في يوم اليتيم: القضاء يمنح مجهولي النسب حق الرعاية وتشجيع كفالتهم

السبت، 07 أبريل 2018 11:18 ص
في يوم اليتيم: القضاء يمنح مجهولي النسب حق الرعاية وتشجيع كفالتهم
اليتيم- أرشيفية
أحمد سامي

يأتي يوم اليتيم كل عام، تأكيدا على دور الدولة والمجتمع المدني، في الاعتناء بالأطفال بناء على توصية الأديان بهم، ولأن القضاء دائما يهتم بالأمور الانسانية والاجتماعية فقد منحت من خلال حكم قضائي صادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، يعد الأول من نوعه الأمل للأيتام ومجهولى الأبوين في الاعتراف بشخصيتهم القانونية وتشجيع كفالتهم التوثيقية
في الدعوى رقم 5312 لسنة 13 ق بجلسة 30/3/2015.
 
وضعت المحكمة لبنة اجتماعية إنسانية في بناء صرح مجتمع سليم يقوم على احترام حقوق الإنسان يؤمن باَدمية الإنسان مجردا في ظل كل الظروف خاصة الايتام ومجهولى الأبوين كما أن مجهولى النسب لهم أحكام اليتامى والعناية بهم أوجب من اليتامى معروفى النسب.
 
 
وكانت المحكمة قد قضت في وقت سابق برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بإلغاء قرار مصلحة الأحوال المدنية السلبى بالامتناع عن إصدار بطاقة الرقم قومى باسم إحدى طالبات الثانوية العامة بالبحيرة الصادر استنادا إلى أنها مجهولة الأبوين، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام وزارة الداخلية بإصدار بطاقة الرقم القومى لها بحسبان أن مجهولى الأبوين من حقهم دستوريا الاعتراف بالشخصية القانونية ولهم الحق في الاسم الجزافى واستخراج بطاقة الرقم القومى حرصا على انسانيتهم وحفاظا على ادميتهم من التشرد والضياع، وألزمت الإدارة المصروفات.
 
 
جاءت البداية من خلال إحدى السيدات بمركز رشيد محافظة البحيرة، عثرت على طفلة رضيعة ملقاة على الأرض مجهولة الأبوين عام 1995 ثم ذهبت بها لقسم الشرطة وتعهدت برعايتها، قام طبيب الوحدة الصحية بتحديد اسم ثلاثى جزافى في خانة الاب وجزافى في خانة الأم طبقا للقانون وحصلت على شهادة ميلاد لها، عندما وصلت للمرحلة الثانوية لجأت لوزارة الداخلية مصلحة الأحوال المدنية لاستخراج بطاقة الرقم القومى إلا أن الداخلية طلبت من الطالبة البحث عن والديها المجهولين كشرط لحصولها على بطاقة الرقم القومى واضافت السيدة انها تخشى عليها من معرفة الحقيقة المؤلمة المتمثلة في كونها مجهولة الابوين، الأمر الذي يؤثر على نفسيتها وسمعتها بين زملائها خاصة وانها الأولى على المدرسة وعلى وشك الالتحاق بالمرحلة الجامعية مما يصيبها بابلغ الضررإلا أن المحكمة أكدت على أن مصلحة الأحوال المدنية ملزمة بإصدار بطاقة الرقم القومي لمجهولي النسب بالتسمية الثلاثية الجزافية، لخانة الأب وخانة الأم التي يجريها طبيب الوحدة المختصة عند العثور على اللقطاء، طالما لم يظهر الوالدين الحقيقيين، كما أكدت على حظر التبنى وأنه لا يجوز للأحوال المدنية حرمانهم من حقهم الدستورى في التمتع بالشخصية القانونية أو النيل من هويتهم الإنسانية.
 
 
وقالت المحكمة" إن الإنسان مجردا هو محور الكون الذي تدور حوله كل الأشياء والمسخرة له في كل الازمنة والامكنة لذلك اهتم المشرع المصري بحقوق الطفل مجهولى الوالدين فلم يحرمه من عنايته ورعايته فعامله نفس المعاملة التي يعامل بها الطفل معلوم الوالدين، فجعل له الحق في الاسم طبقا للبيانات التي يدلى بها المبلغ وعلى مسئوليته عدا إثبات اسمى الوالدين أو احدهما الحقيقيين فيكون ذلك بناء على طلب كتابى ممن يرغب منهما بحسبان أنه يحظر التبنى، وفي حالة عدم التوصل إلى معرفة الوالدين أو احدهما للطفل حديث الولادة مجهول الوالدين فان المشرع منحه رغم ذلك الحق في الاسم واللقب عن طريق الزام طبيب الصحة المختص بتقدير سن الطفل وتحديد نوعه وتسميته رباعيا تسمية جزافية حتى لا يحرم الطفل مجهول الابوين من حقه الطبيعى في الشخصية القانونية سبيلا للاعتراف بادميته كإنسان، وفي ذلك بناء لبنة اجتماعية لصرح مجتمع صحيح يقوم على بث روح التسامح والاندماج للأطفال مجهولى النسب والاحتفاظ لهم بهويتهم الإنسانية لمواجهة ما اطبقت عليهم الحياة ظلما وظلاما نتيجة تصرفات غير إنسانية بتخلى اَبائهم عن الاعتراف بهم أيا كانت الأسباب والظروف".
 
