قصة منتصف الليل.. لحم صغير

الأحد، 11 مارس 2018 11:00 م
قصة منتصف الليل.. لحم صغير
تحرش
إسراء الشرباصي

هذه القصة واقعية وحدثت في أروقة محكمة الأسرة.. وأي تشابه مع الواقع ليس من قبيل الصدفة.
 
عاشت رحاب بعد وفاة زوجها الموظف البسيط؛ لترعى أولادها الثلاثة، فلم يكن لديها معاش يكفي احتياجات أسرتها، وهو ما اضطرها للخروج للعمل لساعات طويلة، وتترك أبناءها لقضاء يومهم في منزل عمهم وزوجته، وهو المكان المحبذ ليلهو مع أولاد العم.
 
وبعد مرور عدة أشهر، لاحظت الأم أن الفتاة الكبرى والتي لا يتعدى عمرها 5 سنوات، تحاول أن تتهرب من الذهاب إلى منزل عمها، تارةً تصاب بوعكة صحية، وتارةً أخرى تود الجلوس بمفردها لمشاهدة التلفاز.
 
لم تظهر اهتمامًا، ولكن بدأ الشك يدخل قلبها لتبحث عن سبب تغير ابنتها، معتقدة أن هناك من يوبخها في منزل عمها أو يحاول إيذاءها، وفي اليوم التالي أجبرتهم على الذهاب لمنزل عمهم؛ لتطمئن عليهم طوال ساعات عملها، وأسرعت في إنهاء عملها وانصرفت مبكرا لترى كيف يعيش أولادها بمنزل عمهم في غيابها محاولة منها للبحث عن سبب تغير طفلتها.
 
وعندما وصلت إلى منزل عمهم، لاحظت ارتباك الابنة الكبرى فلم تتحدث معها، وأخذتهم وذهبت إلى المنزل، وعندما حل موعد النوم شعرت بابنتها التي يوقظها التفكير أو الخوف من شيء ما، وأخذت تتردد على دورة المياه، فسألتها عن سبب عدم قدرتها على النوم فازداد ارتباك الفتاة وردت بكلمات متلعثمة، فتأكدت الأم أن هناك شيئًا تخفيه.
 
فاحتضنت ابنتها ليطمئن قلبها وتستطيع النوم، إلا أنها شعرت بدموعها تتساقط في صمت لتبلل ذراعيها، فقامت مفزوعة، وأخذت تتساءل عن سبب دموعها، فلم تستطع الفتاة الحديث إلا أن الأم لم تتركها ولم تكف عن السؤال وأكدت لها أن مهما حدث لن تؤذيها ولم تخبر أحد بالأمر، فبدأت الابنة تقص على والدتها كيف تحرش عمها بها ولمس أماكن متفرقة بجسدها، وطلب منها أن تمسك بعضوه الذكري لتداعبه.
 
وهو الحديث الذي لم تتحمله الأم، فتساقطت دموعها ومنعها وعدها لابنتها ألا تخبر أحدًا بحديثها من افتعال مشكلة مع العم المتحرش، وبعد عدة أيام قررت أن تترك القاهرة بأكملها لتذهب إلى خالتها المقيمة بمحافظة الإسكندرية، برفقة صغارها خوفا من تعرض العم لهم أو البحث عنهم.
 
وبحثت عن عمل جديد واستقرت به، واستأجرت منزلا مع صغارها، بعد أن استضافتها خالتها بمنزلها عدة أسابيع، وبعد مرور شهرين تعرفت على زميل لها بالعمل، وعلم بظروفها وتطورت العلاقة بينهما سريعا ليطلب منها الزواج، وكان شرطها الوحيد هو أن يعامل صغارها معاملة الأب لأبنائه، وهو الشرط الذي وافق عليه الزوج دون تفكير ووعدها بأن يحسن معاملتهم.
 
إلا أن القدر شاء بأن ما هربت منه الأسرة يتكرر مجددا، فقد التزم زوج الأم بوعده لعدة سنوات، إلا أنه لن يستمر أكثر من ذلك، فقد بدأ يفعل ما فعله العم ويتمثل الفرق بينهما بأن العم تحرش بالبنت الكبرى أما زوج الأم تحرش بالطفلتين معا، وكان يفعل ذلك في وقت واحد مع الاثنتين، وعلى الرغم من التزام الطفلتين الصمت لفترة إلا أن البنت الكبرى ثقتها بأمها جعلتها تخبرها بما حدث.
 
وعندما استمعت الأم لحديثها حملت كل ما يلزم من ملابس ومنقولات لها ولأطفالها وعادت إلى القاهرة، إلا أن زوجها لم يتركها فاستطاع بسهولة الوصول إليها ونشبت مشادة كلامية بينهما انتهت بضربها.
 
وفي لحظة ضعف انتابت الأم الرحالة، حاولت الانتحار بتناول دواء الضغط بجرعات كبيرة، إلا أن أطفالها تعالت أصوات صراخهم فور ما رأوا والدتهم تتألم وهي الأصوات التي جاء على أثرها جيرانهم ونقلوها إلى المستشفى على الفور، واستردت صحتها.
 
وبعدما فشلت في الانتحار ذهبت إلى مسجد الإمام الحسين، وهو المكان الذي اعتادت الذهاب إليه وقت ضيقها، وجلست بجوار سيدة عجوز، وظلت تفكر فيما حدث معها فلم تستطيع كتم دموعها التي سقطت لتقدم لها العجوز قطعة قماش صغيرة تمسح بها دموعها، ووضعت يدها على رأسها ورددت مجموعة من الأدعية.
 
وبعد أن أدت صلاة العصر بالمسجد، ذهب مرة أخرى إلى المنزل محاولة منها أن تبدأ حياة جديدة، وتمحو ما حدث من ذاكرتها ويتملكها شعور أنها استقبلت مؤشرا قويا من ربها بحبه إليها، ورفضه أن تموت كافرة نتيجة انتحارها، وهو ما بث روح الأمل بداخلها لتحمل صعاب الحياة، وقررت التوجه إلى محكمة الأسرة لطلب الخلع من زوجها، وأجرت مسكنا بعيدا عن عم أولادها واستبعدت فكرة الزواج لحمايتهم وقررت التعايش مع الأمر بمفردها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق