الإدارية العليا: إجراءات النيابة العامة فى بلاغات الرقابة الإدارية لا تعد من وسائل الإكراه
الثلاثاء، 16 يناير 2018 11:28 صهبة جعفر
وضعت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة موضوع، مبدأ مهمًا بعد جواز استرداد المبالغ المحصلة بمعرفة قرارات النيابة العامة في جرائم المال العام المتصلة بالعقود الإدارية التي تصدر فيها قرارًا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية للتصالح بقصد الإعفاء من العقاب، ورفضت طلب إحدى الشركات بمطالبة الدولة ب 23 مليون جنيه سددتها الشركة أثناء التحقيق معها نتيجة بلاغ قدمته هيئة الرقابة الإدارية والزمتها المصروفات.
صدر الحكم برئاسة المستشار يحيى خضري نوبي نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين أحمد منصور وناصر رضا عبد القادر والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي وعبد النبي زاهر نواب رئيس مجلس الدولة.
وكانت الشركة قد أقامت الدعوى ضد وزير العدل والنائب العام، بأن يؤديا للشركة الطاعنة مبلغًا مقداره 23650000 جنيه مع الفوائد القانونيه عن هذا المبلغ بواقع 5% سنويا من تاريخ المطالبة حتى تمام السداد لصالح إحدى شركات النقل العام على سند أن الشركة دفعت هذه الملايين تحت ضغط واكراه من جراء التحقيقات. إلا أن المحكمة اكدت أن الإجراءات التي تباشرها النيابة العامة نتيجة بلاغات هيئة الرقابة الإدارية لا تعتبر من وسائل الإكراه، وإلا غلت يد سلطات التحقيق عن مباشرة اختصاصها طبقًا الدستور والقانون.
قالت المحكمة، إن الأمر الصادر من النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية له حجيته التي تمنع من العودة إلى الدعوى الجنائية مادام قائمًا لم يلغَ، إذ له ما للأحكام من قوة الأمر المقضي ولو لم يعلن به الخصوم، وأنه إذا كان قرار الحفظ مبنيًا على أسباب لا علاقة لها بالأدلة القائمة في التهمة، بل كان أساسه الصلح الذي رأى الفريقان المتنازعان حسم النزاع به، وفض المشكلات على مقتضاه بحسب ما ارتآه كل منهما في مصلحته، فهو قرار نهائي، ومن شأن نهائيته هذه أنه يحوز قوة الشيء المحكوم فيه، ويقوم حائلًا دون تحريك الدعوى العمومية في المدة المحفوظة بأية حال. فضلًا عن أن هذا الأمر طالما لم يُلغ وفقًا لحكم المادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية ولم يطعن عليه بالاستئناف فيظل قائمًا ومنتجًا اَثاره وتكون له فى نطاق حجيته المؤقتة ما للأحكام من قوة الأمر المقضي.
وأضافت المحكمة، أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي لا يتقيد بأشكال جامدة بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها بأن يقرر لكل حالة ما يناسبها ليظل هذا التنظيم مرنًا يفى بمتطلبات الخصومة القضائية، وأهمها الحيدة والاستقلال، يعد أمرًا واجبًا فى كل خصومة قضائية أو تحكيمية، وهما ضمانتان متلازمتان ومتعادلان فى مجال مباشرة العدالة، وتحقيق فاعليتها، ولكل منها القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلوا إحداها على الأخرى أو تجبها، بل تتضامان تكاملًا، وتتكافآن قدرًا وهاتان الضمانتان تتوافران بلا ريب فى أعضاء النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية، أحاطها المشرع بسياج من الضمانات والحصانات على النحو الوارد بنصوص قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، على نحو يقطع بتوافر ضمانتي الاستقلال والحيدة لهم، فضلًا عن أن عضو النيابة يمارس أعمال التحقيق لاعتبارات قدرها المشرع، وهو فى هذه الحدود لا يستمد حقه من النائب العام بصفته سلطة اتهام، وإنما من القانون نفسه، وهو الأمر الذى تستلزمه إجراءات التحقيق باعتبارها من الأعمال القضائية البحتة، وما يصدر عن عضو النيابة العامة من قرارات وأوامر قضائية فى هذا النطاق إنما يصدر منه متسمًا بتجرد القاضي وحيدته، مستقلًا فى اتخاذ قراره عن سلطان رئاسة رئيس، أو رقابة رقيب – ما خلا ضميرًا لا يرقب إلا الله فى عمله، ويضحى أمر تخويله الاختصاص بإصدار القرارات بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى متناسبًا مع الطبيعة القضائية، ومما يواكب هذا النظر وأن الدستور الصادر في 18 يناير 2014 ينص في مادته (188) على أن النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء تتولى التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية.
وذكرت المحكمة أنه قد بات مستقرًا في الضمير الدستورى أن القرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية فضلًا عن أنه لا يبرئ ساحة المتهم – على خلاف الحكم القضائي البات – ليست له حجية مطلقة بل يمكن للنائب العام أن يلغيه خلال مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره ما لم يكن قد صدر قرار من محكمة الجنايات أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة بحسب الأحوال برفض الطعن المرفوع فى هذا الأمر، كما لا يمنع صدور هذا الأمر النيابة العامة من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة قبل انقضاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية طبقًا لنص المادة (197) من قانون الإجراءات الجنائية، والمشرع للمتهم من حقه أن يناضل فى سبيل إبراء ساحته والدفاع عن سمعته واعتباره وسبيل ذلك ووسيلته محاكمة عادلة يصدر فيها حكم قضائي نهائي بذلك وهو مالم يسلكه الطاعن فى الطعن الماثل على نحو يبقى معه الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية له حجيته أمام هذه المحكمة.
وأوضحت المحكمة، ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 29/9/2004 تعاقدت إحدى الهيئات مع الشركة الطاعنة على توريد عدد 250 أتوبيس بقيمة مقدارها 435000 جنيه (أربعمائة وخمسة وثلاثون ألف جنيه) للأوتوبيس الواحد بخلاف 10% ضريبة مبيعات وعلى أن تكون مدة التوريد من ثلاثة إلى أربعة أشهر وتمت زيادة الأصناف المطلوب توريدها بمقدار 212 أتوبيس ليصبح الإجمالي 462 أتوبيس وقد قامت الشركة الطاعنة بالتوريد، إلا أنه قُدم بلاغ لهيئة الرقابة الإدارية بشأن قيام بعض المسئولين بالهيئة المطعون ضدها بالتلاعب في إجراءات التعاقد مع الشركة الطاعنة لتوريد أعداد كبيرة من الاتوبيسات بأسعار تزيد عن سعر السوق وبالمخالفة للقرار الجمهورى رقم 300 لسنة 2004 الذي بمقتضاه تم تخفيض الضريبة الجمركية من 36% إلى 12% وقد أحيل الموضوع لنيابة الأموال العامة والتي تناولته بالتحقيق في القضية رقم 384 لسنة 2006 حصر أموال عامة وأنتهت إلى الأمر بالأ وجه لإقامة الدعوى الجنائية وجاء فى مذكرة نيابة الأموال العامة مكتب النائب العام ص 32 أن أركان جريمة تسهيل الاستيلاء والتربح للغير والإخلال العمدى ببنود عقد التوريد والإضرار العمدى بالمال العام قد توافرت فى حق الشركة الأمر الذى كان يمكن معه إحالة ممثلها القانونى إلى المحاكمة الجنائية عن تلك الجرائم التى اكتملت أركانها فى حقه وأخرين إلا أنه بالنظر إلى قيامه بسداد المبلغ.