 
أكدت المحكمة" أن مجهولى النسب لهم أحكام اليتامى، بل هم أولى بالعناية لعدم وجود أحد من والديهم وأهلهم، واليتيم قد تكون أمه بجانبه، وقد يزوره أحد أقاربه، أما مجهول النسب: فإنه منقطع عن كل أحد، ولذا كانت العناية به أوجب من اليتيم معروف النسب. فمجهولو النسب في حكم اليتيم لفقدهم لوالديهم، وهم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب لعدم معرفة قريب لهم يلجئون إليه عند الضرورة، ومن ثم فإن من يكفل طفلًا من مجهولي النسب فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم، لعموم قول سيد البشرية وسيد الأنام وسيد الأيتام محمد صلى الله عليه وسلم: (َأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)، ويتعين على مَن يكفل مثل هؤلاء الأطفال أن لا ينسبهم إليه، لما يترتب على ذلك من ضياع الأنساب والحقوق".
 
 
وأضافت المحكمة في حكمها الذي تجسدت فيه أرقى معانى الإنسانية " أن الطفلة المذكورة استقبلت دنياها وهي مجهولة الأبوين وقد عثرت عليها المدعية واتخذت كل الإجراءات القانونية للإبلاغ عن واقعة العثور عليها وحررت محضر بذلك في قسم الشرطة المختص وضع لها طبيب الوحدة الطبية المختص مع المدعية اسما ثلاثيا جزافيا لكل من خانة الاب وخانة الام طبقا للقانون المصري، بناء على ذلك صدرت لها شهادة الميلاد متضمنة هذه البيانات، لم يثبت من الاوراق عكس تلك البيانات ولم يظهر لها أحد أبويها حتى الآن وقد أخذتها المدعية منذ العثور عليها حديثه الولادة واحتضنتها من غدر الزمان فأحسنت تربيتها ورعايتها حتى بلغت الطفلة أشدها وتخطت سن السادسة عشرة، عندما تقدمت الطفلة باستخراج بطاقة الرقم القومى فوجئت بان مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية بالبحيرة امتنعت عن إصدار تلك البطاقة بحجة ضرورة احضار الابوين المجهولين، رغم علم وزارة الداخلية بأنها طفلة مجهولة الابوين ولم تاخذها بها رحمة أو شفقة بل ظل العدوان على انسانيتها وادميتها شهور عددا، ما كان يجب على وزارة الداخلية التي تقوم على خدمة الشعب أن تنال من حق الطفلة في التعبير الانسانى عن كونها مخلوقة تعيش على الأرض، وما كان ينبغى أن تؤذى مشاعر الطفلة ومشاعرمن قامت على رعايتها، " وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ "، وأعمالا لقول الحق " ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " صدق الله والعظيم".
 
 
وأوضحت المحكمة " أنه لا يفوتها أن تشير إلى الدور الخلاق لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات والمؤسسات التي تقوم على رعاية الأيتام ومجهولى الأبوين، وكانت لتلك الجمعيات الريادة في هذا المقام على مستوى العالم العربي والإسلامى، بل إنها سبقت المشرع في تقديم تلك الرعاية الإنسانية قبل أن يضع المشرعون قواعدهم المنظمة لحقوق تلك الفئة من الناس، وذلك منذ عام 1893 ومنها إنشاء أول جمعية مصرية للعروة الوثقى في مدينة الإسكندرية في القرن قبل الماضى تعمل على تقديم الخدمات والتأهيل للأطفال الأيتام ومجهولى الأبوين، ثم توالت العديد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية لتقديم الخدمات لتلك الفئات ثم استمد المشرع قواعده في هذا الشأن واستلهم ما فيها من معانى بفعل هؤلاء المصلحين الخيرين من أبناء الوطن، مما يتعين على الدولة أن تقوم بتذليل كل العقبات والقيود التي تواجه تلك الجمعيات والمؤسسات في سبيل قيامها بدورها الإنسانى في هذا الشأن".
 
 
واختتمت المحكمة حكمها " إنه قد تلاحظ لديها أنه بين قانون الطفل المصري ولائحته التنفيذية تعارضا وتأرجحا بين الالزام بالتسمية الرباعية أو الثلاثية للأطفال مجهولى الابوين، ذلك أن اللائحة التنفيذية الزمت طبيب الوحدة المختص الذي يقوم بتقدير سن الطفل وتسميته تسمية رباعية جزافية بينما الزمه القانون بوضع تسمية ثلاثية جزافية وذلك على الرغم من صدور القانون منذ 19 عاما، مما يتعين معه على المشرع أن يوحد الحكم في الحالتين منعا للتضارب وتحقيقا للانسجام التشريعى الواجب أعماله". 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق