سماسرة "التيك أوي" يدمرون أول مصنع جوت بالشرق الأوسط: أطلال شاهدة على مؤامرات "أباطرة الاستيراد" (فيديو وصور)
الإثنين، 12 فبراير 2018 10:00 م
- أسرار عملية تقسيم وبيع مساحة المصنع والتخلص من الآلات والمعدات
تمثال الزعيم جمال عبد الناصر، ملقى وسط مخلفات، وأطلال مصنع إنتاج "الجوت"، في مدينة بلبيس، بمحافظة الشرقية، ليكون رمزا لضياع فكرة تبناها الزعيم الراحل، كانت تهدف إلى تحويل مصر لقلعة صناعية، لا تحتاج إلى الاستيراد من الخارج.
وجود تمثال الزعيم الراحل في صدارة المشهد المحزن الذي أصبح عليه هذا المصنع العريق، يعد عنوانا لمرحلة قاتمة، عانت فيه المصانع المصرية، من مؤامرة تدميرية؛ لصالح أباطرة الاستغلال الذين يعملون بنظام "اكسب واجري"، وسماسرة الاستيراد، الذين لم يترددوا في تدمير مقدرات الوطن من مصانع وشركات، تحت زعم الخصخصة الوهمية!
هذه المقدمة كانت ضرورية، لإظهار مدى الحزن الذي تملكنا؛ خلال جولتنا داخل مصنع "الجوت" الأول في مصر، الذي أصبح أثرا بعد عين، ورفضت كل الحكومات في العهد السابق منحه قبلة الحياة، بزعم أن إنتاجه لا فائدة من ورائه، في حين أن جميع العمال المتمرسين في هذا العمل، انتقلوا إلى مصانع أخرى، فور إغلاق مصنعهم، وهو ما يعني أنهم يمثلون عمالة مطلوبة، ويحققون إنتاجا يلقى رواجا في الأسواق.
بداية الحكاية
أنشئ مصنع "الجوت"، عام 1958 تنفيذا لقرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان الأول من نوعه فى الشرق الأوسط، وضم عنابر للغزل والنسيج، وورشا للنجارة والخراطة وغيرها، وتم تزويده بالماكينات اللازمة، وإنشاء مستشفى لعلاج العاملين به، واستاد رياضي، ونادٍ اجتماعي، وسينما ومسرح ومساكن وحدائق، أي أنه كان مدينة متكاملة، أمست الآن أطلالا ينعق فيها غراب الفساد، والإهمال.
وكان هذا المصنع يعمل على خلط التيل المصري، مع "الجوت"، المستورد من الهند وبنجلاديش لإنتاج الأجولة الخيش، التي يتم وبيعها لبنك التنمية والائتمان الزراعي، لتوزيعها على المزارعين.
هذا المصنع كان يضم 7000 عامل من الشرقية والمحافظات المجاورة لها، إلى أن أعلنت الحكومة بيع مصانع القطاع العام للمستثمرين، الذين عملوا على تخريب كل المصانع التي يمنع إنتاجها مافيا الاستيراد من العمل، على أساس الإفلات من تحمل أعباء العمال، وتكلفة الإنتاج، واللجوء إلى الاستيراد باعتباره الأقل جهدا، والأكثر ربحا.
منظر المصنع الذي تبلغ مساحته الأصلية نحو 112 فدانا، تم اقتطاع أكثر من نصف مساحته، وبيعت لمجلس مدينة بلبيس على مرحلتين، أنشأ في الأولى محالا لبيع الخضر والفواكه، وفي الثانية بيع جزء من الأراضي للأهالي الذين شيدوا منازل عليها، ومؤخرا بيع الجزء الذي كان مخصصا للاستاد والسينما، إلى مجموعة من البنوك، كما بيعت المعدات والآلات، كخردة؛ الأمر الذي يؤكد تفريط الدولة في هذا الصرح الكبير، وعدم نيتها إعادة تشغيله مجددا.
ماذا تعني "الجوت"
عرضنا القضية، وبقي أن نعرض أهمية إنتاج "الجوت"، وماهيته، وفق ما شرحله لنا العمال، الذين أوضحوا أن أجولة وشكائر الخيش، هي إنتاج هذا الصمنع، وهي منتج مهم جدا للفلاح، يساعده على الحفاظ على منتجاته الزراعية؛ لأن الأجولة البلاستيكية تتلف المحاصيل، وتضر بالصحة، ولا تستخدم إلا مرة واحدة، بعكس الخيش الذي يستخدم مرات عدة.
