اللي من غير أم حاله يغم
السبت، 03 مارس 2018 02:03 م
وها قد طل علينا شهر مارس بنفحاته، الشهر الذي نبدأ فيه مهرجان عيد الأم وكأن الاحتفاء بالأم وتقديرها مختزل في شهر واحد في العام .
الأم والأب هما أغلى ما لدى الإنسان ، وفي نعمة كبيرة هو من عاش في كنف أبويه ، وللأم بأبنائها رابط خاص ومختلف ، حيث يحيا الجنين في أحشاء أمه شهورا ملتصقا بقلبها ، مستمتعا بموسيقى أنفاسها ، يأكل مما تأكل ، ويشرب مما تشرب ، يستمتع باللعب في منتصف الليالي في بطنها دون أن يمنعه أحد ، فهي ملعبه الأول وملاذه الأبدي ، ثم تسهر به الليالي دون ضجر ، ترضعه وتمرضه وتعتني بكل تفاصيله ، لآخر يوم في حياتها ، حتى وأن الرسول (اليتيم) عليه الصلاة والسلام عندما سئل من أحب الناس للإنسان ذكر الأم ثلاثا ، حفظ الله كل أم لأبنائها وأولهم أمي الحبيبة .
ومع بداية احتفالات شهر مارس أذهب بخيالي لمن فقد أمه وشعوره ، ففقدان الأم يعني فقدان الدنيا ، وهو منتهى الألم والحسرة والمرار ، مهما كان الإنسان صغيرا أو كبيرا .
إن أكثر ما يؤلمني ويدمي قلبي هو سماعي لخبر فقدان طفل صغير لأمه ، ولا أجد أي تصور لشعور ذلك الصغير بفقدانه للحضن الحنون ، والقلب الكبير ، ولا أتصور كيف سيكمل حياته دونها ، ومن ذا الذي سيستطيع أن يتحمل بكل الحب والرضا والعطاء مسؤولية الطفل ؟ ولا أجد ما يواسيني سوى أن الله موجود ، فمن يخلق لا يترك من خلقه في مرمى الريح دون إنقاذ ، فرحمة الله تسبق رحمتي، وإن كنت أنا ( البشر ) أشفق على الفاقد فما بالي برب العالمين الذي خلقه ونفخ فيه من روحه ؟
ولكن إذا كنت أنا أعلم معاني الصبر وثوابه ، وأفهم معنى رحمة الله لكبر سني وعلمي وخبرتي ، ليس هذا يعني أن الطفل يفهم ذلك أيضا، لذا لا أستوعب ما تقوم به المدارس كل عام من ترتيبات للاحتفال بعيد الأم ، وتلقين الأطفال أغاني الأم وحبها ، وعمل الكروت وكتابة الكلمات الجميلة !
ولا أحتمل وجود نشيد كامل في منهج الصف الأول الأبتدائي يقول أمي أغلى الناس ، هي تحميني وتغذيني.... الخ ، رغم سعادتي عندما أستمع إليه من أبنائي .. لكن ماهو وضع وإحساس الطالب الذي توفيت أمه ولماذا مفروض عليه حفظ النشيد ؟ هل لكي ننغص عليه حياته أكثر؟ فالمثل الشعبي يقول (إللي من غير أم حاله يغُم ) فتأتي وزارة التربية والتعليم لتزيد من غمه !
أليس كافيا أن يستمتع الطفل الذي يحيا في حضن أمه بسعادته وراحته واطمئنانه بوجودها ؟ وأوليس كافيا للفاقد حرمانه من كل هذه الأحاسيس ؟ فنأتي نحن بكل الوسائل التي تحفر أماكن ألمه لتنزف دمائه من جديد ، أليس من الرحمة أن تكون جهودنا في اتجاه شفائه من الألم لا تزويده؟ أليس من العقل أن نرحم هؤلاء الصغار من شعورهم بالحرمان ، كيف لمؤسسة تربوية كالمدرسة أن تقوم بمثل هذا العمل الغير رحيم تماما ؟!
أعتقد اننا نحتاج للمزيد من التعقل والفطنة ، ومعرفة ماهو نافع مما هو ضار ،وإذا كانت العادة جرت على الاحتفالات الكبيرة كل عام بهذا الحدث الذي يشير إلى أن الأم هي أم فقط في شهر مارس ، فلا بد لنا أن نعدل هذه العادة ، وأن نعلم الأبناء طوال العام فكرة بر الوالدين في حياتهما باحترامهما وتبجيلهما والحنو عليهما ، وبعد مماتهم بالدعاء لهم والعمل الصالح الذي يرفع درجاتهما في الجنة ، وأن نركز على معاني الصبر ، ونقُص من القصص ما يقوي لا يضعف ،وأن نستخدم كل الوسائل الممكنة في تضميد جراح المجروحين .
لابد أن يتبنى كل من المجتمع ، ووزارة التربية والتعليم ،الدعوة لوقف احتفالات المدارس ووسائل الإعلام رحمة بالفاقدين ، فالإنسان عليه أن يحتفل ويستمتع ويقدر وجود أمه بجانبه كل يوم وكل ساعة وكل لحظة ، لا (كل عام) .
وكل يوم وكل أم وأب وجده وجد وأخت وأخ بكل خير وصحة وسعادة ، والدعاء كل الدعاء لله أن يتولى من فَقَد أحد أبويه أو كليهما برحمته ، وأن يلقي محبته في قلوب العباد جميعا .
وأخيرا ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.