"الحور العين".. فتيات في الجنة خلقهن الله لعباده المؤمنين فاستغلهم الارهابيين
السبت، 17 فبراير 2018 08:30 مكتب: حسن الخطيب
تعد قضية "الحور العين" من القضايا الجدلية العقائدية، والتي يؤمن بها الجميع، إيمانا جازما عملا بما ورد في النص القرآني، والأحاديث النبوية، أو في الكتب المقدسة الأخرى، والتي تخبرنا عن وجود الحور العين في الجنة للمؤمنين جزاء إيمانهم، لكنها تظل جدلية عقائدية لأنها من المسائل الغيبية الميتافيزيقية، والتي لم يرها أحد من قبل كي يخبرنا عن ماهيتها أو كيفيتها، أو عن أوصافها، لكنها تظل من الغيبيات التي يؤمن بها الجميع، ولا ينكرها أحد.
ولأن "الحور العين" مسألة غيبية نص عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، فقد استغلتها التيارات الفكرية المتطرفة، وارتكب الإرهاب جرائمه، ووجدت الجماعات الإرهابية سبلا لجلب الشباب إلى صفوفها، والإيقاع بهم في شباكها، وتوجيههم إلى العمليات الإرهابية، بدعوى الذهاب لملاقاة العشرات من "الحور العين" في الجنة، بعد تفجير أنفسهم، وذلك من أجل التنعم معهم، وبالغوا في تصويرهم، حتى وصلت عند بعضهم أن فترة الجماع مع الواحدة منهن تصل لمدة سبعين عاما، وبقوة مائة رجل، وكأنهم عاشو التجربة.
ولعل السؤال الآن الذي يثور الآن في الأذهان، هل يوجد فعليا ماتعارفنا عليه بـ"الحور العين" في الجنة؟ وماهي "الحور العين"؟ وهل هي نساء جميلات في الجنة أم هناك أقوال أخرى، وكيف يراها علمائنا وفقهاؤنا؟ فكل تلك الاسئلة نسعى للإجابة عنها في تقريرنا التالي:
فتيات في الجنة
أجمع غالبية العلماء بأن "الحور العين" الذي ورد ذكرهم في القرآن الكريم والسنة النبوية، هن نساء في الجنة، فالله تعالى خلق الجنة لعباده المؤمنين، وجعل فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ومن بين تلك النعم "الحور العين"، وسميت بذلك لشدة بياضها وسوادُ عينيها وشعرها واستدارت حدقية عينيها، وسعة عينيها.
وقد أورد العلماء بأن للمسلم في الجنة جمع غفير من "الحور العين"، فقالوا بأن للشهيد اثنتين وسبعين من "الحور العين"، وأدنى أهل الجنة له زوجتان، ومن المؤمنين من له أكثر من ذلك، واستدلوا بحديث المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه".
وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى "وَحُورٌ عِينٌ، كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ، جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " حيث يفسرها السعدي "بأن لهم حور عين ، والحوراء : التي في عينها كحل وملاحة ، وحسن وبهاء ، والعِين : حسان الأعين وضخامها ، وحسن العين في الأنثى من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها، كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس ، الذي يكون لونه من أحسن الألوان ، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه ، فكذلك الحور العين ، لا عيب فيهن بوجه ، بل هن كاملات الأوصاف ، جميلات النعوت . فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسر الخاطر ويروق الناظر "
وفسر الطبري قوله تعالى "كأنهن الياقوت والمرجان" أي كأنهن الياقوت في الصفاء ، والمرجان في البياض ، الصفاء صفاء الياقوتة ، والبياض بياض اللؤلؤ، وروى ابن كثير في كتابه "تفسير القرآن العظيم" بأن "الحور العين" هن نساء الجنة أعدهن الله تعالى لعباده المخلصين، واستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا".
زوجات الدنيا في الآخرة
في المقابل اتجه بعض العلماء بأن "الحور العين" هن زوجاتنا في الدنيا أعدهن الله تعالى، لعباده المخلصين فطهرهن مما كانوا عليه في الدنيا، وأعدهن إعدادا طيبا، وفسرو قوله تعالى " إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا،عُرُبًا أَتْرَابًا" بأن الله تعالى هيء نساء الدنيا لأزواجهن في الجنة، واستدلوا بحديث أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: قلت يا رسول الله، أخبرني عن قول الله ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لأصْحَابِ الْيَمِينِ ) قال: " هـُنَّ اللَّوَاتي قُبِضْنَ فِي الدّنْيا عَجائِزَ رُمْصًا شُمْطا، خَلَقَهُنَّ الله بَعْدَ الكبر فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى ".
وقال الحسن البصري في تلك الآية الكريمة أن "الحور العين" (هن عجائزكم العمص العمش طهرهن من قاذورات الدنيا، وخلقهن من جديد، فجعل أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران، ومن ركبتيها إلى عنقها من المسك الأذفر والعنبر الأشهب أي الأبيض، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور إذا أقبلت يتلألأ نور وجهها كما يتلألأ نور الشمس لأهل الدنيا).
العنب الأبيض
بينما الحديث عن "الحور العين" يأخذ العقول والقلوب، ظهر اتجاه ثالث من العلماء نفوا بأن يكون "الحور العين" من جنس النساء مطلقا، كما نفوا كونهن زوجات المؤمنين في الدنيا أعدهن الله في الآخرة، وذهبوا على تفسير "الحور العين" بأنه ثمار الجنة، وتخيروا منها العنب الأبيض.
وقال علماء هذا الرأي بأن القرآن الكريم حوى الكثير من المفردات السريانية والآرامية، والتي تدل على معاني مختلف عن ذلك الذي كتب بعد التعريب والتنقيط وإضافة الحركات والمد والشدة والهمزة، حيث كان كتاب القرآن الكريم في ذلك الوقت لايعرفون معنى تلك الكلمات السريانية، فحملوها بمعناها العربي.
وذهب هذا الفريق من العلماء إلى أن "الحور العين" ليس المقصود بها نساء الجنة، بل هي ثمار الجنة، مستدلين بقوله تعالى "وكذلك زوجناهم بحورٍ عين"، وقالوا بأنها كتبت بعد تنقيط حروفها بالقرآن وأصبحت ذات معنى مختلف، وأصلها "وكذلك رَوّحناهُم بـحورِ عِين" وليس زوجناهم ، ويبدو واضحاً تفسير "روحناهم" هو "ريحناهم أو رفهنا عنهم".
حيث تقرأ الاية الكريمة في اللغة العربية بإضافة حرف الباء في قوله "بحور عين" فتظهر متصلة بكلمة حور، حيث أنها تعني في اللغة السريانية "بين" وكلمة "حور" في السريانية هو العنب الأبيض، و"حور" تستعمل بالعربية للدلالة على البياض، والحوراء هي الفتاة ذات البياض الواسع في العينين. وتصبح "بحور" بالسرياني بين العنب الأبيض، أما كلمة "عين" حسب السريانية فتعني عين الماء أو نبع الماء قرب عرائش العنب، وليس عين امرأة حوراء جميلة.
وعلى أي حال كانت "الحور العين" هل هن فتيات ف الجنة، أم أزواجنا في الآخرة، أم ثمار الجنة، ومهما اختلفت آراء العلماء والفقهاء في التفسير والتأويل، فلا يسعنا إلا الإيمان والتصديق بوجود الجنة والنار والثواب والعقاب، وأن للمؤمنين المصدقين جنات عدن لهم فيها نعيم مقيم، وحور عين، فهي مسائل امتلئت بها كتب ومجلدات مؤلفة واختلفت فيها كتب ننوء عن حملها وقرائتها، وما قدمناه هنا هو عرض لآراء نحاول من خلالها فهم الجوانب المختلفة للمتيافيزيقيا التي تنتظرنا في الغد.