درس سيدنا الخضر
الخميس، 18 يناير 2018 11:51 م
في تقرير واضح لحالة المعرفة المطلقة.. ولكن هل هناك وجود لمخلوق ما يملك بمفرده المعرفة المطلقة؟
في قصة سيدنا موسي والخضر عليهما السلام إجابة.. فسيدنا موسى عندما خطب في بني إسرائيل يحدثهم عن الله عزوجل فسأله أحدهم:
-هل أنت أعلم أهل الأرض؟
فكان رده عليه السلام هو: نعم.. ظنا منه أنه كذلك.. عاتبه العليم وعلّمه أن يبدأ رحلة بحثه عن من هو أعلم منه فكانت رحلته العظيمة مع سيدنا الخضر.. هذا في مقام النبوة المشرفة.. تشريف التكليف من الله عزوجل والذي كان تكليفاً بأن يكونوا أكثر تواضعا للعلم وللمعرفة ونأتي نحن بني الإنسان ندعي المعرفة الكاملة ؟! وبأننا قد بلغنا من العلم مبلغه؟!
بأي عقل نفكر إذا؟
لا أعتقد أنناوقتها نفكر بل أن "الكِبْر" يكون قد دخل القلوب فأحالها لقلوب متكبرة بما رزقها الله من علم ومعرفة وعندما يصل المرء لذلك يظن بنفسه الكمال فإذا به في أول منحدره لنهايته.
وأتساءل ما المعرفة؟
تحدثنا علوم إدارة الذات أن المعرفة تقع في داخل دائرة على طرفها الجهل.. وبالتالي كلما ازدادت دائرة المعرفة إزداد الجهل بما لا نعرفه.
ولكن ما هي مراحل المعرفة لأي معلومة في الحياة؟
هناك أربع مراحل لمعرفة أي معلومة في الحياة والتي هى:
1- مرحلة إنك لا تعرف أنك لا تعرف
بمعني تمضي على سبيل المثال في عملك وأنت تتمنى الترقية ولكنك (لا تعرف) أنك (لا تعرف) الكثير من المعلومات والخبرات التي ستؤهلك للمنصب الذي تود الوصول له.. فتبدأ في اللوم والشكوى وربما تركت عملك دون أن تعرف لماذا لا تتم ترقيتك وما هي متطلبات المنصب الجديد! والتي هي فقط معرفتك بأنك تحتاج للمزيد من المعرفة في مجال تخصصك بما يناسب منصبك الجديد الذي تبغي الوصول له.
تعتبر هذه المرحلة من أصعب المراحل لأن كل إنسان يملك قرار نفسه في سعيه لطريق العلم والمعرفة.. لا أحد يستطيع أبدا أن يجبر إنسان على المعرفة حتى لو كانت شركة تدفع آلافا مؤلفة لشركات التدريب لتدرب موظفيها.. إن لم يقرر الإنسان أنه بحاجة حقيقة للتدريب فلن يستفيد منه أي شيء.. بصفة عامة كل البشر مهما بلغت درجة معرفتهم ما زالوا بحاجة للمزيد ولو في أنواع مختلفة من العلوم والمعارف درّب عقلك علي هذه الجملة جيدا.
2- مرحلة إنك تعرف إنك لا تعرف
على سبيل المثال: مشاكلك في زيجتك راجعة لأنك لا تعرف أن لغة المرأة الفوزية مختلفة تماما عن الرجل الفتحي فلذلك ولأنك (عرفت ذلك) تبدأ بالفعل في القراءة أو أخذ كورسات تعرفك على طريقة تفكير الآخر وكذلك في عملك.
3- مرحلة أنك تعرف أنك تعرف
فتبدأ في الحديث دوما عن ما تعلمته وكلك سعادة بمعرفتك لمعلوماتك الجديدة فالحقيقة أن معرفة أي معلومة جديدة تمتع العقل وتجعله وكأنه ينير بالفعل بالمعلومات الجديدة التي عرفها خاصة عندما يطبقها في حياته وتصبح جزء من شخصيته.
4- مرحلة أنك لا تعرف أنك تعرف
هنا المعرفة الجديدة التي طبقتها أصبحت جزءا لا يتجزأ من شخصيتك فتجد الناس تقول أنك شخص مثقف مثلا على سبيل المثال ولكنك لا ترى نفسك لأنك رجعت من جديد للمرحلة الأولى ولكن في موضوع جديد ومختلف لكي تبدأ رحلة معرفتك به وهكذا هي رحلة بلا نهاية حتى آخر العمر.
والسؤال لماذا نجد البعض يتحدثون وكأنهم يعرفون "كل" المعرفة (خاصة عندما يتخصصون في مجال واحد بعينه أو عندما يكون لقبهم "المثقف فلان الفلاني")؟.. وحديثهم ممتليء بلهجة التعالي ورفض نقد أفكارهم بصورة حادة؟
لأنهم وقفوا عند المرحلة الثالثة وبدأ الكِبْر يدخل قلوبهم شيئا فشيئا إلى أن يتخيلوا بمعرفتهم (لجزء من المعرفة) وكأنهم قد عرفوا (كل المعرفة) وبالطبع هذا (وهم) فلا أحد على وجه الأرض يملك كل المعرفة ألم يكن هذا هو الدرس الذي تعلمه سيدنا موسي من سيدنا الخضر؟
وأليست المقولة الشهيرة للإمام الشافعيّ رحمه الله تُتمم نفس المعني؟: كلما ازددت علما ازددت علما بجهلي
أمانتك مع ذاتك هي السبيل الوحيد لوصولك الحقيقي لبداية الطريق.. طريق البحث عن المعرفة ومن ثَم البحث عن الحقيقة.. حقيقة وجودك في هذه الحياة وكونك إنسان عظيم.. هذا الطريق الذي متعته في رحلته خاصة في وسط عالم يموج بالأسئلة والحيرة وزمان يشهد ميلاد عصر جديد يحتاج فيه العالم لمعاني مختلفة تكون أكثر يقينا في سبيل تأصيل معنى التواصل بين الحضارات وليس صراعها والوصول الحقيقي لمعنى سعادة الإنسانية لا سبيل لذلك سوى بطريق العلم والمعرفة.
ذلك رأيي عزيزي القاريء ماذا عن رأيك؟