ملاحظـات عـن التفاصيــل الجنسية في " المتـاهــات.."..!

الأربعاء، 14 مارس 2018 04:32 م
ملاحظـات عـن التفاصيــل الجنسية في " المتـاهــات.."..!
برهــان شـــاوي يكتب:

كثيرا ما يسألني بعض القراء والأصدقاء عن هذا التركيز على ذكر التفاصيل الجنسية في رواياتي..لاسيما في المتاهات..وهل هناك ضرورة لها..؟ ألا يمكن عبورها بكلمات موحية دون صدم القارئ بمفردات قد تخدش الحياء..؟ بل هناك بعض القراء والقارئات من تجاوز القول بشتمي..واتهامي بالعقد النفسية..وابتزاز القارئ..وبالعلمانية التي تريد تخريب الأخلاق والدين..!!.
 
أنا لا أكتب على طريقة الأفلام المصرية..الرجل والمرأة يدخلان إلى الغرفة ويغلقان الباب.. والبقية تجري في مخيلة المشاهد.. لا..الأمر ليس كذلك في الحياة أبداً..! فقد يكون الرجل ساديا يضرب المرأة..وقد تكون هي تحب العنف..وقد يكون هو عاجزاً..وقد يكون سريع القذف فيجعل من الممارسة الجنسية لحظات عذاب نفسي للمرأة..وقد تكون رائحته كريهة..وقد تكون هي باردة..و.و.و. في تلك التفاصيل تسقط الأقنعة..وتنهار الحواجز..ويكشف الإنسان لحظتها عن أعماقه الغامضة..وبالنسبة لي إذا كانا من شخصياتي الروائية فسأدخل معهما الغرفة لأكشف عن طبيعتهما..!
 
الجنس..وبالتحديد تفاصيل العملية الجنسية هي التي تكشف عن شخصية الإنسان والطبيعة النفسية له..تكشف عن كل لحظات ضعفة وساديته وعجزه وحيوانيته..فمثلا..اللحظات التي عاشتها حواء ذوالنورين مع قابيل العباسي في متاهتي الثالثة " متاهة قابيل".. فهي تكشف بأن كل قناع شخصيتها القوية يبدو هشاً ومتهزاً ومنهاراً..فهي تنهار بشكل ماسوشي في لحظات الممارسة مع صديق ابنها الذي تزوجها بالقوة..وتكشف عن ضعف هائل ورغبة في اذلال النفس..وكأنها تكفر عن عقدة ذنب وكذلك عن عقدة أوديبية معكوسة.. وكذا في لحظات اغتصاب حواء اللهيبي من قبل رجل المخابرات آدم التكريتي وتابعه آدم الضبع..في متاهتي الأولى " متاهة آدم"..أو ما جرى مع حواء صحراوي في " متاهة الأشباح"..أو ما جرى لآدم بوناروتي في فلورنسا في متاهتي الخامسة " متاهة إبليس"..أو ما جرى للسيدة " إيفا سميث" في متاهة الأرواح المنسية" عند الدرج ..أو في شقة آدم زاباتو....!!.
 
في التفاصيل الجنسية تتكشف الأقنعة الاجتماعية كلها..فأثناء الممارسة يتلفظ الرجل والمرأة ألفاظا تكشف عن شحنتاتهم النفسية..لكنهما يخجلان منها بعد لحظات من الانتهاء من الممارسة..
 
أنا أنتمي لمدرسة التحليل النفسي الما بعد فرويدي، والتي يطلق عليها اسم " اليسار الفرويدي".. التي من مؤسسيها كارل غوستاف يونغ وأدلر وهربرت ماركوزة واريش فروم..,وفي السرد الروائي انتبه إلى جانبها اللغوي..أي التوقف عند الألفاظ ودلالتها أوعند ما يسمى " بزلّات اللسان" وعن الجمل الساخرة والاستهزاء أو العنف اللغوي ودلالته النفسية في الكشف عن الشخص المتحدث..
 
حينما أكتب عن شخصية أو تركيبتها النفسية، برغم دراستي المسبقة ومعرفتي بتحليل الشخصيات من زاوية علم التحليل النفسي..أتوجه لمراجعة عشرات المصادر والبحوث والإحصائيات..والأفلام والفيدوهات والمحاضرات المصورة عن موضوع الحالة التي تكون الشخصيات الروائية فيها..!
 
صحيح أنني لا أكتب بحثا علميا..لكني استهدي بالطبيعة البشرية وما كتب الأطباء النفسانيون والاجتماعيون عنها..المشاهد كثيرة..لكنها لا تتشابه ..ربما تتشابه في الجوهر لما فيها على الأغلب من عنف ظاهر..لكن ذلك يذكر بمقولات علماء النفس في الوضع البشري عند الممارسة..انه وضع عنيف وحيواني..أما تأثيراته النفسية على الشخصية فتلك اللحظات هي التي تكشفها..فبعد الممارسة يسارع البشر لإرتداء أقنعتهم الأخلاقية بسرعة..
 
