صديقي الصرصار

الجمعة، 30 مارس 2018 06:51 م
صديقي الصرصار
مجدى أبو زيد يكتب:

من عادتي ما أن أدخل منزلي أرمي "شنطة الشغل" على الأرض، ثم أُخرج اللابتوب وأضعه على المكتب لدواعي أي عمل طارئ قد يُطلب مني خارج الدوام.
عندما بدأت بوادر الصيف تهلُ، رأيت كم صرصار يسرحون في المطبخ، فاتصلت بشركة مكافحة الحشرات، حيث أتوا وقاموا برش المنزل ووضع عجائن المكافحة في أرجاء البيت، وارتاح بالي من هذه الحشرة المزعجة.
 
وذات يوم، ذهبت في إجازة نهاية الأسبوع إلى "الكوفي شوب" المفضل لدي ومعي بعض المهام الوظيفية.. فتحت الحقيبة لإخراج جهاز الكمبيوتر لأبدأ العمل، لكني فوجئت بصرصار صغير- يكاد لا يُرى بسهولة - يهرول في ثنايا الشنطة المليئة بالأوراق. لم أنزعج نظراً لحجمه متناهي الصِغر، لكنه بدا لي في منتهى الشقاوة، لأنني حاولت طرده لكنه كان "يزوغ" مني في جيوب الشنطة.. تركته وواصلت عملي. وما أن وصلت البيت أفرغت حقيبتي لكني لم أجد له أثراً على الإطلاق وشعرت بالراحة.
 
وحين دُعيت لعزيمة غداء في فندق فاخر بعد انتهاء الدوام، كان من الطبيعي أن أكون برفقة شنطتي.. تغدينا، وأثناء شرب القهوة فتحت الحقيبة لربما تكون هناك إيميلات على كمبيوتري، وجدت الصرصار الشقي "يتعفرت" مرة أخرى، فأغلقت عليه الحقيبة وضحكت.
 
فكرت كثيراً في حكاية هذا الصرصار الطفل، فقلت: يبدو بعد أن أجهزت على نسلِه وعائلته بشقتي، لم يعد لديه ملاذ سواي، وإن شعوره بالوحدة واليُتم دفعه أن يلازمني في كل مشاويري، أو ربما شعر بالزهق والملل من بيتي الذي بلا ملامح من شدة فوضاه، فقرر أن يُرافقني "غصب عني" إلى أماكن أكثر ترتيباً وأناقة. وبدون أن أدري رأيت نفسي أتردد على أماكن مختلفة من "الكوفي شوب" بفنادق عدة وكأني أصبحت مشغولاً بترتيب "نُزهات" لصُرصاري الصغير، بل كنت أضع بعض فُتات الخبز في الشنطة حتى لا يشعر بالجوع، "فهو لا يمكنه شرب القهوة معي "، بل لا يجرؤ على الخروج على الملأ أصلاً.
 
ليس في الأمر مُزحة، فقد قرأت كثيراً عن أدباء وفلاسفة مرتبطون لدرجة العشق بقطط وكلاب وحيوانات أخرى، فما المانع أن أكون مرتبطاً بصرصار يتيم ضعيف وخفيف الدم.
 
وذات يوم، قررت أن أذهب إلى الشاطئ التابع لأحد الفنادق لأمنح "صديقي" بعض النسمات العليلة، لكنه وجدته صريعاً من ثِقل اللابتوب عليه، فتناولت منديلاً ورقياً وأخرجته وأنا أشعر بشيء من الفقد والغربة. اتصل بي صاحب شركة مكافحة الحشرات ليسألني عن مدى فعالية معجون قتل الصراصير، فأجبته: سأخبرك لاحقاً فأنا مشغول بحالة وفاة صديق. 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق