"المكفراتية" فصل من الجرائم التاريخية.. قتلوا الرازي وابن سينا والطبري وصلبوا الحلاج وطردوا ابن الفارض

الإثنين، 19 فبراير 2018 02:00 ص
"المكفراتية" فصل من الجرائم التاريخية.. قتلوا الرازي وابن سينا والطبري وصلبوا الحلاج وطردوا ابن الفارض
صورة أرشيفية
كتب:حسن الخطيب

شهدت العصور الإسلامية الوسطى موجة تكفير عنيفة، طالت أعلام المسلمين الأوائل كابن سينا والفارابي والكندي والطبري والرازي، وابن حيان والغزالي وابن رشد، وغيرهم من علماء المسلمين بسبب فكرهم وعلمهم وفلسفتهم.
 
فظاهرة التكفير ليست جديدة على المجتمع الإسلامي، فقد عرفها المسلمون منذ عقوده الأولى، وما زالت تطل برأسها مرة أخرى، وليست حادثة مسجد الروضة ببعيدة عن تلك الظاهرة.
 
والمتأمل في التاريخ الإسلامي على مر العصور يجد أن جرائم عديدة قد تمت باسم التكفير وابرزها قتل العلماء المسلمين الأوائل والتي صدرت ضدهم سلسلة من الأحكام التكفيرية من الفقهاء في ذلك الوقت بقرارات ونصوص متطابقة بالشكل والمضمون مع قرارات محاكم التفتيش.
 
فابإسم التكفير قتل الطبري، وصلب الحلاج، وحبس المعري، وقتل ابن حيان، وحرقت كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني، وكفر الفارابي والرازي وابن سيناء والكندي والغزالي، وحرقوالسان الدين بن الخطيب، وطردوا ابن الفارض كفرا.
 
بينما لم يسلم الطبيب والعالم والفقيه والفيلسوف ابن سينا من أحكام التكفير، حتى وصفوه بأنه إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ووصفه الكشميري بأنه ملحد وزنديق قرمطي، ووصفوا الرازي بأنه من المجوس.
 
وقد تزايدت تلك الإتهامات في العصور الأولى للإسلام، برغم أن راية الإسلام التي كانت سائدة في تلك الفترة هي راية أن "كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله"، والسؤال الذي يثور الآن، بأي ذنب تم تكفير هؤلاء،وكيف طالتهم الفتنة، وهل كان عصور الإسلام الوسطى عصور تكفيرية؟

ظهور التكفير
يوضح الدكتور عبد المقصود باشا استاذ التاريخ الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية، بأن التكفير ليس وليد اليوم أو وليد العصر الحالي، ونما هو وليد مئات السنين، لكنه ازدهر في فترة العصور الإسلامية الوسطى بسبب الفكر والفلسفة التي كانت مرتبطة بالحضارات السابقة، كالحضارة اليونانية والرومانية، وهما من الحضارات التي حاربها المسلمون الأوائل.
 
وأشار استاذ التاريخ الإسلامي إلى أن التكفير بمعناه الظاهري لم يهر إلا بعد ظهور الفتنة الكبرى في عهد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فقد خرج الخوارج بعد موقعة التحكيم التي جرت بين علي ومعاوية، وتناثرت فرقها، وبدأت تكفر كل فرقة الأخرى، ومن هنا بدأ التكفير يزداد بين الفرق الإسلامية.
 
وأضاف باشا بأن الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لم يسلم من التكفير فقد كفره الخوارج، وقتلوا عبدالله بن خباب بن الأرت، وقتلوا ولده، وأم ولده، وعاثوا في الأرض الفساد، فكان الخوارج هم أول من عرف في الأمة بتكفير أهل الإسلام بغير حق.
 
وأوضح استاذ التاريخ الإسلامي، أن التكفير طال كبار علماء الأمة في العصور الوسطى فعليا، فكانت الحركات الفكرية يتم تكفيرها، لأسباب إما سياسية او أسباب دينية، تعود إلى الجهل بالدين، أو لأن فكرهم كان يسبق عصرهم، فكان بعض الولاة في تلك العصور لغيرتهم على الدين، يرون أن الكتب الفكرية، إمتداد لفكر الدول والعصور السابقة التي حاربها الإسلام، ويرون بأنها أفسدت عقائد المسلمين وانحرفت بهم عن الدين.
 
وتابع استاذ التلاريخ الإسلامي أن في التاريخ نماذج عديدة لمفكرين إسلاميين ندرس اليو علمهم، جاءوا بفكر جديد في تلك العصور فكفروهم واخرجوهم من الملة، فمن هؤلاء العلماء الذين كفروهم  محمد الخوارزمي أكبر علماء علم الجبر ومخترع رقم الصفر ، ومنهم أيضا عمرو بن بحر الجاحظ وهو من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، حيث وصفوه بأنه زنديقا، وقالوا عن ابن الهيثم الذي قدم إسهامات كبيرة في الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة وطب العيون والفلسفة العلمية، أنه كان من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام.

منهجية المكفراتية
بينما يشير الدكتور أحمد سيد استاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن ظاهرة التكفير التي شهدتها العصور الإسلامية الأولى والوسطى، مرتبطة بشكل كامل بالحالة والظروف السياسية، في تلك الفترات، حيث كانت كل دولة من الدول الإسلامية تحكمها ظروف سياسية معينة، استخدمت التكفير كآداة من أدوات الصراع السياسي فيها، ولذلك برزت مناهج التكفير خاصة للمفكرين والعلماء أصحاب الرؤى الفكرية في تلك الفترة.
 
وأشار استاذ الثقافة الإسلامية، إلى  ظهور موجة التكفير المتبادل التي ظهرت مع ظهور الخوارج، حيث كانت الصراعات السياسية هي السبب وراء ظهور الخوارج، مستشهدا بما حدث للإمام أحمد بن حنبل وتلاميذه، وبين المعتزلة، الذين كانت بينهم خلافات سياسية، ثم تحولت إلى خلافات عقائدية، تبادلت فيما بينهم التكفير.
 
وحول موقف الإسلام من التكفير قال استاذ الثقافة الإسلامية، أن موقف الإسلام من التكفير واضح، فالإسلام يرى أن التكفير حكم شرعي، مرده إلى الله ورسوله، ولذلك حذرنا منه رسول الله ، حيث يقول " أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فد باء بها أحدهما؛ إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه "، مبينا أن التكفير في زمننا هذا اصبح موضة الجماعات المتطرفة، والتي لاتعلم من الدين إلا قليلا، واتخذت من اللأسباب الواهية دافعا للتكفير.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق