ناصريون بلا ناصر.. من أجهّض الحركة الناصرية؟

الإثنين، 15 يناير 2018 08:19 م
ناصريون بلا ناصر.. من أجهّض الحركة الناصرية؟
تحليل- محمد أبو ليلة

لحظات مرت على جنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر التي كانت تعبر كوبري قصر النيل بوسط القاهرة في نهار يوم 28 سبتمبر من عام 1970، وتحولت لمظاهرة  في حب عبد الناصر وتنبؤات بتغيرات اجتماعية واقتصادية طارئة على مصر، المصريين الذين شيعوا عبد الناصر وقتها انطلقوا بعفوية يهتفون "يا جمال يا عود الفل من بعدك هنشوف الذل"، و "ابكي ابكي يا عروبة، ع اللي بناكي طوبة طوبة".. وكأنهم ينظرون إلى المستقبل نظرة ثاقبة.
 
كانت الشواهد وقتها تؤكد أن شيئاً ما سيحدث وأن زمن ناصر ولى بلا رجعة، المصريون تنبؤا بتغييرات جذرية في المجتمع ستحدث بعد وفاة عبد الناصر، كانت أولى هذه التغيرات الاجتماعية قرار الانفتاح التي اتخذها السادات في عام 1974 وأثرت على الأوضاع والتوجهات الاقتصادية التي كان يتبعها عبد الناصر. 
 
رغم أن السادات بدأ حكمه مُحاولا إقناع المصريين أنه يسير على خُطى عبد الناصر، لكن هذه الخطى جعلت هناك نكتة مريرة رددها المصريون على مضض طوال فترة حكم السادات وهي أن "السادات كان يسير على خُطى عبد الناصر بأستيكة"، ما يُعني أنه غيّر وجهة المجتمع على النقيض تماماً. 
 
500
 
"السادات انقلب علي كل شيء فعله عبد الناصر بنسبة 180 درجة حتى وصل الأمر إلى أن أصبح الصراع الدائر في مصر الآن بين أسس المشروع الناصري، وبين أُسس انقلاب أنور السادات في طريقة تفكيرهم واتباعهم للخصخصة والانفتاح الاقتصادي والصلح مع إسرائيل عكس ما كان يفعله جمال عبد الناصر".. بهذه الكلمات استهل أمين اسكندر القيادي الناصري البارز وأحد مؤسسي أندية الفكر الناصري في سبعينيات القرن الماضي حديثاً طويلاً مع صوت الأمة.

بداية الحركة الناصرية
بعد وفاة عبد الناصر بشهر تقريباً بدأ الحديث لأول مرة عن الفكر الناصري حينما كتب الدكتور عبد القادر حاتم الذي كان وزيراً في عهد عبد الناصر مقالاً في جريدة الأخبار يوم 2 أكتوبر من عام 1970 صاغ فيه فكرة الناصرية حينما كتب نصا "أصبح في العالم اليوم مذهب سياسي متميز ينتسب إلى عبد الناصر". 
 
لكن أول من أطلق لفظ الناصرية كان الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل، بمقال له في جريدة الأهرام يوم 14 يناير من عام 1972، ومنذ هذه اللحظة بدأ الفكر الناصري يتبلور لدى مُحبي عبد الناصر حتى جاء انفتاح السادات - الذي وصفه الكاتب الصحفي الراحل أحمد بهاء الدين وقتها بأنه سداح مداح- . 
 
وبدأت الحركة الناصرية في الظهور، أولئك الذين عاشوا في زمن ناصر وهم أطفال وشباب رأوا أن زمن السبعينيات يُمحي هويتهم التي أعادها إليهم عبد الناصر، قرارات السادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية جعلت منهم نواه للإعلان عن تيارهم وأفكارهم.
 
"الانقلاب ضد عبد الناصر جعل من الأجيال الجديدة تنتزع فكرة بلورة الفكر الناصري ومحاولة بناء حركة ناصرية وهذه الحركة كانت مرتبطة بالدولة وبـ جمال عبد الناصر وقت السادات اخرجوها من السلطة وجعلوها قوة معارضة في الشارع وهذا هو الإنجاز الحقيقي لجيلنا".. يؤكد ذلك أمين إسكندر القيادي  بالتيار الشعبي لـ صوت الأمة. 
 
بعد الانفتاح في أواخر عام 1974 كان كمال رفعت- وهو سياسي ووزير سابق وأحد الضباط الأحرار- يعمل سفيراً لمصري لدى لندن، لكنه عاد على الفور بعد الانفتاح كي يواجه ما حدث من تغييرات ومحو لأفكار عبد الناصر، وقد شارك في تأسيس المنبر الاشتراكي الناصري، في الوقت الذي كان يعمل فيه على تكتيل قوى اليسار وتوحيدها، وفي عام 1976 أصدر كمال كتيبا بعنوان "ناصريون" ذكر فيه مبادئ الناصرية وأهدافها.
 
وعندما لم تسمح الحكومة بالمنبر الناصري ككيان للتعبير عن الأفكار الناصرية، شارك كمال رفعت في دعم منبر التجمع الوطني الوحدوي وأصبح المتحدث الرسمي.
 
"احنا الجيل اللي خلق فكر مستقل وكان لينا موقف من فكرة المنبر عندما اشتركنا مع كمال رفعت في تقديم حزب المنبر الناصري الاشتراكي، في السبعينات وطلبنا نشترك مع خالد محي الدين في حزب التجمع على أساس أن الحزب يضم أطياف ناصرية لكن خالد رفض بوضوح وجود قيادة ناصرية على رأس الحزب وقال أن السادات، اختارني أنا بالاسم".. يؤكد ذلك أمين إسكندر أحد أقطاب الحركة الناصرية في السبعينيات.
 
جيل الشباب 
قبل اندلاع مظاهرات  17 و18 يناير من عام 1977 – التي عرفت بانتفاضة الخبز- كان هناك جيل جديد من الناصريين سُمي بجيل الشباب-، هم اللذين أسسوا أندية الفكر الناصري ومنابره في الجامعات، حيث كانت الحركة الطلابية نشيطة، أبرز هؤلاء كان القيادي الناصري الشاب وقتها حمدين صباحي.
 
"في انتفاضة يناير عام 1977 برزت أندية الفكر الناصري بوضوح، وأصبح للناصريين صوت كبير والناس كلها شافت ده في مواجهة حمدين صباحي الشهيرة ضد أنور السادات".. يؤكد أمين إسكندر.
 
حاول السادات في ذروة انتفاضة الخبز أن يجتمع بشباب الجامعات الذين حركوا الشارع وقتها للثورة عليه، كان من بين  هؤلاء الشباب حمدين صباحي نائب رئيس اتحاد جامعات مصر وقتها، الذي واجه السادات معترضاً على سياساته التي رفضها الناصريين جملة وتفصيلاً "احنا ضد سياسة الانفتاح الاقتصادي".. قالها حمدين صباحي للسادات وكانت هذه الخطبة أشبه بميثاق لـ جيل الشباب من الناصريين لكن هذه المرة من قلب المعارضة وليست السلطة.
 
بعد انتفاضة يناير من عام 1977  كان لجيل الشباب من الناصريين تجربة في التنظيم السري، " معظم رموز جيلنا تم اعتقالهم بعد انتفاضة يناير، وقتها وجدنا أننا أصبحنا ضُعاف ومهلهلين ومش لاقين فلوس نصرف على الناس اللي في السجن فاهتمينا ببناء تنظيم سري يبني الكادر لأن هذه المرحلة كانت صعبة مينفعش فيها الكلام العام أو الكادر الشعبي الانتخابي، كنا محتاجين كادر قوي فدخلنا هذه التجربة وتبين لنا مسالب التجارب السرية".. يقول ذلك أمين إسكندر.

بداية الانشقاق الناصري
حتى أواخر السبعينات كان غالبية الناصريين من جيل الشباب ويقفون في صف المعارضة للسلطة التي رأوا أنها ليست ناصرية، حتى خرج جيل ناصري أخر من السجن،- جيل السلطة-  كان على رأس هذا الجيل سامي شرف مدير مكتب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وشعراوي جمعة وزير الداخلية الأسبق وعلى صبري رئيس الوزراء الأسبق ومحمد فايق وفريد عبد الكريم، هؤلاء الذين اشتركوا في محاولة الانقلاب على السادات في مايو من عام 1971.
 
 
85
سامي شرف وعبد الناصر
"احنا عملنا جهد كبير جدا في تواصل الأجيال داخل الحركة الناصرية ما بين جيلي وجيل السلطة أمثال سامي شرف وفريد عبد الكريم ومحمد فايق اللي هي تنظيمات الدولة الناصرية".. يضيف أمين إسكندر.
 
حاول وقتها جيل الشباب (حمدين صباحي وأمين إسكندر وأخرين)، التواصل مع جيل السلطة (سامي شرف ومحمد فايق وضياء الدين داوود)، لكنه كانت هناك اختلافات جوهرية في الأفكار فجيل الشباب بلور أفكاره الناصرية وهو في ثوب المعارضة لسياسات السادات، وجيل السلطة عايش التجربة الناصرية أيام عبد الناصر ولم يكن يعي مفاهيم كـ الديمقراطية أو التعددية السياسية.. ومن هنا بدأ الخلاف يتسع أكثر.
 
يقول أمين إسكندر أن "جيل السلطة لم يقبلنا وحاول أن يوظفنا لمصالحه هو لكي يعوض ما فاته بالسيطرة علينا، وبدأ يبقي فيه خلاف واتضح ذلك عندما خرج فريد عبد الكريم في المؤتمر العام للحزب الاشتراكي العربي الناصري تحت التأسيس، وأعلن فصل مجموعتنا من الحزب، وظللنا نناضل من أجل حزب مستقل". 

ناصريون بلا ناصر
في 20 إبريل من عام 1992، وافق القضاء المصري على إعلان الناصرية كحزب سياسي باسم الحزب الديمقراطي الناصري ، برئاسة عضو مجلس الشعب وقتها ضياء الدين داود، كان  تعريف الناصرية واضح في وثائق الحزب وهي "كانت الناصرية في البداية وفى النهاية تجسيدا لآمال الأمة وحلمها وليست هناك من كلمة تعبر بدقة وإيجاز عن هذه الأحلام والآمال مثلما تعبر كلمة الناصرية".
 
"جيل السلطة كلفوا ضياء الدين داوود وقتها بتقديم أوراق لحزب ناصري، عبر شعراوي جمعة وسبقونا للجنة شئون الأحزاب وأخذوا الرخصة، وتكشف لنا فيما بعد أنه حزب غير ديمقراطي وقيادة غير ديمقراطية، عندما وقع الخلاف بينا وطرح اسمي كمسؤل تثقيفي في هذا الحزب، ضياء الدين داوود قاله لهم بالنص أنا أجيب واحد مسيحي يثقف الناصريين ازاي ده؟ ، حتى كان هناك مستوى متدني في التفكير السياسي".. يقول ذلك أمين إسكندر في شهادته على التجربة الناصرية.
 
ومنذ ذلك الخلاف داخل هذا الحزب في أوائل تسعينيات القرن الماضي تأكد لجيل الشباب الذين ارتدوا ثوب المعارضة لن لهم ملامح مختلفة تماماً مع أفكار جيل السلطة وتحديداً في قضية الديمقراطية، والمناخ الديمقراطي، فشرعوا لعمل تجربتهم المعارضة، كل هذا شكل ملامح واضحة لفهم الناصرية حسب رؤية جيل  الشباب بعيداً عن مدرسة السلطة.
 
وقوع الفكر الناصري بين جيلي السلطة والشباب جعل هناك أطيافاً وشيعاً من الناصريين مختلفين فيما بينهم عند كل مرحلة سياسية، هناك ناصريون يؤيدون السلطة الحالية وناصريون ضدها، وهذا نتيجة لاختلافات تحليلات كُل جيل للمرحلة السياسية الحاكمة، فنظرة جيل السلطة دائما مختلفة عن جيل الشباب.
 
رغم أن الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل هو أول من أطلق لفظ "الناصرية"، إلا أنه لم يكن يحبذ استخدامها كمصطلح وكان يبرر ذلك دائماً، أن هناك ناصريون باليقين ولكن ليست هناك ناصرية بالتأكيد فعندما تنسب شيئاً إلي شئ، فأنت تتكلم عن قانون وجمال عبد الناصر عبر عن مخزونات تاريخية للشعب المصري ولكنه لم يضع قانوناً، وهو أيضا صنع تجربة ضخمة جداً وأرسي مبادئ تاريخية هائلة وأجري تحولاً تاريخياً ولكن هذا كله أسلوب في التنفيذ وليس نظرية في الفكر.
 
هيكل-وجمال-عبدالناصر
هيكل-وجمال-عبدالناصر
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق