"النظام العالمي الجديد" إلى "الربيع العربي" 20 عاما من المؤامرة الأمريكية (1)
الإثنين، 01 يناير 2018 09:13 ص
تمهيد
لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية في سنوات ما قبل سقوط الاتحاد السوفييتي في 1991؛ بقادرة على لعب دور حقيقي ومؤثر في منطقة الشرق الأوسط، رغم تدخلها بشكل غير مباشر، من خلال إسرائيل وتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أن موقف النظام العربي، القائم وقتها، كان لا زال يحمل بذرة العداء لأمريكا، فلم تكن سنوات مقاطعة الدول العربية لمصر بعد توقيعها معاهدة السلام مع إسرئيل ببعيدة عن ذاكرة الحكام العرب وقتها.
وحتى مع اتجاه أغلب الدول العربية في النهاية لإقامة سلام دائم وشامل مع إسرائيل، إلا أن النظام العربي وقتها، كان لا زال يمثله الجيل الذي حارب إسرائيل ومن ورائها أمريكا، بدءا من حرب الجيوش العربية في 1948 ثم حرب 1956 والهزيمة في 1967 وأخيرا حرب التحرير في أكتوبر 1973، وهي الحروب التي لم تكن مسؤولية دولة عربية واحدة، سواء كانت مصر أو سوريا، لكنها كانت حرب الدول العربية مجتمعة، فلم تكن مصر وسوريا وحدهما بقادرتين على مواجهة إسرائيل دون الاستعانة بطيران الجيوش العربية وسلاح البترول الخليجي، والدعم اللوجستي بكافة أشكاله من العرب.
ولا أدلّ على هذا من رد الملك فيصل على سؤال لأحد الصحفيين عن احتمال اعتداء الولايات المتحدة على بلاده جراء ما قدمته من دعم لمصر وسوريا، فقال "إن ما نقدمه هو أقل القليل مما تقدمه مصر وسوريا من تقديم أرواح جنودهما في معارك الأمة المصيرية وإننا قد تعودنا على عيش الخيام ونحن على استعداد الرجوع إليها مرة أخرى وحرق آبار البترول بأيدينا ولا تصل إلى أيد أعدائنا"، ومن ثم فقد كان النظام العربي يتعامل مع أمريكا باعتبارها ندا وخصما له أو حتى شريكا، لكنه ليس بأي حال من الأحوال تابعا لها، كما تسعى هي دائما، الأمر الآخر هنا أن هذا النظام العربي كان قريبا من الاتحاد السوفييتي الذي شاركه هزائمه وانتصاراته، ومن هنا لم تكن واشنطن بقادرة على لعب هذا الدور الذي طال اشتياقها له في المنطقة، التي لم تكن أرضها قد جفت بعد من دماء الحروب التي صنعتها أمريكا، من خلال طفلها المدلل إسرائيل؟
غير أن شتاء ديسمبر 1991 مهد الأمر كثيرا أمام الولايات المتحدة لتبدأ في تنفيذ مخططها بشكل معلن للمرة الأولى، وذلك بعد انتهاء زمن الاتحاد السوفييتي وتحوله لعدد من الجمهوريات المكافحة لصنع مكان لها وسط العالم، وبالتالي لم يكن "الكرملين" وقتها بكفؤ لـ"البيت الأبيض"، وهنا بدأت الولايات المتحدة في الإعلان عن أول شعارات ومراحل المؤامرة الأمريكية على الشرق الأول أو المنطقة العربية، وهو الأمر الذي لم يكن سهلا على واشنطن في ظل ما سبق الإشارة إليه من وجود نظام عربي قوي وطني، لا يؤمن بتبعيته لأمريكا وإن كان يقيم معها علاقات، واستلزم الأمر 20 عاما كاملة في صراع ما بين الطرفين، حاولت خلاله الإدارة الأمريكية بكل الطرق وتحت العديد من الشعارات تغيير هوية هذا النظام العربي، إلا أنها لم تفلح في ذلك، فاتجهت أخيرا لإقالته تحت شعارات عدة بدأت بالنظام العالمي الجديد وحق الشعوب في تقرير المصير والحرب الصليبية، والفوضى الخلاقة، والشرق الأوسط الجديد، وأخيرا الربيع العربي، في رحلة البحث عن حكام تابعين مخلصين للسياسة الأمريكية، وليس خصما وندا وشريكا، كما كان النظام العربي قبل 2011.
وهنا وقبل التعرض لمراحل وشعارات المؤامرة الأمريكية طوال 20 عاما، تجدر الإشارة إلى أن هذه المؤامرة كادت أن تنجح بالفعل، بل إنها لا تزال قائمة حتى هذه اللحظة، لولا وجود حصون قوية في الجسد العربي، ستطرق لها الدراسة بتوسع، فتحديدا وبعد زلزال الربيع العربي، وسقوط مصر -الشقيقة الكبرى للعرب- في يد الإخوان، إلا أن النظام الخليجي مثل حائط الصد هذه المرة أمام المؤامرة الأمريكية.
فكما وقف عبد الناصر والسادات أمام إسرائيل في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وقف جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، الذي يحسب له قيادة الجبهة الداخلية وإدارتها أمنيا وسياسيا في ظل مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية، في هذه الحرب التي كانت تستهدف البحرين لضرب النظام الخليجي –الذي لم يكن قد تأثر بعاصفة التغيير- وتسليمه لإيران، وكان معهما خالد الذكر الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذين تصدوا لمحاولات هدم آخر الحصون العربية في هذا التوقيت، وقت أن كانت كل دولة عربية منكفئة على نفسها تداوي جراحها، ومنشغلة عن بدء تحقيق وإتمام المؤامرة التي بدأت من تونس وانتقلت لمصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين، لكن الأخيرة كان لها رأي آخر في إيقاف هذا المخطط، الذي بدأ قبل 20 عاما، ولا زالت فصوله تتكرر وتتوالى، في تفاصيل معقدة لن تغفلها الدراسة بالتفصيل في الحلقات المقبلة.
الحلقة القادمة: النظام العالمي الجديد
رحاب الهواري