(ليالى إيزيس كوبيا) يزيح الستار عن الفصل الأخير من حياة مى زيادة

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017 01:54 م
(ليالى إيزيس كوبيا) يزيح الستار عن الفصل الأخير من حياة مى زيادة
ليالى إيزيس كوبيا

قضى الكاتب الجزائرى واسينى الأعرج أكثر من ثلاثة أعوام فى التنقيب عن المرحلة الأخيرة من حياة الأديبة اللبنانية مى زيادة إلى أن ضمّن هذا الجزء المرير فى روايته الأحدث (ليالى إيزيس كوبيا.. ثلاثة مئة ليلة وليلة فى جحيم العصفورية).

 

وتنطلق الرواية من البحث عن مخطوطات مفقودة كانت زيادة (1886-1941) قد دونتها أثناء وجودها فى مصح عقلى شهير يقع فى قلب مدينة بيروت وكان يسمى "العصفورية".

 

والعصفورية هو أول مصح للأمراض العقلية فى لبنان، وجرى تشييده على أيدى أفراد من الإرساليات الأمريكية فى نهاية عام 1890 بإذن من السلطنة العثمانية. وكان فى مطلع القرن الماضى أكبر مستشفى للأمراض العقلية فى الشرق الأوسط. فى عام 1972 توقف استعمال المصح ولكن ظلت كلمة "العصفورية" فى ذاكرة اللبنانيين.

 

ويشير الأعرج فى كتابه إلى أن أجيالا متعاقبة ركضت وراء تلك المخطوطات فى كل اتجاه لأكثر من 70 سنة لكن دون جدوى ويتساءل عما إذا كانت ضاعت حقا أم أن القدر شاء غير ذلك فرماها فى بقعة مظلمة ليجعل العثور عليها مستحيلا.

 

وبعد رحلة مضنية رافقته فيها الباحثة الكندية-اللبنانية روز خليل يتمكن الراوى من العثور على هذه المخطوطات لدى امرأة عجوز فى مصر وطابق بعضها مع أوراق معدودات كان الكاتب قد وصل إليها عن طريق مقربين من الأديبة الراحلة فى بلدتها الجبلية الفريكة وتحمل عنوان "ليالى العصفورية".

 

وبعبارة "أخيرا دونتك يا وجعى وهمّ قلبي" التى كتبتها مى زيادة على ظهر المخطوطة يدخل الروائى واسينى الأعرج إلى الأيام السود التى عاشتها زيادة حيث كانت تحتضر على مهل فى المصح العقلى كما ينقل عنها ضمن مخطوطاتها المستعادة.

 

وتأتى الرواية على صورة واقع يصف اللحظات الأولى التى اقتيدت فيها الأديبة اللبنانية من مصر إلى بيروت عبر أحد أقاربها وتم سحبها بعنف إلى المصح العقلى فيما كانت تصر على أنها بكامل قواها العقلية وأنها "زجت ظلما فى مستشفى المجانين العصفورية بهدف الاستيلاء على ميراثها العقارى والمالي".

 

ويصف الأعرج تلك اللحظات عبر المخطوطات التى تقول فيها مى "كنت داخل فراغ شبيه بدوار الموت، هل التى كانت بين أيديهم الحديدية هى مى الكاتبة المعشوقة من عشرات الرجال، المرأة الأنيقة التى تختار كلماتها وجملها وألبستها ومكياجها، أم كائن آخر من كوكب غير معلوم؟ حقيقة شعرت أنهم ذئاب كانت تفترسنى أمام الجميع ولا من يحرك يده".

 

ويوغل الكاتب فى السرد وفى نشر رواية تمتزج بالواقع عن المرأة المعذبة ممن تبقى لها عائليا ويقول نقلا عنها "مات الذين كانوا هنا وملأوا الحياة علي، غادروا دفعة واحدة لدرجة أنى أشعر أحيانا أنهم تخلوا عنى بقصدية مسبقة أو أن الرب يعاقبني...مات أخى صغيرا ثم أمى وأبى وتبعه الرجل الحالم والعاشق دوما الذى عوض أخى الميت، جبران (خليل جبران) .. سحرنى بلغته وسحره المدوخيّن، كان يريدنى قريبة منه بينما هو فى جزء منى لكنى رفضت أن أكون مجرد رقم فى حديقة نسائه.. لو قادنى القدر نحو ذراعى جبران كنت طحنته بغيرتى وافترقنا بسرعة بشكل بائس وحزين وحقد لا يُمحى. نعم أنا سيدة الأقدار الحارقة، ورجل نشأ فى الحرية ومات فيها لا يمكنه أن يدرك حرائقى مهما تواضع معي، كان سندى وصديقى وأخى الذى لم تلده أمى وحبيبى الأخر وموته دمرني".

 

وبأسلوب سردى مشوق يعرض واسنى الأعرج مرحلة الأيام الثلاثمئة لأديبة مصر ولبنان ويحصى عليها أنفاسها الضيقة داخل المصح ويختار اسم "ايزيس كوبيا" الذى كانت تستخدمه كاسم مستعار.

 

يقع كتاب واسينى الأعرج فى 351 صفحة وهو صادر عن دار الآداب فى بيروت، ووقع الأعرج نسخا منه ضمن معرض بيروت الدولى للكتاب فى وقت سابق من ديسمبر كانون الأول الجاري.

 

وقال الأعرج لرويترز على هامش حفل التوقيع إن كتابه يتناول الحياة الشخصية لأديبة استثنائية لف الغموض آخر سنواتها. ويضيف "سوف تستغربون أن كاتبا جزائريا من آخر الدنيا جاء ليكتب عن لبنانية ويبحث عن أماكن عاشت فيها من الناصرة فى فلسطين إلى مصر ولبنان".

 

وقال "كانت لدى الحشرية لأن أذهب إلى الناصرة لأن معظم كتاباتها كانت تذكر فيها أصداء الكنائس والمآذن.. وحقيقة زرت منزلها هناك والمطل على المسجد الأبيض من جهة والكنيسة من جهة أخرى، وزرت السنديانة التى كانت تبقى تحتها".

 

ويستغرب الأعرج عدم الاهتمام اللبنانى بالأديبة الراحلة قائلا "عندهم قيمة ثقافية مثل مى زيادة لا يأتون إليها ولو بشكل رمزى أو أن يصنعوا لها مزارا أو مقاما يليق بها لأن مى زيادة كانت أول أو ثانى امرأة فى الوطن العربى ممن أسسن صالونا ثقافيا ناقشن فيه القضايا الكبرى مع كبار المثقفين من أمثال طه حسين والعقاد وجبران والريحاني".

 

ويعتبر الأعرج المولود فى 1954 أحد أهم الروائيين العرب وأغزرهم إنتاجا لناحية الرواية العربية وقد ترجمت رواياته إلى 15 لغة.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق