قصة زيارتين لليمن.. الثعابين ترقص فى جبال صنعاء

الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017 03:31 م
قصة زيارتين لليمن.. الثعابين ترقص فى جبال صنعاء
عادل السنهورى يكتب:

زرت اليمن مرتين فى سنوات التسعينيات.. فى المرة الأولى كانت الزيارة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية للوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب فى مايو عام 92 وكان الحضور المصرى من المثقفين والإعلاميين والسياسيين كبيرا.
 
وأتاحت لى طول الفترة أن أمارس عملى الصحفى فى الالتقاء بكل الأطياف السياسية فى اليمن، من حزب الإصلاح اليمنى إلى المؤتمر الشعبى والعمال والاشتراكيين والناصريين.. التقيت مع الزعيم السياسى والقبلى الراحل الشيخ عبدالله الأحمر رئيس مجلس النواب الأسبق، وقيادات حزب المؤتمر الشعبى والإخوان وقيادات الحزب الاشتراكى بقيادة على سالم البيض نائب رئيس الجمهورية وقتها وخاصة فيلسوف الحزب الراحل جار الله عمر.
 
كان الانقسام واضحا بين المعارضة والحكومة، احتجاجا على فكرة الاستحواذ على السلطة والمؤسسات من جانب حزب المؤتمر الشعبى بقيادة على عبدالله صالح، وتغاضى المؤتمر عن سلسلة الاغتيالات لقادة الحزب الاشتراكى وهو ما أغضب «البيض» وامتنع عن حضور احتفالات الوحدة وبقى فى بيته على شاطئ القدير فى عدن تعبيرا عن الغضب السياسى.
 
فى نهاية اللقاءات كان المؤتمر الصحفى فى القصر الرئاسى بصنعاء بحضور الرئيس صالح، استأذنت فى السؤال وكان حول غضب المعارضة وطرحها مشروعا للإصلاح، فاجأنى بقوله: «أخ عادل، الحمد لله أنت شاهد على الديمقراطية عندنا فى اليمن، فأنت التقيت بكل الأحزاب والتيارات السياسية وتحدثت بمنتهى الحرية.. وعموما أقول لك أنا موافق على مشروع المعارضة»، الإجابة كانت تعنى بالنسبة لى أن الرجل وأجهزته يعرفون كل شىء عن تحركات الوفود المشاركة ولقاءاتها. 
 
اللقاءات التى كان محورها الرئيسى هو «مصير الوحدة» كانت تحمل فى طياتها إرهاصات ومقدمات ومخاوف على الوحدة اليمنية، فالجيش لم يتوحد بعد، وميل صالح إلى حزب الإصلاح وإعادة رسم خريطة تحالفاته مع القبائل وإعلاء صوت القبلية، علاوة على حركة الاغتيالات ضد الاشتراكيين وتركيز التنمية على الشمال دون الجنوب.
 
أسباب كثيرة وجملة المخاوف على الوحدة أدت إلى ما توقعته من حرب أهلية عام 94 أنهكت اليمن واقتصاده وشعبه، وأدت إلى سيطرة صالح وجماعته على الحكم وهروب قيادات الاشتراكى إلى خارج البلاد.
 
الزيارة الثانية كانت فى نهاية عام 96 لحضور مؤتمر عن التطبيع، كانت أحوال اليمن السعيد تبدو حزينة وباكية وآثار الحرب الأهلية فى كل مكان، ازدادت معدلات الفقر والبطالة والمرض وانهارت العملة اليمنية ولم يعد هناك صوت سياسى سوى صوت الحزب الحاكم ورئيسه وقبيلته واختفى شركاء الحكم فى عواصم العالم العربى بين مسقط والقاهرة.
 
ما بين سنوات الحرب الأهلية حتى فبراير 2011 كانت تحالفات على عبدالله صالح تتقلب على مائدة التناقضات بين ألد الأعداء بهدف واحد فقط وهو الحفاظ على حكمه وتعزيز سيطرته على مقاليد السلطة، ربما أبرز هذه التحالفات القاتلة هو تحالفه مع الحوثيين الذى حاربهم عدة مرات أثناء وجوده فى السلطة.
 
كان على عبدالله صالح راقصا سياسيا بامتياز، لكن ليس مع الذئاب وإنما مع الثعابين القاتلة وفوق رءوسها فلم يسلم من لدغاتها، وأراد أن يجنى كل المكاسب طوال الوقت، لكنه لم يدرك أن هناك حسابا لهذه التحالفات وثمنا يجب أن يدفع فى وقت ما.
 
النهاية المأساوية للرئيس اليمنى هى ثمن لكل ما فعله فى اليمن بداية من شركائه فى الحكم وتخلصه منهم ثم تحالفه مع الإصلاح وحروبه ضد الحوثيين ثم انقلابه عليهم، لكن الحوثيين ليسوا كباقى الشركاء الذين تحالف معهم صالح ثم انقلب عليهم، فكان الرد على الانقلاب سريعا بالتصفية والقتل. 
 
على عبدالله صالح.. سيرة سياسية قبل أن يكون سيرة حياة تستحق أن تدرس فى كيفية البقاء فى السلطة لأكثر من 30 عاما وسط مجتمع غاية فى التعقيد تغرقه الأزمات والحروب الأهلية والصراعات القبلية ومحيط إقليمى أكثر تعقيدا وحيرة من تحالفات صالح وتقلباته.. سيرة سياسية بدأت بالثورة فى عام 62 والوحدة عام 90 ثم الانقلاب على كل ذلك بالتحالفات مع القبلية والطوائف وأعداء الوطن.. فجاءت النهاية الدراماتيكية.. الحتمية.. فالرقص مع الثعابين وخاصة إذا كانت من نوع الكوبرا الحوثية فنهايته اللدغ ثم الموت.
 
كل ما يهمنا الآن هو مصير يمننا لكى يعود سعيدا ومتوحدا ومنتميا مرة أخرى إلى وطنه العربى الكبير بعيدا عن ثعابين طهران، لأن مستقبل اليمن يحدد مستقبل المنطقة بأسرها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق