لماذا يصر الأزهر على عدم تكفير داعش
الثلاثاء، 05 ديسمبر 2017 12:42 م
لم أكن معجبا بأداء المهندس شريف إسماعيل «الحكومى» من نواح عديدة، رغم معرفتى بحقيقة طباعه الإنسانية، واتزانه النفسى، وهدوئه، الذى يصبغ تقريبا كل انفعالاته، ناهيك عن تصرفات العادية، وأدعو الله- مثل الكثيرين- أن يعود سريعا سالما معافا ليس لمنصبه، بقدر عودته لحياته وأسرته وأحبائه.
السيدة المذيعة كانت تحشد كل عروق رقبتها لكى تصل إلى أعلى مراحل الصراخ: «إلى متى سيسكت الأزهر؟! إلى متى ستسكت يا أزهر؟ إلى متى الصبر على داعش؟ متى سيعلنها الأزهر صريحة مدوية؟ متى سيقول الأزهر إن داعش كافرة؟ لو ظل الأزهر ساكتًا فاسمحوا لى أن أقول إن الموضوع فيه إنَّ».
من باب الأمانة أقرر أننى حافظت على معنى كلام السيدة المذيعة مع تغيير لفظه، لأن كل ألفاظها غارقة فى مستنقع العامية الركيكة، ثم أحب مصارحة السيدة وغيرها من السيدات والسادة الذين يرون ضرورة قيام الأزهر بتكفير داعش، بأن الموضوع فعلًا «فيه إنّ».
يا سيدةَ العروقِ النافرة، لقد قالها الأزهر مرارًا وتكررًا أنه لن يُكفّر أحدًا، فلماذا الإلحاح على موضوع قُتل بحثًا؟
ثم هل تعلم السيدة أن الأزهر بعدم تكفيره لداعش قد أسدى لها ولنا جميعًا خدمات جليلة؟
اسمعى يا أيتها المتباكية.
سأقص عليك الخبر من أوله لمنتهاه.
هناك شىء اسمه «الكبيرة»، يعنى الذنوب العظيمة مثل القتل والسرقة والزنا، إلى آخر القائمة التى يقول بعض العلماء إنها تضم سبعة ذنوب ويقول آخرون بل تضم سبعة عشر ذنبًا، ويقول فريق ثالث بل تضم سبعين ذنبًا.
ثم يا سيدةَ الشاشة العمياء (العمياء صفة للشاشة لا لك) هناك شىء اسمه الفِرق الإسلامية التى كانت تبحث فى العقائد لا فى الفقه، يهمنا الآن التوقف عند أربع منها.
الأشاعرة والمعتزلة والمرجئة والخوارج (لا تعترضى على الأسماء فهى هكذا).
هذه الفرق وغيرها بحثت فى شأن مرتكب الكبيرة، القاتل مثلاً، فماذا قالت عنه؟
أولًا: الأشاعرة وهى فرقة أسسها أبوالحسن على بن إسماعيل الأشعرى الذى ولد بالبصرة سنة 270 هـجرية، يعنى قبل وجود داعش بأكثر من ألف سنة.
ستقولين: ما هى علاقة الأزهر بهؤلاء الأشاعرة؟
سأقول لك: اصبرى قليلًا، الأزهر يا سيدة الشاشة الحولاء (الحولاء صفة للشاشة) مؤسسة مثل غيره من المؤسسات، يعنى لديه عقيدة لا يستطيع إنكارها ولا تغييرها، هذا الأزهر عقيدته هى الأشعرية، وقد تقلد هذا المعتقد قبل ألف عام، لأنه معتقد أهل السنة والجماعة، ونحن يا سيدتى فى مصر نقول عن أنفسنا إننا أهل السنة والجماعة، فلو حضرتك لديك اعتراض وتريدين تشييع مصر فهذا موضوع أكبر منى ولن أناقشك فيه.
طيب ماذا قالت الأشاعرة عن مرتكب الكبيرة؟
قالت: هو فاسق ولكنه ليس كافرًا.
