كشك يكتب : الحالقة
الثلاثاء، 02 يناير 2018 02:15 م
مرض خطير وداء عضال وعادة سيئة شرها مستطير ، نعاني ونقاسي منه ليل نهار في مجتمعاتنا، ولا يظهر في مجتمع إلا وساده جو من العداوة والبغضاء فيما بين أفراده بل وقد يدمره تدميرا ، ولا يتمكن هذا المرض من الإنسان إلا ويحوله لأداة قتل وتدمير لكل من حوله، إنه داء الأمم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِىَ الْحَالِقَةُ ،لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ" وهو الحسد كما يعرفه الناس وهو كما عرفه العلماء "تمني زوال نعمة الله من الآخرين" .
إن تاريخ الحسد قديم قدم الأرض ، فأول الحاسدين وأشدهم على الإطلاق هو إبليس لعنه الله فالحسد صفة أصيلة وخصلة ذميمة فيه،وكانت البداية حينما حسد آدم عليه السلام على ما فضله الله تعالى عليه وأمر جميع الملائكة بالسجود له ومنهم إبليس فعصي الله تبارك وتعالى ليخرج من رحمته ويقع تحت لعنته إلى يوم الدين،وظل يكيد لآدم وزوجته إلى أن أخرجهم من الجنه إلى الأرض، وأول معصية وقعت على الأرض كانت جريمة قتل ابن آدم لأخيه، وما فله إخوة يوسف عليه السلام به وبأخيه وعداوتهم لهما إلا بسبب الحسد ،ولعل أكثر الناس اصابة بهذا المرض هم اليهود لعنهم الله كما قال الله تعالى في كتابه:"ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا *حسدا* من عند أنفسهم " ، ولا يمكن للحسد أن يجتمع مع الإيمان في قلب امرئ ملأ قلبه بالإيمان والرضا بقضاء الله وقدره وما قسمه الله له في الدنيا ، وإنما يتلازم مع سخط الإنسان على أقدار الله تعالى ليجد الحسد طريقا سهلا وواسعا للدخول إلى قلبه ليبدأ في الحقد وتمني زوال النعم ممن حوله.
وللحسد أضرار جسيمة لا تتوقف عند المحسود فقط ولكن ينال الحاسد منها القدر الأكبر ويذوق من ويلاتها في الدنيا والآخرة ،فهو يقع في كبيرة من كبائر الذنوب ويأكل الحسد من حسناته كما تأكل النار الحطب،ويسود على قلبه حالة من الهم والغم ، ولا ينال مكانة في مجتمعه ولا بين أهله بل يبقى غريبا مذموماً منبوذاً ذليلاً بينهم ،وحتى في خلوته لا يجد الراحة بل يعاني من الألم والجزع ، ولذلك قالوا: )لله در الحسد ما أعدله*بدأ بصاحبه فقتله).
وأما المحسود فيبين لنا مدى المعاناة التي يتعرض لها حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: "العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر" ،وقد يصاب المحسود بأمراض نفسية كأن يفقد الرّغبة في الذهاب إلى العمل أو المدرسة أو الجامعة، وقد يتعرض لمشكلات في ذكائه وحفظه، وقد تجد المحسود يميل للانطواء والانعزال والاكتئاب، وخفقان كبير في قلبه وقد يصاحبه التنفس بصعوبة ورغبة شديدة في البكاء ويكثر عنده التثاؤب وخاصة عند قراءة القرآن مع دموع في عينيه ويجد عنده نفور من القراءة ، وقد يبتعد عن المشاركة الحياتية مع أهله وأصدقائه،وقد يصاب بالحسد في بدنه فتراه مصابا بالخمول والكسل والهزال ، وقد يتساقط شعره بكثرة ، وقد يقل نومه ولا يجد راحة أثناء النوم ويرى أحلاما مزعجة ، وقد يعاني من قلة الشهيّة ، وبعض الأوجاع في سائر جسده وخاصة الساقين وأسفل الظهر والكتفين دون وجود سبب طبي مباشر لذلك، وأما لو كان محسودا في ماله فيحدث له ارتباك وضيق شديد في معاملاته المادية كتلف البضائع أوحالة من الركود والكساد في تجارته ، وقد يصيبه الحسد في زوجته أو أبنائه فتراهم يداهمهم الأمراض بإستمرار أو تكثر المشكلات الزوجية وغير ذلك من علامات الحسد المعروفة.
لذلك جاء الإسلام بالنهي عن الحسد وتطهير القلب منه، حفاظا على المجتمع وأفراده من هذه الآثار المدمرة للحسد والحاسدين، ولذلك ينبغي *للحاسد* إن وجد من نفسه ذلك أن يبادر بالتوبة والرجوع إلى الله عزوجل ويستشعر الخوف منه وأن يرضى ويقنع بما قسمه الله له في الدنيا دون إساءة أدب مع الله تعالى بالنظر لما في يد غيره من نعم الله عز وجل قال تعالى:"أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" ، وكما قال الشاعر:(يا حاسدا لي على نعمـة أتدري على من أسأت الأدب *أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض لي ما وهـب).
وأما المحسود فينبغي عليه إن وجد في نفسه آثار الحسد أن يسارع بالتوبة والرجوع إلى لله تعالى وقراءة القرآن والتزام أذكار الصباح والمساء والرقية الشرعية الصحيحة بآيات الكرسي والمعوذتين والأدعية الوارده في صحيح السنة، ويفضل أن يرقي الأب والأم ابناؤهم بأنفسهم أو الزوج لزوجته والعكس لما في ذلك من تمام إرادة الخير تحصيله، ومع تمام إستقرار اليقين في القلب بأن الله عز وجل هو الشافي ولا أحد بيده الشفاء غيره، نسأل الله عز وجل لنا ولكم العفو والعافية والستر في الدنيا والآخرة.