وانتهت المحكمة، إلى أنه لا يوهن فى سلامة هذا النظر، ما ذكرته الشركة الطاعنة من أن ممثلها القانوني تنازل عن المبلغ المشار إليه تحت ضغط الإكراه النفسى وحفاظًا على وضعه الاجتماعى، فذلك مردود بأن الإجراءات التي تباشرها النيابة العامة في سبيل تحقيق الدعوى الجنائية لا تعتبر بأي حال من الأحوال من وسائل الإكراه، وإلا غلت يد سلطات التحقيق عن مباشرة الاختصاص الذى ناطه بها الدستور والقانون، وكان يمكنها الطعن فى ذلك أمام القضاء الجنائى المختص أصلًا بنظر ذلك الادعاء الجنائى، وكان يمكنها كذلك سلوك طريق القضاء الجنائى فى أمر النائب العام والطعن على الأسباب التى بنى عليها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية المتضمنة تلك المبالغ على نحو ما سلف والتى لولا دفعها لما اصدر النائب العام قراره القضائى المتقدم الذى يحوز حجية أمام هذه المحكمة بالأسباب التى ارتكن إليها، إلا أنها قعدت عن ذلك الطريق وصمتت عن ولوجه، ولم تقدم ما يفيد المساس بحجية هذا الأمر تغافلًا منها عن حجية الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بكامل أسبابه دون تبعيض، أخذًا فى الاعتبار أن محكمة النقض استقرت على أنه إذا كان قرار الحفظ مبنيًا على أسباب لا علاقة لها بالأدلة القائمة في التهمة، بل كان أساسه الصلح الذي رأى الفريقان المتنازعان حسم النزاع به، وفض المشكلات على مقتضاه بحسب ما ارتآه كل منهما في مصلحته، فهو قرار نهائي، ومن شأن نهائيته هذه أنه يحوز قوة الشيء المحكوم فيه، ويقوم حائلًا دون تحريك الدعوى العمومية في المدة المحفوظة بأية حال. وعلى الرغم من ذلك فقد كان صلح الشركة المطعون ضدها له علاقة بالأدلة القائمة على التهم الموجهة لممثلها القانونى على نحو ما تضمنته مذكرة نيابة الأموال العامة وقرار النائب العام، وقد أجدبت الأوراق عن أن ممثل الشركة المطعون ضدها لم يناضل فى سبيل إبراء ساحته عن تلك التهم ولم يستحصل فيها على حكم قضائي نهائي فى الطعن الماثل على نحو يبقى معه الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وما بنى عليه من أسباب له حجيته أمام هذه المحكمة ولولا تصالحه بدفع تلك المبالغ لما أمكن اعفائه من العقاب طبقًا للمادة 118/4مكرر من قانون العقوبات كما ورد فى قرار نيابة الأموال العامة.
واختتمت المحكمة أنه لا يحاج فى هذا المقام، ما ذكرته الشركة الطاعنة من أن صدور حكم المحكمة الإدارية العليا الدائرة الرابعة فى الطعن رقم 34281 لسنة 54 ق عليا بجلسة 11/4/2009 ببراءة العاملين بالهيئة المطعون ضدها فى المجال التأديبى وهم الذين وردت اسماؤهم بمذكرة نيابة الأموال العامة المشار إليها مع الطاعن فمن المستقر عليه أن هناك اختلافًا بين الجريمة الجنائية عن الجريمة التأديبية حيث يهدف النظام التأديبى إلى حسن اَداء الموظفين لأعمالهم وضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد، أما فى النظام الجنائى فالأمر يتعلق بحماية المجتمع كله وضمان استقراره وأمنه وتعد الجريمة إخلالًا بأمن هذا المجتمع، وأنه لا تلازم بين الجريمتين بصفة مطلقة فتستقل الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية من حيث المسئولية، فان إعفاء الموظف من المسؤولية الجنائية وإلغاء التهمه الجنائية المنسوبة إليه لا يمنع من مساءلته تأديبيًا، والعكس، فالمخالفة التأديبية أساسًا قائمة على ذاتها مستقلة عن التهمة الجنائية، قوامها مخالفة الموظف العام لواجبات وظيفته ومقتضياتها، وهذا الاستقلال قائم حتى ولو كان هناك ارتباط بين الجريمتين، فالموظف قد يسأل تأديبيًا لمخالفته النصوص التشريعية أو العرف الإداري ومقتضيات الوظيفة العامة، في حين أن الجريمة الجنائية لا تتقوم إلا إذ خالف الفاعل نصًا تشريعيًاعقابيًا مؤثمًا، مما يتعين معه طرح قول الشركة الطاعنة فى هذا الصدد.