محرقة ..الـ )سكايب(
السبت، 10 فبراير 2018 03:19 م
أخيرا، شاءت الأقدار أن أدخل بعض تفاصيل عالم الإنترنت، بأن يكون لي إيميل شخصي بناء على رغبة أسرتي الصغيرة. وكنت أسمع يوميا أحاديث الزملاء وهم ينطقون بكلمات مثل الواتساب والإسكايب وتطبيقات الهواتف الذكية وإنزال البرامج وتحميلها على الموبايل أو جهاز الكمبيوتر وغيرها من الأدبيات التقنية حتى شعرت بأنني كائن من عالم (ورقة التوت).
ولم يكن يزعجني هذا الشعور لأن احتياجاتي تكاد أن تكون معدومة في هذا المجال، ولا أملك طموحات تجاه التكنولوجيا خارج نطاق عملي، ولست مستعدا لأية اقتحامات تقنية على حياتي الخاصة، فساعة بين الكتب أثقل وزنا من (بيل جيتس) نفسه وأباطرة التكنولوجيا في العالم. لكن بعد زيارتي الأخيرة إلى أسرتي رأيت نفسي في وضع محرج أمام أولادي الذين تصوروا أن والدهم الآتي من دولة تتنفس التكنولوجيا الذكية سيكون مـُعلمهم في هذا الموضوع، لكنهم وجدوا أبا يحمد ربه على امتلاكه هاتفا محمولا من الزمن الغابر.. ومع قرب نهاية الإجازة تعرّفت على تقنية (سكايب) التي أقنعوني بضرورتها للتواصل الحي معهم عبر بالصوت والصورة للتخفيف من حدة الغربة وقسوة المسافة، وكان لهم ما أرادوا.
في بداية الأمر، وحين عدت للإمارات، عشت حالة من الفرح الغامر وأنا أرى زوجتي وأولادي يتحدثون معي وكأننا في غرفة واحدة، تارة نناقش أمورنا ونبحث عن حلول لمشاكلنا، وأخرى نتبادل الضحك والسعادة والغضب، وظللت على هذه الحالة عدة أيام، لكن مع مرور الوقت بدأ شيء ما يتسرب إلينا لا أعرف له توصيفا، فالكلمات صارت بطيئة والصمت يرين أحيانا على أحاديثنا، وتراجعت حالة التسمّر أمام الشاشة، وبتنا نبحث عن طريقة خجولة لإنهاء الـ (سكايب).
دهمني إحساس بسؤال ينضح بالألم: كيف يكون شعوري في الإجازة المقبلة حين أرى زوجتي وأولادي؟ هل سأحضنهم بشوق عارم مثل ذي قبل؟ هل ستدمع عيوننا للقاء بعد طول فراق؟ هل سيخبرونني عن مشاكل وأحلام عاشوها خلال غيابي عنهم؟ هل سنحدق في بعضنا بعضا لنقرأ ما حل بملامحنا بعد عام وربما أكثر؟ لا أظن وبالأحرى ألف لا.. فقد تم حرق كل هذا في محرقة (سكايب).. حيث يتحول الشوق إلى رماد، ويبدو المسافر الآتي من بلاد بعيد وكأنه آت من شارع مجاور لبيته.. وتبقى اللهفة الوحيدة هي (فتح الحقائب وتوزيع الهدايا).