قصة منتصف الليل.. أهل القرية احتفلوا بزواج حبيبته من ثري فقرر ساعي البريد الانتقام «5 سنوات من غير جوابات»
السبت، 07 أبريل 2018 08:18 مإسراء الشرباصى
ظهرت أجواء الفرح على أحد القرى بمحافظة الشرقية، وتعالت أصوات الزغاريد والطبول فى جميع النواحى كأنهم يتسابقون على أعلى زغرودة، ظنا منهم أن أفراد القرية تملأ قلوبهم الفرحة فى ليلة عرس "تهانى"، فلم يعلموا أن هناك صدر تحطمت عظامه من وجع قلبه ليلة زفافها، وهو القلب العاشق لها والذائق لسكرات الموت وسط أجواء الفرح، فهو "عبد التواب" ساعى البريد الذى يحتفل أهل قرية بزفاف حبيبته على الثرى ورفض والدها زواجها منه لمهنته البسيطة وراتبه الشهرى الذى لا يتعدى عشرات الجنيهات فى منتصف الثمانينات.
فقد باعها والدها لمن لديه أموال أكثر ليجد أمامه خياران الأول بوسطجى راتبه بسيط رغم أهمية وظيفته فى التواصل فيما بينهم فى زمن لا يوجد به مواقع تواصل إجتماعى والثانى يعمل فى الكويت ولديه من الأموال ما يكفى لشراء القرية بأكملها، فاختار الأموال ودهس بقراره قلب ابنته و "عبد التواب".
وبعد إنتهاء مراسم الزفاف بدأ "عبد التواب" يفكر فى وسيلة الانتقام من أهالى القرية جميعا لينالوا من عذابه قدرا، ولكنه لم يجد الانتقام الذى يطيب به جرح قلبه ليحاول أن ينسى أمرها، وبعد عدة أشهر وقع بين يديه خطاب موجه لحبيبته "تهانى" مرسل من خارج مصر، ظل ممسكا للخطاب إلى أن تبلل بعرق يديه من شدة الألم فهو خطاب مرسل لحبيبته من زوجها فكيف يوصله لها بيديه ليقرر قطع همزة الوصل بينهما ليبدأ التمتع بلذة إنتقامه التى جاءت بين يديه.
ولكنه لم ينتقم من حبيبته وأهلها فقط بل قرر الانتقام من كافة أهل القرية وامتنع عن توصيل الخطابات منهم وإليهم سوى الخطابات الخاصة بالعمدة لكى لا يكشف أحد انتقامه، وبدأ يأخذ الخطابات ويضعها فى منزله وظل على هذا الحال إلى أن أصبح المنزل مليئ بتلال من الخطابات، كان يرة ملذته يوميا عندما يطرق أحد أبواب منزله ساءلا عن خطاب هام ينتظره ولم يأتى، ليجد الحاج منصور يسأل عن خطاب شهرى اعتاد ولده إرساله للإطمئنان عليه فى بلاد الغربة مقترنا بأموال، والحاج صالح يسأل عن خطاب طال انتظاره من إبن عمه والذى كان يمهد له سفره لقضاء فريضة الحج وهو الحلم الذى طالما حلم بتحقيقه يوما، وكانت لذته الكبرى عندما طرق بابه والد حبيبته ليسأل عن خطابات الزوج العامل فى الكويت الذى وعد بإرسال أموال وخلف وعده.
فقد علم والد حبيبته حينذاك أهمية ساعى البريد الذى رفض زواجه من إبنته مقابل الأموال التى لم ترسل إليه بعدما امتنع "عبد التواب" عن توصيلها، ليتلذذ مع كل طرقة باب بلذة الانتقام، فاستطاع أن يظهر قيمته وأهمية مهنته البسيطة فى حياة كل عائلة فى القرية، ليتذوقوا مر الفراق والوجع الذى حل على قلبه بعد زواج حبيبته من آخر.
وبعد خمس سنوات شعر بإعياء شديد يتملك جسده بالكامل فذهب إلى طبيب القرية وأجرى له عدة فحوصات لتشخيص مرضه ليجد الطبيب يخبره بنبره مليئة بالأسى بشكه فى إصابته بالمرض اللعين "السرطان" وإمكانيات المستشفى البسيطة بالقرية لا تساعده على التأكد من الإصابة بالمرض الذى لم يكن له علاج حينذاك، فقرر الطبيب أن يرسل خطاب لصديقه فى لندن يخبره بتفاصيل الحالة وكيفية التصرف معها مؤكدا له أن الحالة إذا احتاجت للسفر للعلاج بلندن سيساعده على السفر وكل ما يلزمه هناك.
وأخذ "عبد التواب" الخطاب وأرسله بالفعل ولكنه نسى الأمر واستمر يحتفظ بكافة الخطابات فى منزله، وبعد عدة أشهر بدأ الإعياء يتزايد ويفقده بعض حواسه ببطئ ليذهب ثانية إلى الطبيب، ليخبره بأن صديقه فى لندن لم يرسل إليه الرد حتى الآن رغم تعاونهم المستمر لسنوات طويلة وهو الأمر الذى آثار استغرابه بشدة، وحينها تذكر "عبد التواب" تلال الخطابات المتراكمة فى منزله فعاد مسرعا إلى المنزل ليبحث هنا وهناك على خطاب مرسل من لندن.
وبعد رحلة البحث بين التلال وجد الخطاب المنتظر فأسرع به إلى الطبيب ليجد الطبيب أن صديقه أكد ظنونه وأن "عبد التواب" مصاب بالفعل بمرض السرطان وعليه أن يتوجه إلى لندن فى أقرب وقت قبل أن يتملك المرض منه ويؤثر على حواسه وهى بداية نهايته.
ليجد "عبد التواب" أنه ذاق من ذات كأس الانتقام الذى سقاه لأهالى القرية وفقد الأمل فى شفاءه بسبب عدم إرسال الرد من لندن لطبيب القرية، ليراجع نفسه فى أن يحاول تصحيح ما فعله بالأهالى قبل أن يواجه ربا كريم عسى أن يغفر له المولى ما فعله بالأهالى.
وبدأ يرتب الخطابات ويرسلها لأصحابها، ويطرق أبواب أهالى القرية ويضع أمامها حقيبة مليئة بالخطابات التى جاءت لهم على مدار خمس سنوات ولم يسلمها لهم، ويختبئ ليشاهد من بعيد رد فعل كل أسرة ليجد منهم من يستقبل الخطابات بدموع تغرق الخطابات قبل فتحها وآخرون يطلقوا الزغاريد فور قراءتهم الخطابات، وما بين مشاعر الحزن والفرحة التى اختلطت بأهالى القرية توجه "عبد التواب" إلى منزله ليأخذ من فراشه مسكنا له ينتظر لحظة لقاء ربه متمنيا أن يغفر له ما فعله بأهل قريته.