"اليابانيين بيغيرو منه".. قصة مهندس مصري يصنع خط إنتاج كابلات طلمبات الأعماق (صور)

كان حلمه منذ الصغر أن يصبح صاحب مصنع وخط إنتاج، هذا الحلم كان يحركه فى البداية ثقافة مجتمع يحفز على تحمل المسؤولية وتقدير قيمة الإنتاج والعمل، إلى أن وجد نفسه الآن صاحب مصنع صغير لمنتج صناعى ليس له مثيل فى مصر ويستورد من الخارج رغم كافة المشاكل التى تواجه كل صاحب مصنع صغير يبدأ من الصفر.

 

 

المهندس طلعت بطرس مهندس معمارى معروف بين أقرانه فى المنطقة الصناعية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالقاهرة الجديدة، بأنه "عقدة اليابانيين" فهو صاحب تجربة نجاح قد لا تجد مثلها بسهولة فى هذه الأيام، لأنه عندما كان مضطرا للتوقف عن العمل والإغلاق اختار العكس تماما وهو أن ينجح فى تصنيع كل ما يحتاجه مصنعه الصغير بنفسه بدءا من تركيب الكهرباء بداخله وحتى تصنيع خط إنتاجه بالكامل من الخردة رغم أنه ليس ميكانيكيا أو صاحب سابقة خبرة فى هذا المجال، كل ما كان يحمله هو حلمه الصغير بإنشاء مصنع وخط إنتاج.

 

 

توجهنا إلى زيارة المهندس طلعت بطرس فوجدناه جالسا على مكتب صغير ملاصق لخط الإنتاج الذى كان يحلم به لتصنيع الكابلات الكهربائية المخصصة لطلمبات الأعماق ويرتدى "عفريتة"، وتلاحظ وأنت جالس معه أنه لا يحب الجلوس دائم الحركة بين الماكينات وعماله وهما محمد ومينا، وعندما سألناه عن بداية هذا المصنع وكيف جاءت له الفكرة، أجاب بأنه عندما كان يعمل فى مجال طلمبات المياه لاحظ أن مكوناته تستورد من الخارج بما فيها هذه الكابلات الكهربائية فقلت لنفسى - والحديث على لسان المهندس طلعت- "هوا احنا أغبية للدرجة دى عشان منعرفش نصنع كابلات كهرباء ونستوردها من برة..هوا مفيش مهندسين فى مصر"، وكان قراره بأن ينشئ مصنع لإنتاج الكابلات الكهربائية المخصصة لطلمبات الأعماق.

 

 

عندما تحدثنا مع المهندس طلعت بطرس عن المشاكل التى تواجهه فى العمل، كانت الإجابة واضحة قبل أن يتحدث هو، حيث لازمنا تذبذب التيار الكهربائى المستمر منذ أن جلسنا وحتى قيامه هو لإصلاح الفيوزات بنفسه، فهو دائم التعرض لهذا الموقف يوميا، ويقول إنه لو انتظر استجابة شكاوى الكهرباء سيكون هو الخاسر الوحيد من تعطل خط الإنتاج الصغير الذى يملكه وتلف المواد الخام المستخدمة وتحمل أجر يوم عمل بدون إنتاج، أما المسؤولين فليسوا أصحاب مصلحة فى إصلاح تلك العيوب، حتى أن هذا العيب كلفه 120 ألف جنيه لتلف أحد الأجهزة فى خط الإنتاج. 

 

 

ويحكى المهندس طلعت بطرس كيف كون خط الإنتاج بنفسه، فقد توجه إلى مدينة قليوب ووكالة البلح والسبتية لتكوين وتصنيع خط الإنتاج الذى يحتاجه، ولأنه مهندس معمارى، قرر أن يعتمد على عمالة فنية فلم يجد، فاضطر إلى العمل بنفسه وتشغيل المكن لأنه انفق كل ما يملكه على هذا المكن حتى ينفق على أسرته، والآن يصنع كابلات كهربائية تفوق جودتها المنتجات التركية الإيطالية المستوردة مخصصة للطلمبات الأعماق بقوة 150 حصان و200 حصان على أعماق تصل إلى 200 متر فى آبار المياه بمواصفات عالمية.

 

يجد المهندس طلعت بطرس صعوبة فى تصدير منتجاته، لعدة أسباب منها أنه ليس لديه تمويل يمكنه من تطوير منتجه، فهو يواجه الإجراءات البيروقراطية لتجديد القرض الذى حصل عليه منذ عام، وهذا التجديد كلفه ما لا يقل عن 30 ألف جنيه وهو أمر لا يشجعه على توسيع قاعدة عمله فى الوقت الحالى على الأقل، كما أنه يتحمل مسؤولية تشغيل هذا المصنع ويلعب دور صاحب العمل وفنى إصلاح والعامل فى بعض الأحيان، فلا يملك وقتا لإضافة أعباء جديدة. 

 

 

أخيرا يرى المهندس طلعت، أن المستقبل فى مصر هو الاعتماد على المياه الجوفية ولذلك يحلم بتصنيع دورة الإنتاج الخاصة بالطلمبات من الألف إلى الياء، وعندما سألناه هل من الممكن أن تصل إلى هذه المرحلة فى مصر، فأجاب باستنكار "مفيش حاجة اسمها مش ممكن طالما مازالت عايش على وجه الأرض"، فقد استطاع أن يحول قطع الخردة إلى ماكينات منتجة بتكلفة أقل من الماكينات المستوردة، وأعطى لنا مثالا بأنه أشترى مؤخرا كسارة خردة حتى يستغلها فى صناعة مخرطة حديد فى خط الإنتاج تكلفة استيرادها من الخارج تصل إلى 100 ألف جنيه.