قضاة الوطنية
الإثنين، 08 يناير 2018 09:52 م
أثار الموقف البطولي للمواطن صلاح الموجي، عندما انقض على الإرهابي الذي انتهك حرمة النفس البشرية وحرمة بيوت العبادة، وحرمة الأعياد، موجة من مخزوننا العفن وموروثنا العطب، ورماه البعض بأنه ذو سوابق وأن سجله متشح بالسواد.
أقام هؤلاء من أنفسهم قضاة للوطنية وللوطنيين، وأشهروا بيدهم صكوك الولاء والوطنية، يغدقون بها على من يرونه يستحق، ويحجبوها عمن يرونه لا يستحق.. المشاهد للفيديو يلحظ أن المواطن صلاح الموجي، هو من سيطر على الإرهابي بعدما أصابته رصاصة رجل شرطة، وبعدها تداعى مئات المواطنين على الرجل والإرهاب.
هذا المنطق يخلع عن كل من ارتكب مخالفة أو جرمًا، الوطنية، ويضفيها على من لم يرتكب ذلك، أو بالأحرى من لم يُكتشف أمره، ويُفضح سرَّه، ووفقًا لهذا المنطق أيضًا فإن مئات المتفرجين- ولا نلومهم- على الإرهابي هم أسوياء، شرفاء، أما من خاطر بحياته في سبيل وطنه، وبفرض أن له سوابق، غير سوي وغير وطني!!
قارئي الكريم، أصدقك القول بأنني لم أشغل ذهني بالبحث في صحيفة الرجل، ولا يهمني ماضيه، ولا صحيفة سوابقه، ولكن ما يهمني هو أصالة معدنه، وشهامة رجولته، وتجسيد وطنيته.
إن من تبعات الانسياق خلف هذا الفكر المشوه جد خطيرة، إذ ننزع الوطنية عن من أخطأ، ونغلق باب التوبة في وجه من أراد، ويدعوهم إلى التمادي في إجرامهم والتقاعس عن إصلاح أنفسهم، ثم إن الأهم من هذا وذاك، ألا تحجب قضبان السجن أبرياء ؟! ألا يحيك بعضنا المكائد وينصب الفخاخ للبعض الآخر للزج به في غياهب السجن!!
أليس التفتيش في عقائد الناس وضمائرهم لإثم عظيم ؟! أليس في ذلك عنصرية مقيتة وتنصيب من أنفسنا قضاة للوطنية، وإني لأوجه سؤالًا لهؤلاء، هب أن مجرمًا همّ لخطف ابنكم أو سرقة بيتكم، ولم يوقفه ويردعه غير شخص له سوابق، ماذا أنتم بفاعلون ؟! ثم قبل أن تسدوا له الشكر، أتطلبون منه صحيفة سوابقه ؟! وأخيرًا ماذا عنكم وعن سوابقكم وعن ستر رب العالمين لكم؟!
إن الوطنية هي علاقة أمومة، بين الطفل المواطن والأمّ الوطن، قد يخطئ الطفل، ويعبث بشئ ويلهو أثناء لعبه، لكنه يظل ابنًا لأمه، وقد تحقّ الأم العقاب على ابنها، وتقسو عليه، لإصلاحه وتربيته وتقويمه، لكنها تظل أمًّا، رفعت الأقلام وجفت الصحف... فلنستقم يرحمنا الله!!