قلة الموارد والإهمال والفساد.. 3 كوارث تضع المدن المصرية في مهب الريح (صور)
الخميس، 04 يناير 2018 02:00 ص
تعاني المدن المصرية، بمختلف المحافظات، من حالة ترد، وانهيار للبنية التحتية، منذ عهد بعيد؛ وهو ما كان له أثر بالغ على الحياة بهذه المدن، فلم يكن الشلل الذي أصاب مدينة الإسكندرية، ومحافظة البحيرة، خلال موجة الأمطار الماضية، مجرد حادث عابر، أو مصادفة بحتة، أو حتى نتيجة نجمت عن تقاعس المسؤولين!!
ولعله من الواضح أنه ما لم تهتم الدولة بإصلاح ما أفسدته الكوارث الثلاث المذكورة، ووضعت في اعتبارها استعادة رونق وجمال مدن مصر المحروسة، فلن يكون هناك أدنى أمل في الحفاظ على الكنوز التي تضمها هذه المدن، لاسيما وأن جهود الحفاظ على الآثار، تستدعي بالضرورة مشاركة شعبية قوية، ومخلصة، وهو ما لن يكون له وجود، طالما شعر الشعب بقلة اهتمام الدولة بحياته، وانتشر الإهمال وتوغل حوله.
"صوت الأمة" وهي تطوف في هذا الملف محافظات مصر، ترصد وتحلل، وتكشف الأسرار، تعلم أن حلقة واحدة لن تكون كافية، لذا قررنا أن نتابع النشر في هذا الموضوع، على حلقات متتالية، بحيث يمكننا أن نطرح الأسئلة الصعبة، حول كيفية الحفاظ على الهوية التاريخية لمدن أصبحت في مهب الريح، وننتظر الإجابة من المسؤولين!!
"بلبيس" العاصمة السابعة.. تحتضر تحت أقدام المحليات
عندما تسير في شوارع مدينة بلبيس، أكبر مدن المحافظة، وأقدم مدن مصر، والتي كانت العاصمة، خلال فترة حكم نبي الله يوسف لمصر، لن تجد نفسك إلا أمام مشهد متكرر ينطق بالفوضى، والعشوائية، والقمامة، فالشوارع لم تعد ممهدة، والصرف الصحي متهالك، حتى أن المدينة باتت تسبح على بحيرة من مياه الصرف.
الشوارع الضيقة والمباني المتهالكة، هي سيد المشهد في بلبيس، حيث ولا توجد صيانة ولا توسعة للطرق، وتنقسم المدينة إلى شارعين رئيسيين، هما شارع بورسعيد، وشارع جمال عبد الناصر، ورغم ذلك تشعر للوهلة الأولى أنك في منطقة عشوائية، لا صوت فيها يعلو على أصوات الباعة الجائلين، الذين يفترشون الشوارع، مسببين اعتداءات جسيمة على حرم الشارع، وأمام المحلات.
تمثل القمامة، التي ملأت أركان بلبيس شاهد إثبات على إهمال مسؤولي المدينة، التي تعاني أيضا من انتشار تجار المخدرات بها، حتى أن أهم مساجدها، وهو جامع المقرقع، لا يمكن الوصول إليه ليلا لأن شارع تل أبيب الذي يقع أمامه، يعد وكرا لتجارة المخدرات، وتعاطيها علنا.
ولكي نعرف حجم الكارثة التي تعانيها بلبيس، والخسائر الهائلة التي تدفعها مصر كضريبة، للحالة التي وصلت لها المدينة، لابد أن نتعرف على تاريخها العريق، فعندئذ فقط سنعي حجم الكارثة.
تعد مدينة بلبيس الطريق البرى الدولي القديم، الرابط بين مصر والشمال سواء من جهة قارة آسيا، أو البحر المتوسط، وهي تمثل العمق الإستراتيجي لسيناء منذ فجر التاريخ، كما تمتلك تلك المحافظة الأسطورية ثروة تاريخية هائلة يمكن الجزم بأنها لا مثيل لها على الإطلاق وذلك بالرغم من كل ما تملكه مصر من كنوز أثرية تاريخية عريقة!
وبلبيس هي عاصمة مصر في عهد الهكسوس، "تانيس"، أو (صان الحجر)، وكانت مقرا لحكم عدد من أهم فراعين مصر، لمدة 145عاما، ومنهم رمسيس الأول ورمسيس الثاني، ويطلق عليها العاصمة السابعة، وتمتلك من الطرق التاريخية ما يفوق في قداسته وشهرته أي طريق في العالم، لارتباط مواقعها التاريخية بذكريات دينية لدى أصحاب الديانات السماوية الثلاث لذلك يمكن أن نطلق عليها "المدينة المقدسة"، وهي ذات أهمية دينية وسياحية أيضا، بعد أن سار فيها الأنبياء إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى عليهم السلام، وكانت طريقا للفتوحات فقد عبرها رمسيس والإسكندر وعمرو بن العاص، وهي خامس أقدم مدينة في العالم.
وكانت بلبيس مدخل العرب إلى مصر عند الفتح الإسلامي، وأقام عمرو ابن العاص فيها واتخذ منطقة فيها تسمى "الكتيبة"، وأثناء سيره كان كل من يتوفى من الصحابة والتابعين يتم دفنه وتم دفن الشهداء فى مسجد "سادات قريش"، في بلبيس وهو أقدم مسجد بمصر وأفريقيا فى مصر، وقد أطلق عليه هذا الاسم تكريما لشهداء المسلمين من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في معركتهم ضد الرومان عند فتحهم مصر وبني المسجد عام 1002 هـ.