أصل دان بروان المخيف
السبت، 10 فبراير 2018 03:25 م
(1)
اجتمع الرجل بثلاثة من الشيوخ، مثلّ كل منهم ديانة من الديانات السماوية المعترف بها، الإسلامية والمسيحية واليهودية، ليكشف لهم النقاب عن أحدث اكتشافاته، والتي ستقلب الدنيا رأسا على عقب، ليس ذلك فحسب، ولكن هذا الاكتشاف "الجديد" بإمكانه أن يدمر الثوابت، لا سيما الدينية، والتي عاشت معنا وحولنا لقرونٍ مضت- هكذا قال خلال اجتماعه معهم في قلعة حجرية رمادية اللون داخل برلمان أديان العالم- وكان الاجتماع الذي طلبه الرجل غريبا، حيث لم يتوقع رجال الدين، طلب المشورة من الملحدين.
(2)
إدموند كيرش؛ بطل دان براون الجديد في روايته "الظل"، والذي رأيته في خيالي- هو وشخصيات الرواية- طوال المدة التي قرأت خلالها الأحداث، دعا المثقفين حول العالم، وعلى رأسهم البروفيسور روبرت لانغدون، الأستاذ في جامعة هارفارد، إلى متحف جوجنهايم فى بلباو بإسبانيا، للكشف عن آخر ما توصل إليه من نتائج. وقف الرجل على المسرح شاحب الوجه، ولكنه كان يتحدث ويبتسم وينفعل ويحدق إلى ضيوفه، متحديا كل الثوابت، كاسرا بثقته كل التابوهات، كاشفا عن ما توصل إليه، والذي بناه على تجارب سابقة لعدد من العلماء والفيزيائيين، غير مبال بما قد يسببه اكتشافه من صدمة المجتمع البشري، قبل أن تستقر رصاصة أطلقها أميرال البحرية لويس أفيلا، في جبهة إدموند، مخلفة حفرة حمراء، فيما تراجعت عيناه إلى الوراء، وتصلبت يداه اللتان تمسكان بالمنصة، ليقع جسده مرتطما بالأرض المكسوة بالعشب الصناعي.
(3)
حاول دان براون في هذه الرواية الإجابة عن أصل الجنس البشري، وليس أصل الكون، وإلى أين نتّجه نحن البشر، مجيبًا بذلك عن السؤالين الأكثر تداولًا وإثارةً للجدل منذ بدء البشرية وحتى اليوم، وذلك ضمن إطار ديني علمي غلب عليه طابع الخيال العلمي المسلّي. لقد لعب دان براون هذه المرة على الوتر الفاصل بين الإلحاد والإيمان، مع تحيّزه غير المباشر نحو الإلحاد من خلال بطل الرواية الثانوي "إدموند كيرش".
(4)
لعب الكاتب البالغ من العمر 53 عاما، وصاحب روايات الحصن الرقمي، حقيقة الخديعة، الرمز المفقود، الحجيم، ملائكة وشياطين، وشيفرة دافنشي- وهي الأشهر، لعب في "الأصل" مع فكرة أن الحياة يمكن أن تنشأ باستخدام قوانين العلم، وتنحية الخالق من المعادلة، وهي فكرة اقترحها عدد من الفيزيائيين البارزين، ولا سيما جيريمي انجلاند البروفيسور المساعد في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، الذي اشتق معادلة رياضية عام 2014، تحاول أن تنظر للحياة من وجهةِ نظرٍ فيزيائيّة، تفسّر نشوء الحياةِ على الأرض باستخدام القانون الثّاني للتحريك الحراري، أو من خلال الإنتروبيّة.
(5)
قبل انتهاء الرواية بقليل، يمكن للقارئ أن يذهب بخياله إلى أبعد الحدود، ويعتقد أن الاكتشاف الذي لم يتم الإعلان عنه بعد، من الممكن أن يكون أي شيء، خاصة أن الكاتب استطاع بطريقته المذهلة أن يستحوذ على اهتمام الماسك بصفحات روايته الجديدة، والتي نشرت في أكتوبر من العام الماضي، حتى أنا تخيلت أن يؤكد الرجل الملحد "إدموند كيرش" في اكتشافه أن الروايات الدينية للخلق غير سليمة، وهيأت نفسي للدفاع عن تلك الروايات، خاصة الإسلامية بحكم ديانتي، وتعبيرا عن تضامني مع سيد الفضل، وهو العالم الإسلامي الذي قتل في صحراء دبي- في أحداث الرواية- لعدم الإفصاح عن اكتشاف إدموند، حيث إنه واحدا من الثلاثة، الذين اجتمع بهم كيرش قبل أيام.
(6)
استطاع البروفيسور لانغدون بمساعدة أمبرا فيدال مديرة المتحف الذي استضاف الحفل، وخطيبة الأمير جوليان ولي عهد إسبانيا، وهي بواقع الأمر الملكة المستقبلية، من الوصول إلى مكان الكمبيوتر العملاق، في مركز برشلونة للحوسبة الفائقة، كما استطاعا أن يتعرفا على كلمة السر الخاصة بإدموند، والتي تمكنهما من الإعلان عن الاكتشاف، ليس انتقاما من القاتل فحسب، ولكن وفاءً لصديقهما، وجاء الاكتشاف المذهل، والذي وصل إليه الرجل بمجموعة من الإختبارات التي اكدت أن التكنولوجيا في تقدم هائل بصورة تمكنها من القضاء على الإنسان، خلال العقود الثلاثة المقبلة، وذلك عن طريق تصوير التكنولوجيا كفيروس اقتحم الأرض، وبدأ في الانتشار والاستحواذ على المساحة المخصصة للإنسان، ضاربا المثال بالروبوتات التي تستطيع أن تحل محل العمال في المصانع.
(7)
في نهاية هذا المقال أود أن أشكر الكاتب الأمريكي الشهير دان براون، والذي استطاع بكتابته المذهلة أن ينير في عقلي بشكل شخصي، الجوانب الأخرى من التكنولوجيا، والتي أرغب الآن في أن أواكبها بشكل سليم، دون أن تستحوذ على المساحة المخصصة لي على كوكب الأرض، حتى الآن لم أجد الطريقة، ولكن هذا ما أود أن أكتشفه لاحقا.