عيد الميلاد المجيد
الأربعاء، 03 يناير 2018 09:05 م
يقول الكتاب المقدس عن حياة السيد المسيح على الأرض إنه "كان يجول يصنع خيرًا"، وكان "قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ، حتى يُخرج الحق إلى النصرة".. ويستطيع الإنسان المعاصر في رأيي أن يعيش المعنى الحقيقي لميلاد السيد المسيح، ويحتفل به، حين يهتم بصدق ودون غش بأن يحب الآخرين وكل من هم حوله، يهتم بهم ويصنع الخير معهم، يشجعهم ويتعب من أجلهم، لأن المحبة الحقيقية تحتمل كل شيء وهي لا تسقط أبدًا يعيش الميلاد في صورته المعاصرة بأن يكون مواطنًا صالحًا وإنسانًا نافعًا يعمل من أجل الخير العام وصالح المجتمع، يقدم محبة حقيقية للجميع دون تفرقة أو تمييز.
في عيد الميلاد المجيد دائمًا ما أتذكر ترنيمة (ليلة الميلاد)، يشدو بها الصغار والكبار، وهي من تأليف الشاعر المبدع جبران خليل جبران (1883-1931م)، تقول كلماتها::
"ليلة الميلاد يمحى البغض،
ليلة الميلاد تزهر الأرض،
ليلة الميلاد تدفن الحرب،
ليلة الميلاد ينبت الحب
عندما نسقي عطشان كأس ماء نكون في الميلاد
عندما نكسي عريان ثوب حب نكون في الميلاد
عندما نكفكف الدموع في العيون نكون في الميلاد
عندما نفرش القلوب بالرجاء نكون في الميلاد
عندما أقبل رفيقي دون غش أكون في الميلاد،
عندما تموت فيَّ روح الانتقام أكون في الميلاد،
عندما يرمد في قلبي الجفاء أكون في الميلاد،
عندما تذوب نفسي في كيان الله أكون في الميلاد"
هكذا تعلمنا تلك القصيدة البديعة أن الإنسان حين يصنع خيرًا مع الآخرين ويخدمهم فإنه بذلك يعيش المعنى الحقيقي للميلاد ويتلامس معه عن قرب
أعزائي القراء..
ليكن عيد الميلاد المجيد فرصة طيبة أمام كل واحد فينا من أجل أن يهتم بصنع الخير، لا من أجل أنفسنا وصالح أسرنا وعائلاتنا فحسب، حيث المجال الخاص الضيق الذي ننتمي إليه، ولكن أيضًا من أجل المجتمع حيث وطننا الحبيب مصر الذي نعيش على أرضه وننتمي إليه، ذلك الوطن الكبير الذي يعيش فينا ونعيش فيه، شعارًا وشعورًا، مُمثلًا لنا المجال العام الذي يضمنا جميعًا، بل ليتنا نعمل ونصلي من أجل سلام العالم من حولنا، لأننا جميعًا إخوة في المجتمع البشرى/ الإنساني، فإننا جميعًا من صنع الله، ونحن جميعًا خليقته، كما أنني والأخر شركاء في المجتمع وأعضاء فيه، وما يصيب الجزء.. خيرًا كان أم شرًا.. يصيب الكل أيضًا.
لتكن تلك المناسبة المباركة رسالة إنسانية لنشر ثقافة المحبة والسلام رغم الاختلاف، رسالة ضد التعصب والعنف والعنصرية ومظاهر الإرهاب، رسالة ضد الحقد والكراهية، رسالة تقدير للآخر واحترامه، ورسالة إيمان بالتعددية والتنوع.
مع أجراس العام الجديد وعيد الميلاد المجيد، الذي نحتفل بهما معًا، مسلمون ومسيحيون، دعوة لأن نهتم بعمل الخير في المجالين الخاص والعام.. نصنع الخير ونهتم بأعمال الرحمة بكل حب وصفاء نفس ونقاء قلب لكل الناس دون تفرقة أو تمييز بسبب لون أو جنس أو دين أو مذهب أو عقيدة.. نصنع الخير مع الإنسان.. كل إنسان.. وأي إنسان.. قريبًا كان أم غريبًا.