تمثال عبد الناصر فى ماسبيرو
الجمعة، 23 مارس 2018 04:19 م
بعض المسؤوليين من بقايا الدولة العميقة، داخل مؤسسات الدولة، قد يتخذون قرارات ويأتون بسلوكيات، وتصرفات تدفع ثمنها فى النهاية القيادة السياسية، وتتحمل "غباء" القرار، الذى قد يأتى من التفاني فى النفاق وإظهار الولاء، والانتماء الشديد حتى لو جاء على طريقة «الدبة التى تؤذي صاحبها».
هؤلاء المسؤوليين لو توصلت إليهم، تجدهم قد عاشوا في كافة العصور الماضية، ومارسوا نفس السلوكيات واتخذوا ذات القرارات، مع اختلاف الظروف السياسية؛ لتأكيد ولائهم وانتماءهم المزيف، حتى يؤكد نظرية «أنا بتاعك يا بيه».
نفس هؤلاء المسؤوليين عملوا مع السادات ومبارك، حتى مع الإخوان، وقدموا كل فروض الولاء والطاعة، وخلعوا الزي التقليدي مع السادات ومبارك، وارتدوا جلبابا وأطلقوا لحاهم، وحفوا شواربهم مع مرسى وجماعته، وبعد نجاح 30 يونيو عادوا من جديد، كأشد المناصرين والمؤيدين للثورة، بل هم من ساهموا فى قيامها ونجاحها!
لاحظت ذلك بنفسى داخل مبنى ماسبيرو، خلال السنوات الماضية، والأسماء بعينها كادت أن تتحول في زمن الإخوان إلى أولياء الله الصالحين، وامتلأت طرقات المبنى بـ«الحصير» وتحول «ميضة» كبيرة، وأراد غالبية العاملين في المبنى إظهار الولاء للإخوان، حتى لو كان بواسطة التدين الشكلي، ولو كان على حساب العمل والإنتاج.
هؤلاء هم أنفسهم الآن، الذين أرادوا بتصرف صغير غير مسؤول، منافقة الدولة الجديدة، والرئيس الذي أؤكد أنه لا يحتاج إلى هذا النفاق الرخيص، وغير المسؤول، وهو بشعبيته وإنجازاته في غنى حتى عن أمثال هؤلاء، وقال ذلك بنفسه في حواره الأخير مع المخرجة المتألقة "ساندرا نشأت".
لكن الفساد في ماسبيرو ليس فقط فسادًا إداريًا وماليًا، وإنما أيضًا فساد يجسده النفاق، فالقصة بدأت منذ أسبوع تقريبًا، عندما فوجئ العاملون الشرفاء في ماسبيرو باختفاء تمثال الزعيم جمال عبد الناصر، من مكانه في وسط بهو مدخل المبنى عند باب 4 الرئيسى.
وعند السؤال تهرب الجميع، بما فيهم المسئول الكبير عن المبنى وعن العاملين فيه عن الإجابة، رغم أن القضية لا تستحق الجدل، وحالة الغضب التى أعقبته، لكنه تصرف مسؤوليين صغار، لا يدركون رمزية وقيمة وجود تمثال للرجل، الذى أعطى تعليماته في الخمسينات بإنشاء التليفزيون، وكان حقه أن يوضع له تمثال نصفي في غاية الروعة من البرونز، قام بنحته الفنان الراحل النحات الشهير جمال السجينيي، وتم وضعه في هذا المكان عام 1961 م، ثم اختفى بفعل فاعل فى العصور التى تلت عبد الناصر، حتى أمر الرئيس السيسى نفسه بعودة التمثال إلى مكانه الطبيعى فى ماسبيرو.
القصة صغيرة في تفاصيلها، لكنها كبيرة فى معناها، وكان يمكن تفادى حدوثها، لو أن السيد المسؤول الأستاذ حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام خرج، بتصريح صحفي أو بيان تم توزيعه على وسائل الإعلام، بخصوص رفع التمثال من مكانه «في إطار خطة التطوير» وتحديد موعدا لعودته، لأن غياب التمثال يمثل خسارة فنية ووطنية.
أيها السادة في الدولة العميقة، لسنا في حاجة كشعب، ولا الرئيس السيسي أيضًا، في حاجة إلى هذا التجويد والنفاق، أعيدوا التمثال إلى مكانه فلن يؤذى وجوده أحد، ولن يعرقل خطة التطوير أبدا، إلا من كان يرى أن مجرد وجود تمثال لـ«عبد الناصر»، قد يوقظ ضمائرهم مرة أخرى، ويذكرهم بمرحلة كان ماسبيرو هو صوت الدولة الحقيقى، قبل سقوطه في بئر الفساد والانهيار الإداري، وأظن هذا مستبعدًا.