ظهورها في صالة مزادات بأمريكا يعيد فتح الملف.. لغز اختفاء غرفة الملك فاروق من حديقة الحيوان يقترب من الحل.. والزراعة والآثار يتقاذفان المسؤولية
الأربعاء، 17 يناير 2018 12:00 مهناء قنديل ودينا الحسيني
الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان (1920-1965)، أنشا الغرفة الملكية بحديقة الحيوان، ليقيم فيها خلال عطلته الأسبوعية، وكان يستضيف فيها الملوك والرؤساء، الذين يزورن مصر، ليتمتعوا بالموقع الأسطوري للحديقة المطلة على النيل، والقريبة من الأهرامات في آن واحد.
وقبل خمس سنوات من الآن، فجر وزير الزراعة أيمن فريد أبوحديد، قضية اختفاء غرفة أثرية، خاصة بالملك فاروق، وكان يتم استقباله فيها، عند زيارته لحديقة الحيوان بالجيزة.
وخلال زيارة الوزير الأسبق للحديقة، فوجئ باختفاء الغرفة الأثرية، التي كان على علم بوجودها، وقرر التحقيق في الأمر، وإحالة جميع المعنيين بهذه القضية إلى الجهات الرقابية، إلا أن الموضوع تم حفظه، وأغلق الملف على لغز يحمل سؤالا كبيرا وهو: هل كانت هذه الغرفة موجودة بالفعل؟ وإلى أين ذهبت؟
بقي هذا السؤال معلقا، لنحو خمس سنوات، كانت كفيلة بإغلاق هذا الملف، وقيد الواقعة ضد مجهول، إلى أن فوجئ الجميع بالغرفة تظهر في الولايات المتحدة الأمريكية، داخل إحدى صالات المزاد؛ تمهيدا لبيعها!
مجرد ظهور هذه الغرفة في صالة المزادات الأمريكية، ينفي صحة تأكيدات البعض بأن هذه الغرفة لا وجود لها، وإلا فمن أين أتت تلك الغرفة التي تباع الآن في الصالة الأمريكية.
التناقض بين تصريحات المسؤولين، والواقع الذي نتابعه بأنفسنا، استدعى أن تحقق "صوت الأمة" في الأمر، لكشف الحقيقة، وحل هذا اللغز.
البحث الدقيق في تلك القضية، يكشف تورط أحد وزراء الزراعة السابقين، في التخلي عن هذه الغرفة والسماح بتهريبها إلى الخارج، لتباع كأثر ثمين، بأغلى
الأسعار.
كما كشف أيضا عن أن هذه الغرفة الأثرية، لم تكن يوما تابعة لوزارة الآثار، وإنما تابعة لوزارة الزراعة، وليس ذلك فقط، إنما هي أيضا تابعة لقطاع الطب البيطري بالوزارة.
فيديو يكشف الفضيحة
بداية عودة لغز اختفاء غرفة الملك فاروق الأثرية، إلى النور مرة أخرى، جاءت عبر مقطع فيديو، نشرته "صوت الأمة"، للغرفة في أثناء بيعها بالمزاد العلني في الولايات المتحدة، وذلك رغم النفي التام من قبل المسؤولين في وزارة الزراعة لوجود هذه الغرفة من الأساس!
الصالة التي تبيع الغرفة الأثرية تابعة لشركة بيع التحف والأنتيكات، التي تحمل اسم "M. S. Rau Antiques"، وكانت تستعرض قطع الغرفة بدقة شديدة، ضمن الإعلان الترويجي لها، مقدرة سعرها المبدئي بمليون دولار.
أصل الحكاية
القصة الأصلية لتلك الواقعة- اللغز- تعود إلى عام 2013، فخلال زيارة عادية من وزير الزراعة في ذلك الوقت، الدكتور أيمن فريد أبو حديد، تفقد فيها حديقة الحيوان، ليكتشف خلالها خلو الاستراحة الملكية، من غرفة الملك فاروق، واستبدالها بأخرى عادية.
وفور أن اكتشف الوزير استبدال الغرفة، أمر بالتحقيق في القضية، لتتكشف أبعاد كارثة مروعة، وهي أن زوجة أحد وزيرين كان مصرحا لهما بالإقامة في هذه الغرفة الأثرية لعدم وجود محل إقامة لهما بالقاهرة، وأحدهما كان وزيرا للزراعة، والآخر وزيرا للتموين، تخلصت من الأثاث الأثري، لأنه لا يعجبها، بآخر مودرن، دون أن تعي حجم الكارثة التي ارتكبتها.
ومنذ ذلك الحين لم يتم التعرف على المكان الذي نقلت إليه الغرفة الأثرية، حتى كشف الفيديو الأمريكي، عن مكان وجودها حاليا.
فيديو المزاد يفتح الباب أمام سيل من التساؤلات مثل: لماذا لم تسجل هذه الغرفة كآثار؟ وكيف أمكن التخلص منها ببساطة، دون تدخل أي من المسؤولين المعنيين؟ ولماذا لم يتمكن الوزير أبوحديد من التعرف على المكان الذي نقلت إليه؟ وكيف ومتى غادرت البلاد؟ ومن المسؤول عن كل هذا السيناريو المحكم لنهب هذه القطع الأثرية التاريخية؟ ولأن كل هذه الأسئلة خطيرة بما يكفي، حاولنا التوصل إلى إجابات لها عن طريق المسؤولين.
تعليق المسئولين
أول المسؤولين الذين تواصلت معهم "صوت الأمة"، بهذا الشأن، كان الدكتور إبراهيم محروس، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، الذي أكد أنه تم التحقيق من قبل جهات عدة، مع المسؤولين المعنيين، بحديقة الحيوان، إلا أن وفاة بعضهم، وعدم امتلاك البعض الآخر للتفاصيل الكافية حول الواقعة، أو عدم معرفتهم بطبيعة تلك الغرفة، التي كانت موجودة قبل أكثر من خمسين سنة، حال دون الوصول إلى معلومات تساعد في حل اللغز.
محروس أكد أنه شخصيا لا يعرف عن تلك الواقعة شيئا، لافتا إلى أن تم حفظ التحقيقات التي أمر الوزير أبوحديد باجرائها عام 2013، قائلا: "جايين تتكلموا في حاجة من الخمسينيات، سنة 2018".
ونفى مصدر بوزارة الآثار، علاقة وزارته بمقتنيات الملك فاروق، الموجودة بحديقة الحيوان في الجيزة، كاشفا أنها لا تخضع لقانون حماية الآثار، الذي يشترط مرور 100 عام على القطعة، قبل اعتبارها أثرا.
الإهمال سر الكارثة
الدكتور مختار الكسباني، أستاذ التاريخ السلامي بجامعة القاهرة، أوضح أن جميع المقتنيات الملكية، التي كانت في حديقة الحيوان، تابعة لوزارة الزراعة، التي تعد المسؤول الوحيد عن مصير الغرفة الملكية المنهوبة.
وأشار الكسباني في تصريح خاص لـ"صوت الأمة" إلى أن الإهمال تسبب في سرقة الغرفة الملكية، موضحا أن الحديقة كانت قصرا لمراد بك زعيم المماليك، وتحولت لمدرسة الطوبجية المدفعية فيما بعد، وتم تطويرها بعهد محمد على، وخصصها كحديقة للحيوان.
وقال أستاذ التاريخ السلامي بجامعة القاهرة: "كان محمد على يهدف إلى تجسيد جوانب النهضة في بناء نموذج للحياة النباتية، في حديقة الأورمان، وآخر للحياة الحيوانية في حديقة الحيوان، وثالث للحياة العلمية بجامعة القاهرة، التي بدأت بكلية الآداب، ومتحف العلوم، وفي الخلف مساكن الإيواء والمغسلة الخاصة بالإصلاحية؛ لأن الهدف من النهضة العلمية كان الطبقات المهمشة".
مصدر أمني يحل اللغز
وكشف مصادر أمني، لـ"صوت الأمة"، أن غرفة الملك فاروق، التي تمت سرقتها من داخل حديقة الحيوان، معروضة للبيع بأمريكا منذ عامين، وليست أثرية لكون مقتنيات العائلة المالكة لا تعتبر من الآثار، لعدم مرور قرن كامل عليها.
وأوضح المصدر أن تلك الغرفة ليست معروضة بمزاد، بل تعرض داخل معرض للموبيليا لمالك أمريكي روج لمعرضه بعرض الفيديو الذي فجر القضية من جديد.
وكشف المصدر عن تحرك قوي من الأجهزة المعنية بالدولة، المتمثله في وزارتي الآثار والخارجية؛ لمطالبة الإنتربول رسميا باسترداد تلك المقتنيات".
تعود أحداث القصة إلى (سبتمبر 2013)، عقب قيام الدكتور أيمن أبو حديد، وزيرالزراعة واستصلاح الأراضي آنذاك، بجولة تفقدية فى حديقة الحيوان واكتشف خلال زيارته للاستراحة الملكية، اختفاء غرفة نوم الملك فاروق واستبدالها بغرفة أخرى صناعة محلية، تم شرائها من محلات "عمرأفندي" القريبة من أسوار الحديقة.