الانتحار يفتك بالغلابة ويصل القصور.. الجميع في مواجهة الشرع والقانون

الأربعاء، 04 أبريل 2018 05:00 م
الانتحار يفتك بالغلابة ويصل القصور.. الجميع في مواجهة الشرع والقانون
صورة أرشيفية
علاء رضوان ومى عنانى

انتشرت ظاهرة «الانتحار» خلال الفترة السابقة، إلا أن المقلق ليس فقط على مستوى الأشخاص ولكن على مستوى المجتمع في هذا الأمر انتشار الظاهرة بين أوساط الشباب الذين يعدون عماد الدولة وعلى أكتافهم تبنى الأوطان.
 
الغريب في انتشار ظاهرة «الانتحار» هو انتقالها إلى أبناء الأثرياء والمشاهير أو ما يُطلق عليهم بـ«أبناء الذوات»، ما ينفى معه التفسيرات والتحليلات الطبية والنفسية التي تؤكد أن انتشار الظاهرة نتيجة الحالة الاقتصادية أو تدني وتراجع مستوى المعيشة، بينما الأمر يتعلق أولا وأخيرا بشخصية المنتحر وأزماته النفسية، التي لا بدَّ أن يساعده الجميع في تخطيها.
 
 
خالد الفخراني
أول أمس، أقبل نجل البرلماني السابق «حمدي الفخراني» البالغ من العمر 18 عاما، على الانتحار شنقا داخل منزل الأسرة في مدينة المحلة الكبرى.
كانت البداية، بورود بلاغ من أسرة البرلماني السابق حمدي الفخراني الهارب من حكم قضية، يفيد بعثورهم على جثة نجلهم «خالد» 18 عاما، داخل غرفة نومه بمنزل العائلة بشارع الجيش بدائرة القسم.
 
التحريات توصلت أن المتوفى يمر بأزمة نفسية سيئة واكتئاب عقب صدور حكم على والده في قضية إهانة القضاء مع مرسي وخيرت الشاطر وهروبه خارج البلاد، وأيضا صدور أحكام ضد شقيقه أحمد 25 سنة طالب بطب الأزهر بالسجن المؤبد في قضية السطو على سيارة نقل الأموال في قسم ثان طنطا عام 2015 مع آخرين، وقضية سرقة سيارة بالإكراه بأول المحلة 5 سنوات وهارب أيضا خارج البلاد.
 
الكارثة وقعت كالصاعقة على البرلماني الهارب، الذي انهار في البكاء على الهواء، بسبب عدم قدرته على العودة من لبنان لمصر وحضور جنازة ابنه، قائلا: «وعايز أشوفه قبل دفن جثمانه وهنزل مصر بكرة، وحتى لو هيتقبض على حيث أواجه عقوبة الحبس 3 سنوات في قضية إهانة القضاء».
 
 

نجل السويدي

من بين أبناء المشاهير أيضا من اختار تلك النهاية، نجل رجل الأعمال أحمد السويدى وسيدة الأعمال هبة السويدي التي اشتهرت بالأعمال الخيرية، الذي أقبل على الانتحار بالقاهرة الجديدة عام 2015، نظرا لمعاناته من مرض نفسي.

وكشفت التحقيقات التي أجراها المستشار إبراهيم أبو عقل، مدير نيابة حوادث شرق، أن المجنى عليه «إسماعيل السويدي» لم يتوف وفاة طبيعية، حيث تبين أنه أقدم على الانتحار داخل غرفة نومه بالفيلا، مستخدما حزام علقه في أعلى سطح الغرفة واستخدمه في شنق نفسه.

 

رأى علماء النفس

حالات الانتحار تتزايد مع مضى الأيام وصعوبة التفاهم فى حل الخلافات الزوجية ليقرر المجني عليه الهروب ليس فقط من الحياة الزوجية بل من الحياة بأكملها، وفى هذا الإطار أكدت أمل محسن، أخصائية نفسية، أن الانتحار جريمة بكل المقاييس ولم يستطيع أحد الوقوف أمام السبب الحقيقى لأن «المنتحر» يقبل على هذه الخطوة بعد تراكم المشاكل والخلافات ظنا منه أن الانتحار هو الوسيلة المثلى فى الهروب مما يعانيه.

«أمل» قالت فى في تصريح لـ«صوت الأمة» أن غالبا ما يأتي قرار الانتحار في لحظة ضعف دون التفكير في العواقب في الآخرة أو الأثر النفسي الذي يحيط بأسرتها جراء ذلك، مشيرة إلى أن تزايد الخلافات نابع من عدم تحقيق المعادلة بشكل صحيح بين أفراد الأسرة لنجاح علاقتهم ببعض، فالتفاهم هو الأسلوب الأمثل لغلق طريق الانتحار عن بال أي طرف منهم

رأى الدين

وبالنسبة لرأى الدين في «الانتحار»، فالأمر لا يزال محل جدل ما بين المطرود من رحمة الله تعالى وما بين رحمة الله التي وسعت كل شيء، حيث إن لا أحد يعلم هل هو مؤمن أم كافر، تشمله رحمة الله أم مطرود من تلك الرحمة الله؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه معظم الأسر التي ينتمي إليها عدد من المنتحرين ذلك حماية لنفسها من العار المجتمعي الذي يلاحقها.
 
رجال الدين من الأزهر الشريف، أكدوا أنه لا بدَّ من التفريق بين تعامل المولى عز وجل مع المنتحر وتعامل المسلمين معه، حيث إن المسلمين يجب أن يتعاملوا مع المنتحرين كأى مسلم عادي، يدفن في مقابر المسلمين، لأن الانتحار ذنب وكبيرة من الكبائر، والله يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك به، والله قادر على أن يغفر الانتحار ويدخل الشخص الجنة. 
 
وكذا الأزهر الشريف في فتوى سابقة له، أكد أن المنتحر واقع في كبيرة من عظائم الذنوب، إلا أنه لا يخرج بذلك عن الملَة، بل يظل على إسلامه، ويصلَى عليه ويغسَل ويكفَن ويدفن في مقابر المسلمين؛ قال شمس الدين الرملى في «نهاية المحتاج» (2/ 441): [(وغسله) أى الميت (وتكفينه والصلاة عليه) وحمله (ودفنه فروض كفاية) إجماعا؛ للأمر به في الأخبار الصحيحة، سواء في ذلك قاتلُ نفسِهِ وغيرُه.

القانون والانتحار

التشريعات الجزائية تُعدّ في أغلب الدول العربية متقاربة؛ لما لها من مرجعية تاريخية مشتركة سواء كانت إرثًا ثقافيًا أو استعماريًا، ولذلك فإن كثيرًا منها قد تناول بعض الموضوعات بشكل متشابه، مع وجود بعض الاختلافات لأسباب تتعلق بوضع كل دولة، فما رأي القوانين العربية في مسألة اﻻنتحار؟ وكيف تعاقب السلطة القضائية المُحرِّضين على إنهاء الحياة أو المساعِدين في اﻻنتحار؟ وهل مِن دولة تعاقب مَن يحاول اﻻنتحار؟

تناولت التشريعات الجزائية العربية موضوع الانتحار بشكل متقارب؛ فأغلبها لم تجرم الانتحار نفسه ولا الشروع فيه ولكنها جرَّمت التحريض عليه والمساعدة فيه.  

فى هذا الشأن، تقول الخبير القانوني ياسر سيد أحمد، أن التحريض يعرَّف قانونًا بأنه «حمْل شخص آخر ومحاولة حثه بأي طريقة كانت على الإقدام على الجريمة»، مؤكداَ أن التحريض على الانتحار هو النوع الوحيد من التحريض المجرَّم على فعل ليس مجرمًا، ويكون التحريض بأية طريقة مثل الكتابة أو التلقين، أما توفير وسائل الانتحار فهي ترقى لأن تكون مساعدة تتعدى التحريض.  

 

الانتحار فى القانون المصرى.. المُحرِّض مُدان لكن المُنتحر ليس كذلك

وأضاف «أحمد» فى تصريح لـ«صوت الأمة» أن القانون المصري لا يعاقب على الانتحار لكنه يجرِّم التحريض والمساعدة دون الفعل ذاته، وكذلك القانون الكويتي الممثل بالمادة «١٥٨» من قانون الجزاء: «كل مَن حرض أو ساعد أو اتفق على الانتحار وانتحر يعاقب بالحبس لمدة لا تجاوز ٣ سنوات وغرامة لا تجاوز ٣ آلاف روبية (وهي العملة المتداولة في بعض القوانين) أو بإحدى هاتين العقوبتين».

 

يُعاقَب بالسجن ١٠ سنوات على الأكثر من قتل إنسانًا قصدًا بعامل الإشفاق بناءً على إلحاحه بالطلب.

الانتحار فى سوريا

وأشار «أحمد» إلى أن المِثل في القانون السوري، إلا أنه أخذ بظرف التخفيف من مسؤولية القاتل في حالة الإشفاق في المادة رقم (٥٢٨) من قانون العقوبات؛ إذ «يُعاقَب بالسجن ١٠ سنوات على الأكثر من قتل إنسانًا قصدًا بعامل الإشفاق بناءً على إلحاحه بالطلب»، وبخاصة في حالات المرض المستعصي؛ فقد وجد المُشرِّع السوري هنا أن دافع القتل إنساني إشفاقًا على طالب الموت فخفف العقوبة.

الانتحار فى العراق

وأوضح أن الفقرة (٣) من المادة (٤٠٨) من قانون العقوبات العراقي تنص بشكل صريح على عدم تجريم الشروع في الانتحار بأنه «لا عقاب على من شرع في الانتحار»، لكن المُشرِّع العراقي في المادة رقم (٤٠٨) الفقرة (١) فرض عقوبة السجن مدة لا تزيد على ٧ سنوات لكل من حرض على الانتحار أو ساعد فيه.

