وقف عقلك عند حده
الإثنين، 15 يناير 2018 12:44 م
إن العقل نعمة من الله تعالى على الإنسان ، فضله به على غيره من المخلوقات ، والله تعالى الذي خلقه هو الذي تكفل بإرسال ما يتناسب مع الحفاظ على هذا العقل من التلف والخراب ، لكن بعض الناس ممن أساء فهم حقيقة العقل وحدوده والهدف من وجوده قد أطلقوا له العنان ليخوض فيما لا يستطيع الخوض فيه وما لا يتناسب مع قدراته ، لنرى منهم العجب العجاب.
إن العقل عبارة عن غريزة خلقها الله عز وجل وجعلها في قلب الإنسان ، والدليل قول الله تعالى:( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ، وأما يظنه الناس من أن المخ هو العقل وكما يقولون ( عقلك في رأسك) فإنه ليس صحيحا ، فالمخ عبارة عن ذاكرة مستديمة يتم تخزين فيها كل ما يتم التعرف والإستدلال عليه من خلال العقل الذي في القلب الذي يمثل الذاكرة المؤقتة بمساعدة الحواس الخمسة المطلقة للإنسان وهي ( السمع والبصر والشم واللمس والتذوق)، وحتى نفهم هذا جيدا يمكن أن نشبه الإنسان بالكمبيوتر حيث له مدخلات (وهي مثل الحواس الخمس للإنسان) وله ذاكرتين الأولى مؤقتة وهي الرامات (العقل في الإنسان) التي يتم اعداد العمليات فيها ومن ثم يتم إيداع كل النتائج التي تم التوصل لها للتخزين في الذاكرة الثانية الدائمة المسماه بالهارد ديسك أو الذاكرة المستديمة (المخ في الإنسان )والتي حينما يعترض أحد قطاعاتها للتلف يتم فقد كل المعلومات والبيانات المسجلة عليه، وهذا ما يحدث للإنسان حينما يصاب بضعف الذاكرة نتيجة التقدم في السن أو ضعف الذاكرة وخاصة ما يسمى بمرض (الزهايمر) فإن كل الخلايا التي تتعرض للتلف تذهب ويتم مسح كل البيانات المسجلة عليها ويصبح من الصعب استعادتها مع أن العقل مازال موجودا يقوم بعمله ويتعرف على كل جديد ، لكنه للأسف يصبح كل قديم في حياته جديدا في كل مره يقابله ولا يستطيع الاحتفاظ به، فلو رأى ابنه مثلا لا يتعرف عليه ويبدأ في التعرف عليه كأنه في أول لقاء معه وبمجرد انصرافه ينساه مباشرة وهذا مشاهد وملموس ولا يحتاج إلى استدلال.
وهذا العقل محدود وقاصر لأنه يعتمد على مصادر ومدخلات محدودة تتمثل في الحواس الخمسه السابق ذكرها، وقد أثبت العلم محدودية هذه الحواس، فمثلا أثبتوا أنه لا يمكن للبصر السليم رؤية شمعة مضيئة على أكثر من مسافة 30 ميل ، ولا يمكن أن يحس الإنسان بأقل من سقوط جناح ذبابة على صدغه من مسافة 30 سم ، ولا يمكن أن يتذوق أقل من ملعقة سكر مذاب في جالونين من الماء ، وهكذا يتبين لنا محدودية العقل ، وبناء على ما سبق فإن حدود العقل تتوقف على ما وقع تحت مداركه من معلومات ولا يمكن أن يتخطاها ولا ينبغي له أن يخوض فيها بالإثبات والنفي وغير ذلك.
ومن هنا نستطيع أن نقيم الحجة على من يخوضون في مسألة الغيبيات كعذاب القبر وحياة البرزخ ويوم القيامة وصفات الله سبحانه وتعالى وفي كل الأمور الدينية التي ورد فيها نص صحيح يقطع بحرمتها أو حلها وغير ذلك ، على أنهم أخطئوا فيما أتوا به مستندين على العقل فقط ، حيث لاينبغي أن يحكموا هذا العقل القاصر على مثل هذه الأمور التي تفوق قدراته ، ولا ينبغي أن يتكلم فيها إلا بما ورد في صحيح القرآن والسنة ، فيثبت ما تم إثباته وينفي ما تم نفيه دون إعمال لعقله في مثل هذه الأمور التي هي خارج حدود مداركه وقدراته ، لأن عدم رؤية الإنسان مثلا لعذاب القبر أو الجنة أو النار، لا يعني عدم وجودهم ، فنحن مثلا لا نرى الجن والشياطين مع تمام العلم واليقين بوجودهم ، حيث قال الله تعالى:(إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ).
وهنا نخلص إلى نتيجة حتمية وهي أننا في أمور الدين والآخرة والغيبيات لا ينبغي أن نخوض فيها إلا بنص صحيح من القرآن والسنة ، وأما ما يتعلق بأمور الدنيا وما هو تحت مدارك الإنسان فإن للإنسان حرية البحث والتنقيب والإبداع فيها كلما أحدث تطورا علميا جديدا ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أنتم أعلم بأمر دنياكم".