عوامة "الغندورة".. منيرة المهدية مازالت تبوح للنيل بأسرارها (صور)

عوامات النيل ليست مجرد " فناطيس" حديد تحمل غرف من الأخشاب ولكنها حملت كثير من أسرار الحياة السياسية والفنية في مصر فمنذ اتجه المصريون إلى نهر النيل لبناء العوامات في بداية القرن الماضي كان على صفحة النيل حوالي 500 عوامة بقى منها 33 عوامة يتحدوا الزمن بين كوبري الزمالك وكوبري إمبابة كثير من التساؤلات  انتابتني وانا في طريق لهناك ياتري من يسكنها وماذا تبقي من عوامات الزمن الجميل  كيف أصبحت بعد أن تركها أصحابها القدامي

 

 

فكل عوامة تختلف عن الأخرى.. ولكل عوامة شخصيتها ولونها وشبابها أو كهولتها.. ووجوه آدمية تتراءى في نوافذها.. هكذا وصف نجيب محفوظ  العوامات التي كانت تمتد من كوبري الجلاء وحتي الزمالك وبسبب حب زكريا محي الدين لرياضة التجديف والتي كانت تحتاج لمساحة معينة من المسطح المائي للنيل الذي كان ضيق بسبب العوامات قرر زكريا محي الدين بنقل 500 عوامة إلي نيل أمبابه  عام 1966مما جعل كثير من أصحاب العوامات من بشوات زمان وفنانين الزمن الجميل لترك عواماتهم للغرق  وتم نقل 55 عوامة بقي منها 33 عوامة فقط صمدت في وجه التغيرات التي طرأت على مصر من ملوك ورؤساء وثورات  فما بين  العوامة رقم ( 77 – 25) اختصر تاريخ مصر القديم والحديث

عوامة السلطانة تبكي الهجران

 في عوامة منير المهدية  بكي التاريخ حتي تكسرت أبوابها ونعي الممشي المؤدي إلى العوامة أقدام من مشوا عليه حتي تشقق وسيصبح الإهمال وعدم الاهتمام بتراثنا شاخصا أمامك حينما تشاهد عوامة رقم " 66"  والتي كان يعقد في حضرة صاحبتها مجلس وزراء مصر وتغني فيها أغذب الاغاني بصوت سلطانه الطرب الغندورة منيرة المهدية أسمر ملك روحي ياحبيبي تعالي بالعجل وارخي الستارة اللي في ريحنا أشكي لمين ذل الهوي وبعد العشاء يحلي الهزار يحلي الهزار والفرفشة  تحولت إلى حطام يتنازع عليها 14 وريث من ورثة السلطانه فتركوها بدون صيانه او تجديد ومؤسي العوامة قام احد الاشخاص بإستجار المرسي وأقام مشتل للزهور وأشجار الزينة.

ويقول مستأجر مرسي عوامة السلطانه" لصوت الامة " أن بعض الورثة يأتي للعوامة من وقت للاخر للجلوس بها بعض الوقت وأنهم قاموا بعرضها للبيع بحوالي مليون جنيها  وبسبب حالتها المتهالكة لم يقدم أحد علي شراءها ......وقتها قولت اه يازمن تلك العوامة التي كانت ملكة مصر تريد شراءها اليوم لم تجد من يشتريها 

 فكانت منيرة المهدية صاحبة أشهر عوامة علي شط النيل  التي اشترتها بستة آلاف جنيه‏,‏ وكانت تتألف من 13 حجرة وصالون كبير مطلي بماء الذهب وبروايز تحمل صورة لمنيرة المهدية وعبد الوهاب أثناء تمثيل رواية كيلوباترا ومسرحياتها الغنائية " كارمن " و" وتوسكا " مع صالح عبد الحي وقتما كانت الست منيرة تتربع علي عرش الغناء المصري والعربي

مجلس وزراء مصر يعقد في عوامة السلطانه

 ففي عوامة منيرة المهدية عقد حسين رشدي باشا رئيس الوزراء الذي كان يعقد اجتماع مجلس الوزراء في صالون العوامة‏,‏ ويقول لها لما أكون عندك بيروق بالي وألقي حلولا جذرية لمشاكل الوطن‏,‏ وأنا لازم أجيب بكرة مكتبي هنا‏,، فترد ضاحكة‏:‏ طيب يا باشا ما تعملني معاك وزيرة‏..‏ ولم يكن يمر يوم دون أن تقيم وليمة غداء أو عشاء‏ ولقد تعرض كل من الوزير أحمد خشبة باشا وحسين رشدي باشا‏,‏ لغضب الملك فؤاد لعلمه بأن كلا منهما قد قبل يد منيرة المهدية علنا‏,‏ فأقال الأول‏,‏ وهدد الثاني والذي رد أنه ليس في الدستور مادة تمنع رئيس مجلس الشيوخ من أن يقبل يد مطربة‏‏ وبعدما زاع صيت عوامة منيرة المهدية في بر مصر حاولت الملكة نازلي قرينة الملك فؤاد الاول وأم الملك فاروق بإغوائها بالمال لشراء عوامتها ولكن منيره المهدية رفضت بيع عوامتها الشهيرة    
 

 

أنشأت منيرة المهدية المسرح الخاص بها عام 1905 واسمته نزهه النفوس وكانت كل حفلاتها كاملة العدد وسعر تذكرتها 2 جنية من الذهب وتقول السلطانه في احد اللقاءات التلفزيونية انها حصيلة مسرحها اليومي وصل الي 2000جنيها منالذهب وقامت السلطانه بعدة جولات غنائية فذهبت لتونس  وغنت لباي تونس أغنيته المفضلة أسمر ملك روحي‏,‏ وفي البصرة نزلت ضيفة علي سلطان المحمرة ليملأ حقيبتها كل ليلة ذهبا‏, وفي سوريا طبعت كبري شركات السجائر صورتها على ماركة جديدة اسمها منيرة‏..‏ وكانت بدلة رقصها في فيلم الغندورة  الذي قدمتة عام 1935مرصعة بكاملها بالجنيهات الذهبية الحقيقية تحفظها بعد انتهاء التمثيل كل ليلة في خزانة حديدية بالبنك بعد ذلك بأعوام إنحصرت الأضواء عن منيرة المهدية مع ظهور أم كلثوم ولكنها حاولت الرجوع الي المسرح الغنائي مرة اخري عام  1948برواية بتغريدة البجعة ‏وتصرأم كلثوم علي حضورالحفل يصحبها مصطفي أمين الذي يلمح دموع أم كلثوم عندما يسدل الستار علي منيرة المهدية التي كانت تسعل بشدة قبل أن تنهي وصلتها  الغنائية الأولي‏.

الغندورة تعود للعيش في عوامتها بعدما انسحبت عنها الاضواء


بعدها انسحبت السلطانه من الحياة الفنية وعاشت مع زوجها ابراهيم كامل في فيلاتها بمصر الجديدة حتي توفي ثم انتقلت للعيش في العوامة بصحبة القطط والكلاب ولم يزورها في عوامتها سوي أم كلثوم عام 1954 ومحمد عبد الوهاب 1956 وعندما كانت تعيش بين الاطلال وما تبقي من ذكرياتها أرسل الرئيس جمال عبد الناصر اثنين من رئاسة الجمهورية الي عوامتها  لمنحها وسام الفنون والعلوم وجاء في نص خطاب " من جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية المتحدة  تقديرا لحميد صفاتكم وعظيم ما قدمتيه للفنون والمسرح الغنائي فقد تقرر منحكم وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولي  "  بعدها ذهبت المذيعة أماني ناشد لإجراء مقابلة معها بعوامتها وفي الحوار شكرت الرئيس جمال عبد الناصروقامت بالدعاء له ولكل الضباط الأحرار.

ثم انسحبت عنها الاضواء مرة أخري  حتي توفت  عام 1965داخل عوامتها ولم يودع سلطانه الطرب‏ سوي خمسة أشخاص فقط‏..‏ حفيدها من ابنتها الوحيدة نعمات وثلاثة من أصدقائه وأمين صندوق معاشات الفنانين‏ وغربت شمس منيرة‏ وتركت عوامتها علي سطح النيل تبكي الهجران وتفيض بذكريات الزمن الجميل.