"صوت الأمة" في قلب المأساة
لا نبالغ عندما نصف الوضع في مصنع "الجوت" ببلبيس بأنه مأساة، فهذا بالفعل مع وجدته "صوت الأمة"، خلال جولتها بين جدرانه، وما عبر عنه النذر الضئيل الباقي من عماله، الذين يعتصرهم الألم، على انهيار المكان الذي صنع منهم حرفيين مهرة.
المباني الخاوية، ذات الأقفال التي علاها الصدأ، هي أول ما تقابله داخل مصنع "الجوت"، فلا آلات، ولا عمال، فقط عنابر خاوية، تشير إلى أيام خوالي، كانت فيه كخلايا النحل!!
عماد محمد حسين فني، واحد من الفنيين الذين عملوا في هذا المصنع، الذي ظل قادرا على المقاومة، حتى عام 2010، يكشف عن أن الخطايا التي ارتكبت في حق هذا المصنع، هو توقف الإدارة عن شراء الخامات المطلوبة للإنتاج، ضمن خطة ممنهجة لإيقاف العمل، وبيع المصنع، كمجموعة من الأصول المتفرقة؛ بأسعار زهيدة جدا.
وقال: "هذا المصنع لحم كتافي من خيره، أنا فتحت عيني وجدت والدي يعمل به، وعملت به عندما طلبوا عمالا، وهو ما يجعلني أشعر بالحزن الشديد لتوقفه، وإهماله".
وأضاف: "سعينا كثيرا لمنع توقف العمل بالمصنع، لكننا فشلنا، في ظل الرغبة في تدميره لبيعه، وهو الآن متوقف منذ أكثر من 7 سنوات حتى الآن، ولا يضم حاليا سوى 150 موظفا، ينفقون على الدولة، كرواتب ومكافآت، بالإضافة إلى تكاليف الكهرباء والمياه، وخلافه، نحو 400 ألف جنيه تدفعها الدولة، دون فائدة، أو عمل".
50 ألفا لرئيس المصنع
وكشف العمال عن أن رئيس مجلس إدارة المصنع، يحصل على راتب شهري 8000 جنيه، بالإضافة إلى 50 ألف جنيه مكافأة سنوية، بإجمالي 146 ألف جنيه سنويا، دون أي عمل يؤديه، كاشفا عن التقدم بشكاوى للشركة القابضة؛ تطالب بتشغيل المصنع، بدلا من ذهابهم إلى هناك يوميا لشرب الشاي والنوم، فقال لهم رئيسها: "ما دام بتقبضوا رواتبكم ما تفتحوش بقكم".
وطالب العمال مسؤولي الحكومة الحالية، بفتح ملف هذا المصنع، وإعادة تشغيله، في ظل حاجة السوق المصرية، إلى إنتاجه، والتحقيق في الطريقة التي تم تصفيته، وتدميره بها، والبحث عن أصوله، وما تم بيعه منها.
تاريخ عريق
المثير أن النادي الرياضي الملحق بمصنع "جوت بلبيس"، استطاع تحقيق إنجازات عدة على مستوى مصر، فكان أول فريق من مصانع الشرقية يلعب في الدوري الممتاز لموسم 1977 ـ 1978، وقدم الفريق مباريات قوية، ولم يتمكن النادي الأهلي في هذا الموسم، من الفوز عليه بأكثر من 3 أهداف، رغم أن الأهلي بطل الدوري، كان يضم في هذه الفترة عناتيل كرة القدم أمثال محمود الخطيب، رئيسه الحالي، ومصطفى عبده، وطاهر الشيخ، وكوكبة من ألمع نجوم إفريقيا في ذلك الوقت، كما قدم نجوم جوت بلبيس مباراة العمر أمام نادي الزمالك، ولم ينهزموا بأكثر من هدفين فقط
أرقام وإحصاءات
المهندس أحمد سمير، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، أكد أن مصر تضم أكثر من 871 مصنعا متعثرا، مشيرا إلى أن هذه الأرقام اعترف بها المهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة، خلال رده على تساؤلات النواب.
وأوضح أن إحصاءات رجال الأعمال والمستثمرين تشير إلى أن المصانع المتوقفة تتجاوز 1000 مصنع، داعيا إلى إيجاد حلول منطقية وواقعية، لإعادة تشغيل تلك المصانع، وحل أزماتها، من أجل إعادة تشغيلها، لتسهم في تقليل الاستيراد، وفتح أبواب العمل أمام الشباب، لتقليص البطالة.