وهناك من النساء من تعتقد أنها اقترفت شيئا نجسا..لكنها مضطرة لإرضاء الزوج..لسبب بسيط هو أنها لا تشعر باللذة مع الرجل..أو أن الرجل من الأنانية بحيث ينتهي بسرعة ويترك المرأة في توتراتها النفسية..وربما تكتشف في نفسها ميلا إلى النساء..أو أشياء غامضة اخرى تجري في النفس خلال تلك اللحظات..عموما..لو لم أذكر التفاصيل لما أستطعت أن أكشف عن ضعف الشخصيات وقوتها..
 
وأنا أفهم أن لا يتقبل بعض القراء هذا الأمر وينفرون منه بل يتهموني بشتى أنواع الاتهامات الأخلاقية والنفسية..أنا أفهم أن كل ذلك مرتبط بطبيعة القراءة..فكما يقول رولان بارت: "إنّ هذا (الأنا) الذي يقترب من النصّ هو نفسه سلفًا متشكِّل من تعدّد نصوص أخرى، وأنساق لا نهائيّة"...
 
أي أن تجربة القراءة وموقف القاريء من النص الروائي وتقبله له ليس له علاقة مباشرة بالمؤلف..وإنما بالقارئ نفسه..إذ تتعلق بذائقته..وفهمه..وطبيعته النفسية..ومنظومته الأخلاقية.. وبلحظة القراءة وطقسها..
 
هناك من يرفض ذلك...وهناك من يتقبل هذا الجانب على استحياء..وهناك من يجده كشفا نفسيا جديدا..وهناك من يرفض في العلن ويتقبله ويرتاح له في السر، بل ويعيد قراءة تلك المشاهد مرات..وهناك من يعبر تلك المشاهد دون قراءة..وهناك من كال لي الشتائم واتهمني بالتعقيد النفسي والهرطقة الأخلاقية..وهناك من بارك جرأتي على التوغل إلى تلك المناطق الملغومة.!.
 
وربما هنا أود التنبيه إلى أن البعض الذي عاب عليّ استخدامي لبعض الكلمات النابية، المبتذلة، المكشوفة والفاضحة..بأنهم ربما لا يعلمون بأن تلك الكلمات التي استخدمتها هي فصيحة جداً من الناحية اللغوية..فمثلا مفردة (النيك) هي مفردة فصيحة جداً ووجدت حتى في عناوين كتب الأئمة والشيوخ الذين فسروا القرآن وكتبوا الرسائل اللاهوتية العديدة..فالعلامة الجليل جلال الدين السيوطي صاحب أحد أهم التفاسير القرآنية المعروفة ب (تفسير الجلالين).. لديه كتاب معروف اسمه (نواضر الأيك في معرفة النيك)..فكيف بمفسر متميزللقرآن يذكر ذلك في عنوان كتابه..!!؟؟ بل إن أهم كتاب في التراث العربي الإسلامي وفي التراث الإنساني وهو كتاب " ألف ليلة وليلة" مبني على حكايات جنسية جداً وبلغة جنسية أقرب للغة الشارع كما جاء في طبعة بولاق قبل أن تدخل عليه التعديلات ويحجّب ويعاد صياغة كلماته وحذف المفردات الفاضحة والمفضوحة منه..!!؟؟؟.
 
ولا أريد أن اذهب أبعد..على الرغم من أني توقفت عند ذلك في تعليق الكاتب البغدادي حول روايته في المتاهة الأولى " متاهة آدم"..ووعيه لردود الأفعال المتشنجة التي سيواجهها نتيجة توغله في تلك المناطق المحرمة والمحجبة بحجاب الأخلاق..!.
 
وبشكل عام..الجنس كتحريم اجتماعي وقناع أخلاقي لا يصمد أمام أسئلة الإبداع..فكيف يمكننا فهم رواية " السراب" المتميزة لنجيب محفوظ بدون تلك الإضاءات الجنسية الباهرة حول شخصية "كمال" وممارسته للعادة السرية، وكذا الأمر مع العالم السري والوجه الحقيقي للشخصيات في رواية " خضراء كالبحار" لهاني الراهب..وكيف نفهم تلك الإنعطافة الهائلة في شخصية "بعطوش" في رواية " اللاز" للطاهر وطار بدون مشاهد اغتصابه لخالته، وكيف نفهم عالم الشخصيات في معظم روايات حنا مينه..وكذا فؤاد التكرلي في قصصه القصيرة وروايته "المسرات والأوجاع".. أو عالم اسماعيل فهد اسماعيل ، أو علي الشوك أو ناطق خلوصي..أو روايات الكاتبات علوية صبح، حنان الشيخ، سمر يزبك..سحر خليفة..عالية ممدوح..
 
ويمكن رصد هذا التوجه في أعمال كتاب الرواية من الأجيال اللاحقة في المشهد الروائي العربي أمثال : عبدالستار ناصر..حميد العقابي، سلام إبراهيم، صلاح صلاح، أيمن مارديني، حزامة حبايب، فضيلة الفاروق، عفاف البطاينة، جنى فواز الحسن، هيفاء بيطار.. سلوى النعيمي، وحيد الطويلة ، ومحمود الغيطاني، محمد جعفر، محمد بن جبار، وسمير قسيمي، وغيرهم لا يحضروني الآن..
 
