غاية عنان تبرر وسيلته
الثلاثاء، 23 يناير 2018 12:47 م
علمتني الحياة أن السياسة هي فن الممكن، وأن آخر ما يقاس به الممكن في السياسة هي معايير الأخلاق، وأن السياسيين لا يختلفون على المبدأ، إلا بقدر ما يتفقون على منهج واحد، المنهج الميكيافيللي الشهير، الغاية تبرر الوسيلة، وهكذا استقبلت عزم الفريق سامي عنان الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة بكل هدوء، وكما اعتدت استقبال كافة الأحداث السياسية على اختلاف ظواهرها وتجلياتها، وهو ما يمنحني فرصة التعامل معها بوعي عقلاني، هو في كل الأحوال أفضل من انفعال عشوائي، لا يفعل إلا أن يستمر آسراً أصحابه داخل دائرة رد الفعل، الانتخابات الرئاسية ليست نزهة بريئة، ولم تكن يوماً في أحد وجوهها، إلا شكلاً من أشكال الصراع الإنساني، ويستوي في هذا الدول النامية، مع تلك التي ترتدي الوجه الديمقراطي الأنيق، لا فرق إلا في أساليب الصراع، كل واحد وثقافته.
ومن ثم لم أندهش من التداعيات المصاحبة لترشح عنان، خاصة وأن بيانه قد حمل من ضمن الدلالات أنه مرشح يحط من خارج النظام، ولا يأتي مثلاً من مربع اليسار داخله، فالبيان لم يأت فقط بتوقيت الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما دشن فريقاً رئاسياً كنواة مدنية، آه والله مدنية، قوامها نائبان أحدهما المستشار هشام جنينة لحقوق الإنسان، آه والله حقوق الإنسان، والآخر الدكتور حازم حسني للتمكين السياسي، آه والله التمكين السياسي، شوف الكلام ماشي صح ازاي، مدنية وحقوق إنسان وتمكين سياسي، ولم ينس عنان التحذير بشدة، من انحياز غير دستوري، لرئيس قد يغادر منصبه قريباً، وطالب المواطنين بالاستمرار في تحرير توكيلات ترشحه.
ولم يطرق كمبررات أو دوافع وراء ترشحه، إلا ما يشكل مناطق الاختلاف على أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي في مدته الرئاسية الأولى، حتى بين مؤيديه المخلصين، تردي أحوال الشعب المعيشية، وتآكل قدرة الدولة المصرية على التعامل مع ملفات الأرض والمياه والموارد البشرية، حسب قوله، لافتاً إلى وجود سياسات خاطئة، حملت القوات المسلحة مسؤولية المواجهة دون سياسات رشيدة، تمكن القطاعات المدنية من القيام بدورها، حسب وصفه، وأشار إلى ضرورة تقاسم السلطة بين مؤسسات الدولة، وبناء نظام سياسي واقتصادي تعددي يحترم الدستور والقانون، ويؤمن بالحريات، ويحافظ على روح العدالة، ويدرك فلسفة العصر، ويحترم إرادة وكرامة الشعب، وصدق الرجل على كلامه بملامح حادة.
صياغة البيان المعبر عن توجه الرجل يستحق التحية والاهتمام والتأمل، فهو يعزف بنجاح على إيقاع كتلة تصويتية لا يستهان بها، في معركة انتخابية يعلم جيداً أنها ليست سهلة بأي حال من الأحوال، عنان لم يستهدف فقط الفئة التصويتية المعبرة عن جماعة الإخوان المسلمين بكل ذيولها الدينية، ولكن استهدف معها في نفس الوقت الفئة التصويتية المعبرة عن التيار الليبرالي بكل طوائفه السياسية، ومن ثم فإن تفاعل تنظيمات الجماعة المحظورة بالإيجاب مع ترشح الرجل لا يعد مفاجأة، فهو يضرب بقوة على طموحاتها في إزاحة السيسي، والتيار الليبرالي أدخله البيان مؤقتاً دائرة الحيرة في وجود مرشح مدني صريح من يومه هو خالد علي.
وضعت المشهد أمامي، ودون أي دهشة بشأن ترحيب الإخوان ومعهم بعض دعاة الحكم المدني برجل عسكري حتى النخاع، طالما أن السياسة هي فن الممكن، فالممكن لعنان في مواجهة السيسي ليس إلا أمريكا والإخوان والتيار المدني، والممكن لهم جميعاً حتى الآن ليس إلا الفريق سامي عنان، وخاصة بما يمثله لهم من وهم إمكانية انقسام المؤسسة العسكرية بموجب ترشحه، فأيقنت من جديد أن جميعهم يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية وأخذ ثاراته ولو على حساب وطن، وهو ما يدفعنا إلى ضرورة الجدية في التعامل مع ملف الانتخابات الرئاسية، فالجدية لم تكن حاضرة من قبل بقوة حضورها بعد ترشح عنان بتداعياته، والتي أتوقع معها استكماله التوكيلات المطلوبة في المهلة المقررة، فلا تأخذوا الأمور على محمل الهزل أو التسلية، وتعاملوا مع الانتخابات الرئاسية بما باتت تستحقه من اهتمام، فالأمر جد خطير.