في ذكرى وفاته..
سعد الدين الشاذلي.. جنرال النصر العنيد (بروفايل)
الأحد، 11 فبراير 2018 07:53 مكتب- محمد أبو ليلة:
في مساء يوم الرابع عشر من مارس في 1992، وصل الفريق سعد الدين الشاذلي إلى مصر بعد أن قضى 14 سنة منفياً في دولة الجزائر منها سنتان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، و12 سنة في عهد الرئيس حسني مبارك.
لكنه فور عودة الشاذلي قبض عليه فور وصوله مطار القاهرة وصودرت منه جميع الأوسمة والنياشين وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن الحربي التابع للجيش الثالث الميداني حيث وجهت له تهمتان الأولى هي نشر كتاب بدون موافقة مسبقة عليه، واعترف الفريق الشاذلي بإرتكابها، والثانية هي إفشاء أسرار عسكرية في كتابه" مذكرات حرب أكتوبر"، وأنكر الشاذلي صحة هذه التهمة الأخيرة بشدة، بدعوى أن تلك الأسرار المزعومة كانت أسرارًا حكومية وليست أسرارًا عسكرية.
وأثناء تواجده في السجن الحربي أرسل له الرئيس المخلوع حسني مبارك رسولاً يطالب الشاذلي بالإعتذار وسوف يُفرج عنه مبارك على الفور، لكن الشاذلي رفض ذلك رفضاً قاطعاً، فهو كان رئيس لأركان حرب القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر وكان قائد على مبارك الذي كان يشغل منصب قائد القوات الجوية وقتها.
وبعدما سُجن لأكثر من عام أصدر خرج الشاذلي من السجن في بدابة أكتوبر من عام 1993، وبعدها عاش منعزلاً في قريته الصغيرة، لكنه كلما جاءت مناسبة حرب أكتوبر كان الشاذلي ضيف لقنوات فضائية كثيرة يتحدث عن الحرب فهو مهندسها، وهذا لم يكن يعجب مبارك على الإطلاق حيث كان يُصدر وقتها أنه بطل الحرب والسلام، في محاولة لمحو بطولات قيادات كبيرة من أكتوبر كان الشاذلي واحداً منهم لدرجة أنه زوّر في الصور الفوتوغرافية الرسمية للحرب حيث حذف صورة للشاذلي بجوار السادات ووضع مبارك نفسه مكانها.
مرت الأيام والسنون، وجاءت ثورة يناير من عام 2011، كان الشاذلي وقتها في عامه الـ 89، لكنه توفي في يوم 10 فبراير 2011 بالمركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض، قام ثوار ميدان التحرير بأداء صلاة الغائب على روحه، وقد شيّع في جنازة عسكرية وشعبية مهيبة حضرها آلاف الضباط والجنود من أفراد القوات المسلحة بعد صلاة الجمعة.
وقد تقدم المشيعون الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية في السويس إبان حرب أكتوبر، وكانت جنازته في نفس اليوم الذي أعلن فيه عمر سليمان تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية، وقد صرحت نجلته شهدان الشاذلي بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقتها قد أعاد إلى أسرة الفريق سعد الدين الشاذلي نجمة سيناء بعد أسبوعين من تنحي مبارك بعدمها حجبها عنه مبارك طيلة هذه السنوات.
الشاذلي وحرب أكتوبر
في يوم الثامن من أكتوبر عام 1973 وصل رئيس أركان حرب أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي إلى الضفة الشرقية للقناة على جبهة القتال، وكانت أول زيارة يُجريها قائد من غرفة عمليات الجيش إلى ميدان المعركة، وقتها أحس الشاذلي بأنه جهوده التي بذلها في سنوات ما قبل الحرب كُللت بالنجاح.. "عند زيارتي للجبهة شاهدت الضباط والجنود وهم في قمة السعادة ويتمتعون بروح معنوية عالية كان الكثيرون منهم يهتفون عند رؤيتي .. التوجيه رقم 41 كان ممتاز وكان خير دليل لنا".. هكذا كتب الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر.