 

وأكد أن القانون يشترط في بعض الأحيان وقوع «الانتحار» وقتل النفس حتى تتم معاقبة المحرض والمساعد كما في القانون الكويتي والسوري والعراقي، وفصّل القانون السوري هذا الأمر؛ إذ يعاقب المحرض والمساعد حتى لو لم يقع الانتحار لكن نجم عنه إيذاء أو عجز دائم، وذلك في المادة (٥٣٩) من قانون العقوبات.

 

الشروع في الانتحار لا يعاقب عليه إلا إذا كان عسكريًا وفعل ذلك للهروب من خدمته العسكرية.  

وشدد القانون العراقي العقوبة على المحرض والمساعد إذا كان المنتحر قاصرًا لم يُتم الثامنة عشرة من عمره أو ناقص الإدراك والإرادة، أما إذا كان فاقدًا لهما، فيعاقب المحرض والمساعد بعقوبة القتل العمد أو الشروع فيه.

 القانون الأردنى

أما في القانون الأردني فإن الشروع في الانتحار لا يعاقب عليه إلا إذا كان عسكريًا وفعل ذلك للهروب من خدمته العسكرية.

قد يكون المُنتحِر مُجرِمًا

وأوضح «أحمد» تدور فلسفة المشرِّع بشأن عدم تجريم «الانتحار» و«الشروع فيه» حول أمرين؛ فالمنتحر قد انتهت حياته ولذلك تسقط عنه أية عقوبة قانونية، أما من يشرع في الانتحار فهو فاقد للأمل يائس من الحياة لأي سبب كان، سواء كان ضغطًا اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو نفسيًا، فلا يرى المُشرِّع هنا أنه من المنطقي معاقبته على يأسه بما يزيد منه، بل تجب مساعدته، كما أنه عدّ الموت وسيلة نجاة؛ فلا فائدة من معاقبته بعقوبة أخرى.

إلا أن تشريعات عربية أخرى اتخذت منحى آخر في هذا الشأن؛ فعاقبت على الشروع في الانتحار، مثل القانون العماني الذي ينص على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبالغرامة التي لا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلًا من الأفعال التي تؤدي إلى الوفاة عادةً».
 
كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلًا من الأفعال التي قد تؤدي إلى وفاته يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة أو بغرامة.
 
والأمر كذلك في القانون القطري؛ إذ تنص المادة (١٥٧) من قانون العقوبات القطري على أن «كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلًا من الأفعال التي قد تؤدي إلى وفاته يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة أو بغرامة لا تزيد عن ألف ريال أو بالعقوبتين معًا»، والقانون السوداني أيضًا يرى الأمر بالطريقة نفسها، فهو ينص في مادته رقم (١٣٣) على أن «من يشرع في الانتحار بمحاولة قتل نفسه بأي وسيلة يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معًا».

 

ما الذي يمكن للدولة فعله؟

وسط اهتمام التشريعات العربية بما يخص الانتحار ووضع نصوص قانونية له، ما دور الدولة وما الذي تقدمه لمن لديه ميول انتحارية أو سوابق في الشروع في الانتحار؟ هل هناك مراكز متخصصة لمساعدة من تنتابه هذه الرغبات؟

أكد «أحمد» أن الظروف السياسية والإقليمية والاقتصادية التي تعيشها الدول العربية على الدوام لم تتح مجالاً للاهتمام بهذه القضية، فهى في الواقع ليس هناك اهتمام عربي كاف بهذا الشأن من قبل الأجهزة الرسمية للدولة، وربما كان السبب هو أن معدلات الانتحار في الوطن العربي لم ترقَ، من وجهة النظر الرسمية، إلى أن تكون ظاهرة تحوز اهتمامَ الدولة، أو أن الظروف السياسية والإقليمية والاقتصادية التي تعيشها الدول العربية على الدوام لم تتح مجالاً للاهتمام بهذه القضية.

وأضاف «أحمد» أنه تجد في القاهرة من الشباب الناشطين اجتماعيًا من يتطوع للحد من هذه الحالات، وتابع: «وعلى هذا نتمنى تفعيلاً أكبر لدور الدولة في معالجة الأمر والتدخل لمساعدة من لديه هذا النوع من الميول، وذلك عن طريق توفير مراكز للصحة النفسية وخطوط هاتفية مباشرة لحالات الطوارئ، بالإضافة إلى الحملات التوعوية للمحيطين بمن يفكر في الانتحار ليؤدوا دورهم في مساعدته، ومن المهم أيضًا إجراء البحوث والدراسات حول أسباب الانتحار والوصول إلى المعدلات الحقيقية لعدد المنتحرين ومن لديهم ميول انتحارية مما سيسهم في معالجة المسألة التي قد تؤثر في المجتمع والدولة».

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق