فيلم الرئيس وعودة الدولة البوليسية

السبت، 24 مارس 2018 03:00 م
فيلم الرئيس وعودة الدولة البوليسية
محمد حسن الألفى يكتب:

نفى الرئيس وجود تهديد لحريات الاعتقاد والتعبير لن يكون كافيا فى فترة ترعى فيها سموم الإخوان والنشطاء للتشكيك وفك كتلة ثوار الثلاثين من يونيو
 
ذلك حوار يعد درسا فى العمل الإعلامى، ومن أول شروط وأسرار نجاحه أنه معمول بحب، وخال من الغل، ومن التربص، ومن ندية وهمية يتخيل فيها التافه أنه ينصب فخا للضيف، ويستدعى له دفاتر قديمة ليحرجه أو يحبسه فى سجن من البلل والعرق والإرباك أمام الملايين. 
 
ويلفت النظر الصدق الذى نقلت به ساندرا كل العيوب التى يراها المواطن فى أداء الرئيس، كما نقلت له جوانب من إعجاب ودعوات الشعب له، وبينما كان الرجل يتابع رأى الشعب فيه، على قسوته غالبا رغم كل ما يقدمه له من جهد وانجازات، لم تنقلب نظراته ولم يتجهم، بل بقى وجهه منبسطا ولم تغادره الابتسامة وأحيانا الضحكات الخاطفة. وبذكاء المسئول، وحس ضابط المخابرات، وضع يده بسرعة، من بين كل ما قيل عن الغلاء وعن تدهور فى التعليم وعن تدنى المعاشات وعن نفور شباب لا يرى فيما ينجز فائدة مباشرة له، أقول وضع يده، على نقطة فى غاية الخطورة، هى شعور أغلب المتحدثين بالخوف من العواقب التى ستلحق بهم، لو أعلنوا عن آرائهم الحقيقية وتساءلوا عن جدية إذاعة ما سيقولون، وهم بالفعل قالوا لا نشعر بالأمان وحنروح السجن وربنا يستر، وغيرها من تعبيرات تزدهر فى أجواء الدولة البوليسية.
 
وللحقيقة فإن هذه النغمة شائعة بقوة منذ انتهت تقريبا المرحلة الأخيرة من عملية هادئة عميقة لتثبيت الدولة، بحيث لا تقبل خلخلة تالية. ولقد نفى الرئيس السيسى أن هناك توجيها بذلك، ونفى أن هناك ملاحقة لمن يتكلم ويعرب عن رأيه، وأن القانون يلاحق فقط من يعبر بالعنف عن هذه الأفكار والعقائد.
 
وأحسب أن نفى الرئيس وجود تهديد لحريات الاعتقاد والتعبير لن يكون كافيا، فى فترة ترعى فيها سموم الإخوان والنشطاء للتشكيك وفك كتلة ثوار الثلاثين من يونيو وإحداث تصدع فى العلاقة المبنية على الثقة بين الحاكم والمحكوم. من الحق أن نقول إن لدى الناس شعورا قويا بأن هناك من يتنصت على التليفونات، ومن يترصد الأسرار على مواقع التواصل الاجتماعى، ومن يطل بعينيه من تحت الحروف على «الكيبورد» ليرى ماذا تكتب وماذا تشير للآخرين!
 
استمرار هذا الشعور بعدم الأمان يخصم مما تحقق للمواطن من شعور بالأمن. الأمن هو الطمأنينة المادية، جسدا وعرضا ومالا، أما الأمان فهو الطمأنينة النفسية، تتحدث براحتك، تعربد بأفكارك، تهمس لروحك، تعارض فى قوة، دونما تشعر بأن أحدهم يشارك أذنيك السمع، أو تلفحك أنفاسه الكريهة!
 
بالطبع، فإن المواطن السليم فى وطنيته، لن يكترث إن كان هناك من يتلصص على عوراته النفسية حتى، لكن شيوع هذا الشعور يهدد الحقوق الدستورية المتفق بين الشعب والرئيس.
 
المطلوب فورا هو البناء على تأكيدات رئيس الجمهورية بأنه لا مراقبة ولامعاقبة، ولا متابعة، ولا تهديد لكل من نطق أو تحدث أو كتب، وأن للمواطن الحق الكامل فى التعبير عن أفكاره وفق حقوقه المنصوص عليها بالدستور والقانون.
 
لو التزمت الداخلية الصمت تجاه ما جاء فى فيلم شعب ورئيس، وهو فى الحقيقة، فيلم كاشف، فإنها ستضيع على نفسها وعلى الدولة فرصة فريدة لتثبيت دعائم الثقة، والأمان. ربما يرى مسئول أن التزام سياسة «لا نفى ولا تأكيد» من خلال التزام الصمت، قد يرسخ السلامة والاستقرار المنشود. لم يفلح ذلك فى أزمنة قريبة، ودفعت الداخلية والبلد كلها الثمن الفادح ولا نزال. إن فعلنا فسوف يسلم الناس عقولهم لفحيح الإخوان الخونة والعملاء الإبريليين والفوضويين الاشتراكيين.
 
الجدية التى ملأت ملامح الرئيس بخصوص هذه النقطة الحساسة هى رسالة بأنه لن يرضى أن يوصف حكمه بالخوف، وبالتخويف، وقال إنه سيعمل على معالجة هذا الأمر، ونتصور أنه لا معالجة إلا بإزالة هذا الشعور الذى ردده مواطنون عاديون من طبقات كثيرة.
 
احتوى الفيلم أيضا على فهم ساخر متزن مما تورده برامج الردح الليلية ستة أيام وخمسة أيام، وأنها لكى تحقق أرباحا وتجلب إعلانات لابد لها من الخوض فى قضايا تمس عرض المجتمع وقيمه وأخلاقياته، بالتركيز على أحداث لا يخلو منها مجتمع، ولن يخلو فى أى عصر من العصور، ولعل هذه الإشارة تذكر الناس بالمذيع حريقة أو بنزينة أو المشعللاتى! اللغوصة فى مصارين المجتمع ونصفه الأسفل وعفاريته ليست إعلاما، بل هى عار على المهنة وعلى القناة وعلى المذيع الذى يسعى وراءها سعى المريض المتلذذ! 
 
الهدوء والبساطة والحياء والإيمان أجمل مفردات الصورة والصوت فى نهر الحوار بين الشعب والرئيس.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق