كوريا الشمالية تهزم الولايات المتحدة
السبت، 17 مارس 2018 12:19 م
نذكر العام الماضي بعد تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة، عندما وقف يخطب في الشعب الأمريكي ويكيل الاتهامات والانتقادات لسلفه الرئيس السابق أوباما، ومنها اتهامه له بالتهاون في التعامل مع كوريا الشمالية وبرنامجها النووي وزعيمها كيم جونغ اون الذي نعته ترامب بأسوأ الألفاظ،
وتوعد ترامب آنذاك بأن يحل الأزمة الكورية بالحديد والنار، مهدداً بضرب كوريا الشمالية بأقوى الأسلحة، واشتعلت الأزمة وحرب التصريحات والتهديدات المتبادلة، وبات العالم في انتظار لحظة الصدام النووي.
وفي الوقت الذي كانت واشنطن تمارس حرب التصريحات والتهديدات الكلامية، كان زعيم كوريا الشمالية يسارع في بناء برنامج بلاده النووي، وكانت عجلة العمل تدور بسرعة غير عادية تحت وطء التهديدات الأمريكية القوية والتلميح بالحرب القادمة، وفجأة أعلن الزعيم الكوري عن أن صواريخه النووية باتت قادرة على الوصول للمدن الأمريكية في دقائق معدودة، وظن الكثيرون في العالم أن هناك مبالغة في الأمر، لكن العالم فوجئ بتأكيدات من واشنطن نفسها بأن بيونغ يانغ تملك الصواريخ الباليستية القادرة على الوصول لأي مكان في العالم.
العالم كله تعامل مع الزعيم الكوري على أنه "مجنون قوة وداعية حرب" ولم يتخيل أحد أن هذا الرجل البدين الذي يصفونه بأشياء شاذة كثيرة، يفهم في السياسة ويملك القدرة على الحوار والتفاهم مع أحد، ولكن، وبالتحديد مع مطلع العام الجديد 2018 فوجئ العالم بالزعيم الكوري كيم جونغ أون، في رسالته لشعبه بمناسبة العام الجديد، يتحدث عن "أهمية تحسين العلاقات بين الكوريتين الشمالية والجنوبية تمهيداً لاتحادهم الطوعي في المستقبل"، ولم تكد أصداء هذا التصريح تخفت حتى أعلنت بيونغ يانغ في الثالث من يناير عن تشغيل الخط الأحمر في الاتصال مع سيول، وبعد ذلك بخمسة أيام فقط فوجئ العالم بلقاء بين وفدين من الكوريتين يجلسان معاً للمباحثات في مدينة تقع على الحدود بينهما، كل هذا يحدث وبسرعة متلاحقة، والعالم يتساءل، ما الذي حدث ومهد لهذا التقارب المفاجئ بين البلدين بينما التصريحات بين بيونغ يانغ وواشنطن مازالت تتصاعد وبحدة تهدد بالحرب بينهما؟
الغريب في الأمر أيضاً أن الزعيم الكوري كيم جونغ أون لم يبدي أي ضعفاً أو تراجعا أو تنازلات، بل على العكس أعلن مراراً أن بلاده لن تتخلى عن نهجها في بناء قوتها العسكرية والنووية، وأنها لن تغير سياساتها تجاه أعدائها.
وبدأت بوادر تحسن العلاقات بين الكوريتين، وذهب وفد من كوريا الشمالية للمشاركة في أولمبياد الألعاب الشتوية في كوريا الجنوبية، ولاقى ترحيباً كبيراً على المستويين الرسمي والشعبي، وبدأت بالفعل بوادر تحسن العلاقات بين البلدين، كل هذا جرى وبدون إجراء أية محادثات سياسية أو أمنية، وهنا استشعرت واشنطن أنه لا مبرر لاستمرارها في سياساتها العدائية وهجومها وتهديدها لكوريا الشمالية وزعيمها، خاصة وأن أصحاب المصالح الرئيسيين متفقين، ولم يكن لواشنطن الفرصة ولا الحق في التدخل أو فرض أية شروط للسلام مع بيونغ يانغ، ولا حتى للحديث عن برنامجها النووي وصواريخها العابرة للقارات، خاصة وأن الخصوم الأساسيين في كوريا الجنوبية لم يناقشوا أياً من هذه المسائل، وتصالحوا بدون اية شروط ولا مقدمات، الأمر الذي لا يعني أن كوريا الشمالية ستتنازل عن شيء، ويعني في نفس الوقت أن كوريا الجنوبية موافقة على التعايش مع جارتها الشمالية في ظل هذه الظروف، فقط من أجل السلام بينهما.
السؤال المطروح الآن، هل انتهت اللعبة الكورية، ومن المنتصر ومن المنهزم فيها؟
الخبير السياسي في جامعة كولومبيا جول ويت يرى أن إدارة ترامب تلقت هزيمة قاسية من بيونغ يانغ، ويقول ويت: "رغم كل العقوبات المفروضة من واشنطن على كوريا الشمالية وأيضاً العقوبات التي تهددها بها واشنطن والغرب، ورغم كل الضغوط التي مورست على بيونغ يانغ وزعيمها طيلة الأعوام الماضية، خاصة مع إدارة ترامب، فإن كوريا الشمالية أصبحت، وباعتراف واشنطن والعالم كله، دولة نووية، وأثبت زعيمها الذي سخروا منه ومن شكله وبدانته كثيراً، واحداً من أذكى القادة السياسيين والعسكريين، فبعد أن اكتسب الاعتراف بقوة بلاده النووية، ذهب على الفور ليعقد السلام مع جارته الجنوبية، ليسقط الأمر في يد واشنطن وإدارة الرئيس ترامب التي باتت لا تدري ماذا تفعل، وهل تستمر في تهديداتها وتصعيدها للأزمة، ولكن ما المبرر إذا كانوا أصحاب المصالح أنفسهم قد اتفقوا على السلام؟
لم تجد إدارة الرئيس ترامب فرصة للاستمرار في تصعيد الأزمة، واضطرت أن تسلم بهزيمتها الكبرى، فقد اعترفت ضمنياً بكوريا الشمالية كقوة نووية، وبات عليها فقط أن تتفاهم وتتحاور معها، وهذا ما فعلته بموافقة ترامب على الجلوس والحوار مع الزعيم الكوري كيم جونغ أون قبل نهاية مايو القادم.
الآن بعد أن نالت كوريا الشمالية الاعتراف العالمي بها كقوة نووية، أصبح زعيمها "كيم جونغ أون" هو الذي يملك الحق في تحديد قواعد اللعبة وفق مصالح بلاده، ولن يجبره أحد على الخضوع لقواعد اللعبة الأمريكية.
متخصص في الشئون الدولية