بل أن تلك الكشوفات الفاضحة لا يمكن الاستغناء عها في رواية " عشيق للليدي شاترلي" للخالد د. ه. لورنس..ولا " ربيع أسود" للمتمرد الكبير هنري ميللر..ولا " مثلث فينوس" للكاتبة الفتية أبداً أنيس نن.. ولا يفوتني هنا الكاتب الكبير " البيرتو مورافيا" الذي كرس للعضو الذكري رواية كاملة بعنوان " أنا ..وهو " تُعد من رواياته المهمة..والأمثلة كثيرة.
 
وبعيداً عن تأويلات الجنس وسرد تفاصيله في الرواية فأن موضوعة الجنس بحد ذاتها تشكل خرقا للعقلية التقليدية ومواجهة مع النفاق الاجتماعي، ومواجهة مع أسئلة الحياة والموت والحب والحضارة كما يطرحها سيغموند فرويد وهربرت ماكوزه وأريش فروم..وغيرهم.. وطبعا هنا الحديث لا يطال هؤلاء الذيت يبتزون القاريء بالعروض الجنسية التي لا تحتملها الضرورات السردية واللحظة الدرامية في البناء الروائي.
 
وبالنسبة لي شخصيا ، فأنا كرؤية للإنسان، أفهم الكائن البشري ككائن بايولوجي..من لحم ودم ..وأعصاب..ورغبات نفسية غامضة..وهو مبتلى بوجوده الاجتماعي..وتربيته العائلية في الطفولة..وهما اللذان يشكلان وعيه الفردي ووعيه الجمعي..ولا وعيه الفردي ولا وعيه الجمعي..فصراع الوعي واللاوعي يجد أكثر تجلياته وضوحا أثناء الممارسة الجنسية.. مهما حاولنا أن نحجبها بالأخلاق والدين والعيب وحرمة العلاقة..
 
وهذا القمع النفسي نتيجة التربية والضغط الاجتماعي يدفعان الكائن البشري إلى التعبير إراديا أو لا إراديا عنهما في حقل نشاطه الجنسي..سواء كان رجلاً أو امرأة.
 
وبما أنني أكتب الرواية النفسية والمعرفية فأنني لا أتردد أبداً في الكشف عن عالم الإنسان النفسي والذي يشكل الجنس بؤرة الارتكاز فيه، من خلال المشاهد الجنسية العنيفة..فالجسد البشري هو أول حقل للإنتهاك وممارسة العنف..بما في ذلك الرغبة الجنسية القائمة على الحب!.
 
مرة أخرى.. أوؤكد القول بأن الجنس يشكل أحد التابوهات التي أحاول التوغل فيها من خلال أعمالي الروائية، إلى جانب مشاكسة المقدس ونصوصه المتوارثة وطرح أسئلة جديدة حول معنى الحياة والوجود والسؤال عن : من أين..؟ وإلى أين..؟ ومن هـو؟، وتفكيك عقلية العنف السياسي والتوغل في جذورها ودوافعها الحقيقة التي تكشف عن جانبها الجنسي أيضاً.
 
أما عن ابتزاز القارئ والسعي إلى الشهرة المجانية فأقول إنني أطبع ألف نسخة من كل رواية..وهي موجهة لأكثر من مئتين وخمسين مليون عربي وأكثر من ذلك ممن يقرأون العربية!!! وحتى هذه الألف نسخة يتعذر على الناشر بيعها..فأي ابتزاز وأي سعي مجاني إلى الشهرة..!.. وأية شهرة أصلاً..!..مع التأكيد بأنني حينما أكتب لا أفكر بالقاريء ابداً..
 
وبالمناسبة.. حين يطلب مني بعض الأصدقاء والقراء إرسال نسخ إلكترونية من رواياتي فأني انبه لطبيعة أعمالي وما فيها من مشاكسات وصدمات قد تخدش منظومتهم الأخلاقية..بل وكثيراً ما نصحت ألآ يقرأوا أعمالي حينما أحس بأن المقابل قارئ محافظ..يدفعه الفضول لا أكثر..وهذا التنبيه يأتي من كوني أنا الذي يرسل له النسخة الألكترونية..بيد اني غير مسؤول عمن يحصل على رواياتي بطريقته الخاصة..!
 
عموماً..بالتأكيد هناك كتاب لا يرون ما أرى..ولا يتفقون معي..وكل منا محق بطريقته..أما في ما يخص القراء، فلا يستطيع أي كاتب أن يتحكم بذائقة القاريء إذ تبقى القراءة عملية خاصة بين القاريء والكتاب.. ولا يمكن لأي كاتب أن يتدخل في إيقاف اي حكم قيمة يتشكل عند القاريء أبداً.
روائى عراقى

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق