأت أن تقترض من الاتحاد الأوروبى أو من فرنسا أو من أى جهة تريد العبث بالقرآن، فجاء رد تلك الجهة المقرضة فى سطر واحد: «لا تنشروا فى كتبكم آية واحدة من القرآن وخذوا من مالنا ما تريدون».
ماذا سيكون موقف المؤسسة المصرية؟
هل تسند رأسها على حائط فقرها وتواصل البكاء أم تفرط فى القرآن؟
هذا السيناريو ليس خياليًا وليس مستبعدًا، بل قد يكون زمن تنفيذه قد جاء، فكل يوم نسمع أن الصهاينة يطالبون أهل فلسطين بشيء من هذا.
القضية خطيرة جدًا ويجب أن ننتبه لها جيدًا ولتفاعلاتها القادمة، وعلى الأزهر أن يقوم بدوره الذى حددته له المادة السابعة من الدستور التى تقول: «إن الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة يختص دون غيره بالقيام على كل شئونه وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء».
إن الرد الأزهرى كان تحت سقف إمكانيات الأزهر بكثير، فعلى رأس الأزهر الآن شيخ عالم حصل على الدكتوراه من قلب فرنسا ويعرف الفرنسية كأنها العربية، ولديه صلات وعلاقات مع النخبة الفرنسية ولديه علم يستطيع به تحرير رد علمى هادئ وواثق.
نعم القرآن ليس مدانًا، ولكن هذا ما نؤمن به نحن، ولكن أين الشرح والتفسير للأوروبى الذى لا يعرف سوى داعش وأخواتها؟
إن التهرب من المواجهة الحقيقية القوية لعريضة الفرنسيين سيؤدى إلى مجيء ذلك اليوم الذى نقول فيه للقرآن: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون».