اقتصاديون: مصر على أبواب قطف ثمار القرارات الصعبة
السبت، 20 يناير 2018 01:00 م
توقع اقتصاديون أن تجنى مصر فى الأعوام القليلة المقبلة ثمار الإجراءات الاقتصادية الصعبة التى اتخذتها فى السنوات الماضية مع استمرار العمل على استكمال الإصلاحات بشتى القطاعات ولاسيما الصناعية لزيادة الصادرات.
وقالت رضوى السويفى رئيسة قسم البحوث فى بنك الاستثمار فاروس: "مصر وضعت قدميها على الطريق الصحيح اقتصاديا خلال السنوات الأربع الماضية وخاصة من وقت الإعلان عن الدخول فى مفاوضات مع صندوق النقد فى النصف الثانى من 2016".
ووافق صندوق النقد الدولى فى نوفمبر تشرين الثانى 2016 على قرض لمصر قيمته 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات وتبنى برنامج الإصلاح الاقتصادى لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أعلن أمس الجمعة ترشيح نفسه لفترة رئاسة ثانية مدتها أربع سنوات. وستجرى الانتخابات خلال شهر مارس آذار المقبل.
وقالت السويفى "مهدنا الطريق واتخذنا خطوات قوية وسنجنى الثمار وسنرى طفرة اقتصادية (خلال فترة) من ثلاث إلى خمس سنوات... كل الإصلاحات التى جرت الفترة الماضية كانت مالية. نحتاج الآن لإصلاحات على المستوى الصناعى والزراعى لنتحول من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة ونوفر احتياجاتنا من الصناعة المحلية".
وتنفذ الحكومة المصرية منذ 2016 برنامج الإصلاح الذى شمل فرض ضريبة القيمة المضافة وتحرير سعر الصرف وخفض الدعم الموجه للكهرباء والمواد البترولية سعيا لإنعاش الاقتصاد ودفعه على مسار النمو وخفض واردات السلع غير الأساسية.
وتضمن البرنامج قانونا جديدا للاستثمار وإصلاحات فى قانون ضريبة الدخل وإقرار قانون للإفلاس.
وقالت ريهام الدسوقى محللة الاقتصاد المصرى فى بنك الاستثمار أرقام كابيتال "مصر غيرت هيكلها الاقتصادى تماما الفترة الماضية. النمو قد يكسر حاجز الستة بالمئة سنويا خلال الفترة المقبلة لو واصلنا العمل على إصلاحات أخرى والقضاء على البيروقراطية".
تتوقع مصر نموا اقتصاديا بين 5.3 و5.5 بالمئة فى السنة المالية الحالية التى تنتهى فى يونيو حزيران 2018 على أن يصل إلى ستة بالمئة فى 2018-2019.
لكن البلد يعانى من بيروقراطية شديدة ولم تفلح قوانين تيسير الاستثمار فى التعامل معها أو القضاء عليها إذ لا يستطيع المستثمر الحصول على تراخيص مصنعه أو شركته بسهولة حتى الآن ولا بد له من التوجه إلى إدارات المحليات للانتهاء من أوراقه.
الإجراءات التى اتخذتها مصر لم تكن بالقرار السهل فى بلد شديد الاعتماد على الاستيراد لتلبية احتياجات ما يقرب من 100 مليون نسمة اعتادوا الدعم الحكومى للكثير من السلع والخدمات الأساسية.
ويقول نعمان خالد محلل الاقتصاد المصرى الكلى فى بنك الاستثمار سي.آى كابيتال "2014 و2015 ومعظم 2016 كانت سنوات الفرص الضائعة على الاقتصاد المصرى حيث كان يمكن خلالها اتخاذ إصلاحات عظيمة بتكلفة أقل بكثير من الوقت الحالي".
كان سعر صرف الجنيه المصرى نحو 7.15 جنيه للدولار فى البنوك عندما تولى السيسى فى يونيو حزيران 2014 مقاليد السلطة فى حين كان السعر فى السوق السوداء نحو تسعة جنيهات.
وعند تحرير سعر الصرف فى نوفمبر تشرين الثانى كان السعر الرسمى للدولار فى البنوك 8.88 جنيه وفى السوق الموازية ما يقارب 18 جنيها.
ويبلغ سعر الدولار نحو 17.75 جنيه حاليا بينما اختفت السوق الموازية تماما بعد تحرير سعر الصرف.
وقال خالد "شهدنا مزيجا غير مفهوم من السياسة المالية الانكماشية خلال الفترة الماضية، والتى تمثلت فى خفض الدعم عن جميع السلع والخدمات التى كانت تدعمها الحكومة، وسياسات مالية توسعية من خلال مشروعات عملاقة مثل قناة السويس والعاصمة الإدارية".
ودخل السيسى فى مشروعات عملاقة كثيرة تكلفت مليارات الجنيهات خلال الأربع سنوات الماضية من ضمنها قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية وشبكة ضخمة من الطرق بجانب مشروعات صناعية وسمكية وزراعية.
ويتوقع الاقتصاديون أن يقطف المواطن المصرى والمستثمرون ورجال الأعمال ثمار تلك المشروعات خلال السنوات القليلة المقبلة.
ويرى على عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين أن الفترة الأولى للسيسى كانت "صعبة لأن الاقتصاد كان منهكا ومنهارا بعد اضطرابات 2011. لم يكن هناك كهرباء ولا غاز طبيعى للمصانع وكانت الطرق والبنية التحتية متهالكة.
"انظر الآن ستجد لدينا فائضا فى الكهرباء وتوفير الغاز بانتظام للقطاع الصناعى بجانب شبكة كبيرة من الطرق الجارى تنفيذها. مصر كانت مسرحا للانطلاق الاقتصادى الفترة الماضية وسيكون 2018 هو عام الانطلاق بإذن الله".
وأضافت مصر ثمانية آلاف ميجاوات قدرة كهربائية منذ 2014 ليصل الإجمالى إلى نحو 37 ألفا و800 ميجاوات حاليا وهو ما ساعد فى القضاء على انقطاعات الكهرباء التى عانى منها المصريون قبل 2014.
توسعت مصر فى الاقتراض الداخلى والخارجى لتمويل المشاريع العملاقة وغيرها وقد ساعدها فى ذلك شهادة الثقة المتمثلة فى قرض صندوق النقد الدولى وتحرير سعر صرف الجنيه الذى زاد من جاذبية أدوات الدين المصرية.
لكن عالية المهدى أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة قالت "عدد كبير من المشروعات القومية التى تنفذ مثل الكهرباء وغيرها تكون بقروض... لا بد أن نتعامل مع فكرة التوسع فى القروض بكثير من الحذر خاصة وأننا وصلنا لمرحلة غير مسبوقة من الدين الخارجى وهو ما يشكل مزيدا من الضغط على الموازنة العامة للدولة".
وقفز الدين الخارجى لمصر إلى 79 مليار دولار بنهاية يونيو حزيران 2017 من 46.067 مليار دولار فى نفس الشهر من عام 2014 بينما قفز الدين المحلى إلى 3.16 تريليون جنيه من 1.8 تريليون جنيه فى يونيو 2014 وفقا لبيانات البنك المركزي.
ومن أهم المشروعات التى تعلق عليها الحكومة المصرية آمالها فى الفترة المقبلة أكبر حقل غاز طبيعى فى البحر المتوسط وهو حقل ظُهر الذى تديره شركة إينى الإيطالية والذى اكتشف أواخر 2015، ليساعد مصر فى التحول إلى مركز إقليمى لصناعة الغاز الطبيعي.
وهيمنت إينى وبي.بى البريطانية وشل الهولندية وإديسون الإيطالية على أنشطة استكشاف وإنتاج النفط والغاز فى مصر خلال السنوات الماضية لكن الشركات عانت فى الفترة الأخيرة من تأخر تحصيل مستحقاتها.
وقال مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول المصرية سابقا "على الرئيس المصرى الاستمرار فى الالتزام بسداد مستحقات شركات النفط الأجنبية العاملة فى البلاد لتحفيزها على زيادة استثماراتها".
ولشركات النفط الأجنبية العاملة فى البلاد نحو 2.4 مليار دولار مستحقة لها على الحكومة المصرية فى نهاية يونيو حزيران 2017.
ووعد وزير البترول طارق الملا بسداد 750 مليون دولار من مديونية الشركات الأجنبية فى ديسمبر كانون الأول لكن ذلك لم يحدث حتى الآن. ولا تفصح مصر عن حجم المديونية حاليا أو التوقيت المستهدف للانتهاء من السداد.
وتركزت أغلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر بعد انتفاضة يناير كانون الثانى 2011 فى قطاع الطاقة وبخاصة النفط والغاز.
وبلغت الاستثمارات الأجنبية فى مصر 7.9 مليار دولار فى السنة المالية 2016-2017 التى انتهت فى 30 يونيو حزيران الماضى مقابل 6.8 مليار دولار فى 2015-2016.
وقال أسامة كمال وزير البترول المصرى السابق "على الرئيس تطبيق خطة للإصلاح الإدارى بالإضافة إلى تعديل أنظمة وقوانين العمل.
"لا بد أن نهتم بمناخ الاستثمار... هذا المناخ ليس جاهزا حتى الآن. النجاح ليس فى إصدار قانون ولائحته. النجاح يتمثل فى وجود مستثمرين يرغبون فى الاستثمار".