اعتاد "الشاذلي" منذ توليه رئاسة أركان حرب القوات المسلحة في 16 مايو من عام 1971، على كتابة توجيهات لجنود الجيش المصري على هيئة "كُتيب" صغير يُوزع على الجنود ويوضح طريقة أداء الجنود للقتال على الجبهة وطريقة التعامل مع أي ظروف طارئة حتى في أوقات التدريب.
وكان التوجيه رقم 41 هو الخاص بعبور قناة السويس، حيث شرح الشاذلي لجنوده كيف سيتعاملون بعد عبورهم خط بارليف والسيطرة على الضفة الشرقية من قناة السويس، وكان لهذا التوجيه الفضل في الانتشار الجيد للقوات المسلحة المصرية على طول قناة السويس وبعمق 15 كم داخل سيناء بشكل منتظم.
الشاذلي والسادات
في يوم 10 أكتوبر وبعد أن حققت القوات المصرية نصراً كبيراً وعبرت القناة أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبًا للقيادة الموحدة للجبهتين التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية تطلب منه زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس أنور السادات من أحمد إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على سوريا.
لكن الشاذلي عارض الفكرة بشدة بسبب أن أي تطوير خارج نطاق الـ 12 كيلو التي تقف القوات المصرية فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، وأي تقدم خارج المظلة معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلي، مازالت القوات الجوية الإسرائيلية قوية وتشكل تهديد خطير لأية قوات برية تتحرك في العراء دون غطاء جوي, وأغلق الموضوع.
وفشلت خطة التطوير كما توقع الشاذلي وخسرت القوات المصرية 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودة من بدء التطوير للتفوق الجوي الإسرائيلي. وكان قرار التطوير وبتقدير الكثيرين من المتابعين للشأن العسكري أسوأ قرار إستراتيجي اتخذته القيادة السياسية، مما أضر في سير العمليات فيما بعد وأثر على نتائج الحرب، وجعل ظهر الجيش المصري غرب القناة مكشوفاً لأية عملية التفاف، وهو ما حدث بالفعل.
بعدها اقترح الشاذلي إعادة تجميع ما تبقى من الفرقتين المدرعتين 21 و4 من شرق القناة إلى غرب القناة وإعادتهما إلى مواقعهما الرئيسية للقيام بمهام التأمين التي تدربوا عليها، ولكن المشير أحمد إسماعيل عارض الإقتراح على أساس أن سحب هذه القوات قد يوثر على الروح المعنوية للجنود وقد يفسره العدو على أنه علامة ضعف فيزيد من ضغطه على قواتنا، ويتحول الإنسحاب إلى ذعر.
وعارض الشاذلي هذا الرأي معللا ذلك فيما بعد أن المشير أحمد إسماعيل كان يقود المعارك على الخرائط فقط، ولم يزر الجبهة قط إلا بعد وقف إطلاق النار ببضعة أسابيع، وإن عدم اتصاله بالضباط والجنود لم يسمح له بأن يلمس ما أحدث نجاح في عبور قناة السويس في رفع روحهم المعنوية، وفي استعادة ثقتهم بقادتهم.
في ليلة 15 أكتوبر قام الأمريكان بإبلاغ القيادة الإسرائيلية بوجود ثغرة غير محمية وبعرض 25 كيلو بين الجيش الثالث الميداني في السويس والجيش الثاني الميداني في الإسماعيلية.
ووجدت إسرائيل الفرصة أمامها فدفعت عبر البحيرات المرة ثلاث مجموعات، تمكن بعضها من اجتياز قناة السويس إلى ضفتها الغربية بين الجيشين الثاني والثالث عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرة، أدى عبور هذه القوة إلى إحداث ثغرة في صفوف القوات المصرية عرفت باسم "ثغرة الدفرسوار"، ونُصب جسر لعبور الدبابات والآليات المدرعة يوم 16 أكتوبر وتمكن لواءان وهما لواء مدرع ولواء مظلي من العبور والتواجد إلى غرب القناة بقيادة الجنرال أرئيل شارون قائد الفرقة المدرعة الإسرائيلية 143.
وحاولت هذه القوة احتلال مدينة الإسماعيلية فتصدى لها لواء مظلات وكتيبتان صاعقة مصرية، ومنعتها من احتلال الإسماعيلية وكبدتها خسائر فادحة، ولكن تمكن أرئيل شارون من احتلال المنطقة ما بين مدينتي الإسماعيلية والسويس.