صوت الأمة في معايشة حية بـ «دنيا المسافرين».. قطارات الأقاليم مولد بلا تنظيم.. والباعة الجائلون يسيطرون على محطة سكة حديد بلبيس
الجمعة، 06 أبريل 2018 07:00 صهناء قنديل
يوما كاملا عاشته «صوت الأمة» داخل دنيا المسافرين، بدءا من محطة قطار بلبيس، ومرورا برحلة في قطار المناشي، أول ما تشعر به عند دخول عالم السكة الحديد، وبخاصة في الأقاليم، أن أمام مولد بلا تنظيم، فالزحام والفوضى يسيطران على كل شيء، والباعة الجائلون هم أسياد الموقف، وداخل القطارات تجد نفسك محشورا في نعش متحرك، يفتقر إلى أدنى درجات الآدمية.
وخلال التحرك الذي يتم بصعوبة بالغة داخل المحطة، فأنت مطالب بصم أذنيك عن الضوضاء الرهيبة التي تتداخل فيها أصوات الباعة الذين ينادون على بضاعتهم، من الشاي، والمشروبات الساخنة، والباردة أيضا، إلى المأكولات، والمسليات، وأيضا المناديل والولاعات، ولعل أكثر ما تصطدم به، أو يصدمك إذا تفاديته، هو حقائب المسافرين، أثناء سعيهم للحاق بالقطار.
قطار المناشي «شبين الكوم القاهرة»، هو أكثر القطارات المستهدفة من رواد محطة بلبيس، لكن لكي تصل إليه فأنت بحاجة إلى معجزة حقيقية، بسبب الزحام من جهة، وغياب اللافتات الارشادية الواضحة من جهة أخرى.
زحام داخل العربات
ورغم طول عدد عربات هذا القطار، فهي لا تكفي المسافرين، خاصة أنهم يختارون عربات بعينها للتكدس داخلها، لتفادي النوافذ المحطمة، والمقاعد غير الصالحة للجلوس في معظم عربات القطار.
المثير أن معظم عربات القطار، مسجل عليها ملحوظة أنها أجريت لها عمرة قبل شهور قليلة، ورغم ذلك فهي في حالة يرثى لها، يكتمل شكلها راسما لوحة واضحة للبؤس، عندما يمتلئ القطار الذين يصطحبون معهم جميع أنواع الأمتعة التي تخرطر على البال، بما فيها «الطشت».. و«المشنة».
ولا يخلو القطار من المدخنين الذين يحرصون على ممارسة هذه الهواية، دون النظر إلى عدد الموجودين في العربة، مكتفين بالاقتراب من الأبواب، التي يندفع منها الهواء إلى الداخل، معيدا دخان السجائر إلى الركاب مرة أخرى.
أما النادر بالفعل داخل قطار المناشي فهو أن تجد مقعدا فارغا، ولو وصلت إلى المحطة قبل موعد التحرك، المجهول أصلا، بساعة كاملة، ويغلف كل هذا الهول، بكاء وصراخ الأطفال، الذين يصطحبهم آباؤهم، وأمهاتهم.
مشاجرات داخل القطار
ومع حلول الثالثة عصرا يبدأ القطار في التحرك بسرعة شديدة البطء، ومعه تندلع عشرات المشاجرات، إما بالألفاظ النابية، دون اعتبار لوجود سيدات، أو بالاشتباك بالأيدي؛ وذلك إذا فكر أحد الركاب التحرك من مكانه للاقتراب من المقاعد ربما يفوز بأحدها فيجلس عليه، عندما يغادره من احتله قبل أن يتحرك العربة.
أما المشاجرة التي تمثل خطورة حقيقية على الركاب، وإذا وقعت داخل العربة يتكدس الجميع في أحد أركانها بعيدا عن المتعاركين، فهي مشاجرات الباعة الجائلين، الذين يستخدمون كل ما تطوله الأيدي للدفاع عن أنفسهم، وربما يشهر بعضهم أسلحة بيضاء في وجه الآخرين.
تذكرة القطار تمثل «خناقة» أخرى بين المحصل، والركاب، الذين يستكثرون قيمتها على الخدمة المقدمة لهم، حتى أن بعضهم يخلع الكارتون الذي يسدون به النوافذ، ليؤكد للمحصل أنه من وضع هذه الورقة للحماية من الهواء، خلال رحلة سابقة، وها هي باقية في مكانها؛ مما يجعل المحصل ليس له حق أن يأخذ ثمن التذكرة، قائلا: «هتاخدوا مننا فلوس على إيه، هو انتوا بتعملوا حاجة؟!».
عندما تنصت إلى الركاب، تجدهم جميعا تقريبا يرددون العبارات ذاتها، فيقول راكب: «الشقا ده بنشوفه كل يوم، وبنفضل واقفين طول الطريق، وكل شوية ياخدوا مننا فلوس زيادة للتذاكر، من غير ما يقدموا أي خدمة جديدة، ولا حتى بيصلحوا الكراسي المكسورة».
45 مليون جنيه تطوير السكة الحديد
ويقف القطار في أولى محطاته، وقتا غير محدد، ويتدافع الهابطون، مع الصاعدين، حتى يصعب على الشخص أن يميز أيهما يود المغادرة، وأيهما يفكر في الصعود، وتنتهي الرحلة في شبين الكوم، ليغادر المسافرون القطار، وأنهكهم التعب، والإرهاق، ولا يدري أيهم ماذا يفعل ليستعيد نشاطه من جديد.
يبقى أن نشير إلى أن ميزانية تطوير هيئة السكة الحديد، تبلغ 45 مليون جنيه فقط لا غير، وهو مبلغ بحاجة إلى المراجعة، لا سيما في ضوء الارتفاع الشديد في أسعار قطع الغيار، والمستلزمات المطلوبة للصيانة.