أمريكا حسمت أمرها مع سوريا
الثلاثاء، 17 أبريل 2018 03:02 م
من الواضح ان اميركا قد حسمت امرها اثر تحول دراماتيكي في العراق بعد تقدم كاسح لداعش ادى لاحتلال الموصل ومدن أخرى في حزيران، وبات يهدد بغداد واربيل ودول في المنطقة والعالم، والذي انتقل بزخم لسوريا ليؤمن لداعش الهيمنة على محافظتي الرقة ودير الزور مع زحف باتجاه محافظة الحسكة والحدود السورية- التركية.
الخطوة الجريئة بنقل الضربات الجوية لسوريا ولدت ردود فعل مختلفة، فالنظام رضخ لها وتناسى "المؤامرة الكونية"! وطلب الالتحاق بالتحالف "الكوني" الذي اعتبره حسب زعمه يحارب في نفس خندقه. لكنه ونتيجة موقف حاسم من التحالف برفض التنسيق معه، يبطن الخشية من تطور الضربات لتشمل اهداف عسكرية تابعة له، وهذا امر لا احد يستبعده مع تطورات قد تدفع التحالف لتوسيع ضرباته باعتبار النظام مصدرا للارهاب، واحد عوامل توليد المنظمات الإرهابية، التي غض النظر عن نشاطاتها لكونها تقاتل اعدائه الالداء، الى ان بدأت تقضم مناطق تحت سيطرته.
من جهتها المعارضة السياسية السورية الديمقراطية الممثلة بشكل أساسي في الائتلاف الوطني رحبت بالضربات وبالمزيد من تسليح وتدريب المعارضة المسلحة المعتدلة، ولكنها اعتبرتها غير كافية ان لم تشمل النظام الإرهابي، واذا لم تكن بوتيرة سريعة تمكن الجيش الحر من ملئ أي فراغ قد يتولد عن تهميش داعش، كما حدث في العراق عند استعادة سد الموصل ومدن وبلدات بالتنسيق بين ضربات التحالف من الجو، والجيش العراقي والبشمركة على الأرض
.
هذا الموقف العقلاني بلا تأثير كبير بسبب الفعالية العسكرية الضعيفة للقيادة السياسية للمعارضة، حيث رفضت كتائب مسلحة عديدة الدور الجديد الأميركي وحتى اعتبره بعضها لمصلحة النظام! واستمرت بالمكابرة عن قدرتها وحدها على انهاء النظام دون الحاجة لتدخل خارجي!. في المرحلة السابقة "شيطنوا اميركا" لانها لامبالية بما يجري وان مصلحتها انهاك الطرفين، وفي أسوأ تقدير انها تدعم بقاء النظام! في المرحلة الحالية رغم ان التحالف يوجه ضربات لعدو رئيسي للمعارضة المسلحة، فقد استمروا "بشيطنتها" بعكس القاعدة المعروفة في السياسة : "لا عدو دائم ولا صديق دائم". فاذا كانت القيادة السياسية للمعارضة بلا جسم عسكري فعال على الأرض، فان القوى المسلحة الفاعلة على الأرض تفتقر لقيادة سياسية مجربة، تتعامل مع الوقائع الملموسة، ولا تطلق سياساتها من فوهة البندقية!
رغم الفوائد التي ستجنيها المعارضة السياسية والعسكرية للنظام من توجيه الضربات الجوية لداعش من حيث وقف تمددها واضعافها، وبالتالي تحويل قتال المعارضة لجبهة واحدة بدل التوزع على جبهتي النظام وداعش، فان هناك طيف من مواقف القوى التي رفضت الضربات او قللت من أهميتها بتبريرات مختلفة. منها موقف الاخوان المسلمين الذين رفضواالمشاركة فيحرب التحالف، فرغم ان دورهم قد تقلص في الصراع الدائر، ولكن لتأثيرهم الفكري دور فيما قد تتخذه كتائب إسلامية مسلحة برفض الضربات او العودة لقبول داعش كتنظيم إسلامي رغم ارتكابه مخالفات سلوكية وفكرية، يمكن مناشدته العودة عنها.
اما الوضع الذي تواجهه جبهة النصرة فلا تحسد عليه، فهي تنسق مع القوى المقاتلة للنظام وداعش، فيما هي في قرار مجلس الامن منظمة إرهابية، وتلقت ضربات جوية من قوى التحالف، مما جعلها تعلن ان حرب التحالف ليست حرب على الإرهاب بل حرب على الإسلام! ولا يستبعد ان تعيد اصطفافها الى جانب تنظيم داعش، الذي نسقت معه في جرود عرسال، كما ان عناصر عديدة تتسرب لداعش منذ زمن، بحكم االايديولوجيا الواحدة فيما جوهر الخلاف بينهما حول مرجع الولاء والبيعة، وهو امر قد يوجد له حل لاعادة التنسيق الكامل بين التنظيمين.
بالإضافة للطرف الكردي الذي يهيمن على مناطق واسعة شمال شرق سوريا، الذي أمل الاستفادة من الضربات الجوية لانهاء حصار مدينة عين العرب- كوباني من قبل داعش، وعندما أتت الضربات دون ان تؤدي لوقف تقدم داعش، بدأوا باتهام التحالف بأنه يتآمر على القضية الكردية بالتعاون مع تركيا التي تخشى من انتشار نفوذ حزب العمال الاوجلاني المصنف اميركيا كحزب إرهابي.
أسوأ المعارضين من استنجد بمفهوم "السيادة الوطنية" التي انتهكت بالضربات الجوية، متجاهلا وضع سوريا الكارثي الذي اوصلها اليه نظام تحول لعصابة، انتهك السيادة بشتى أنواعها، سيادة الشعب وسيادة الوطن وسيادة القوانين التي سنها بنفسه، واستقدم ميليشيات خارجية لمشاركته في قتل الشعب وتشريده وتدمير وسائل عيشه. عن أي سيادة يتحدثون ولأي وطن ؟ وطن العصابة في دمشق والساحل ام وطن داعش في الرقة ودير الزور، ام وطن النصرة فرع منظمة القاعدة؟
والأهم تجاهل المتغيرات العالمية التي جعلت السيادة الوطنية نسبية ومحدودة عندما يتعلق الامر باستخدام مجلس الامن لحق التدخل الدولي في الشؤون الداخلية لأية دولة فاشلة، او نظام استبدادي يهدد بابادة شعبه، او يشكل مخاطر امنية لدول العالم بتوفيره مكانا آمنا لمنظمات إرهابية يتغاضى عن نشاطها عمدا في حالات، او يعجز عن مواجهتها في حالات أخرى. عندها لا تؤخذ السيادة الوطنية بالحسبان في قرارات تصدر تحت البند السابع. فالقرار 2170، يعتبر مبررا كافيا سياسيا وقانونيا للتدخل ضد الإرهاب الذي استشرى في سوريا، بدلالة القرارات الخاصة بالإرهاب الصادرة منذ العام 2001 والتي تزيد عن 20 قراراً.