هذه الكلمات الخمس هى عقيدة الأزهر فى هذا الموضوع، فلو كانت السيدة تطالب الأزهر بتغيير عقيدته فهذا موضوع آخر.
ثم يا أيتها الصارخة يجب أن تعلمى أن عقيدة الأشاعرة قد اجتذبت الكثير من العلماء، سجلى لديك، الإمام النووى شارح «صحيح مسلم»، وصاحب «رياض الصالحين»، الإمام ابن حجر العسقلانى شارح «صحيح البخارى»، والقرطبى والرازى وابن عطية والسيوطى والألوسى والزرقانى، والحاكم والبيهقى والخطيب البغدادى وابن عساكر والخطابى وأبو نعيم الأصبهانى والعز بن عبدالسلام والهيثمى.
يعنى هؤلاء الناس عندهم نظر ثاقب وفكر ناقد ولو رأوا فى الأشعرية زيفاً ما انضموا إليها.
ثانيًا المعتزلة: يجوز حضرتك سمعت باسم واصل بن عطاء، مؤسس المعتزلة التى ترى أن مرتكب الكبيرة فى منزلة بين المنزلتين، يعنى لا هو كافر ولا هو مؤمن.
ما رأى حضرتك؟ هل تفضلين أن نكون معتزلة؟
نحن أهل ذنوب يا هذه، أم أنك ترين نفسك مريم العذارء؟
ثالثًا: المرجئة هم- يا أيتها السيدة- يليقون بهذا الحول الذى يعانيه بعضنا، فرقة لها آراء عجيبة، المرجئة تقول: لا تضر مع الإيمان معصية ولا تنفع مع الكفر طاعة.
بربك يا ذات الخصلة الملونة هل هذا كلام نافع؟
معنى كلامهم أن كل الذنوب متاحة ولا عقاب عليها ما دام فاعلها من المؤمنين.
قلت لك من البداية إنهم جماعة من أصحاب الآراء العجيبة.
رابعًا: الخوارج، الحقيقة يجب أن تكون هنا موسيقى رعب.
الخوارج- يا هذه- هم أجداد داعش وأصلها وجذرها، الخوارج هم الذين قتلوا عليًا بن أبى طالب وهو يستعد لصلاة الفجر فى رمضان.
الخوارج- يا ناصحة قومها- يقولون: إن مرتكب الكبيرة كافر مخلد فى النار.
يعنى لا قدر الله، أقول لا قدر الله، حضرتك تناولت كأس ويسكى فحضرتك فى نظر الخوارج كافرة، لأن شرب الخمر كبيرة من الكبائر.
طيب حضرتك لا قدر الله وقعت فى الفاحشة، إذًا أنت عند الخوارج كافرة ومخلدة فى النار.
طيب حضرتك لا قدر الله لا تصلين، أنت كافرة عند الخوارج.
طبعًا القتل عندهم كفر.
ستقولين كيف هو كفر وهم قتلوا عليًا؟
سأقول: هم كانوا يكفرون عليًا أصلًا.
يعنى حضرتك، ناس كفّروا عليًا وكبار الصحابة، ماذا سيفعلون معنا نحن؟! أو معك أنت؟!
بالتأكيد حضرتك تذهبين إلى الكوافير، آه لو عرف الخوارج بحكاية الكوافير هذه!
الآن هل عرفت السيدة قدر الخدمات التى قدمها لنا الأزهر عندما تبنى عقيدة الأشاعرة بشأن مرتكب الكبيرة؟
عقيدة الأشاعرة قائمة على معرفة أكيدة بطبيعة البشر «كل بنى آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».
يعنى هناك أمل فى التوبة، بالندم على الذنب والإقلاع عنه ورد المظالم، فلو كنت حضرتك ترين نفسك بدون كبائر وتظنين أنك «خضرة الشريفة» فهذا قولك عن نفسك لا يُلزمنا بشىء.
ثم سنفترض المستحيل وهو رضوخ الأزهر لصراخك وصراخ غيرك، هل تكفيره لداعش سيعنى أن داعش ستتوقف عن قتلنا؟
القليل من العقل يصلح العالم والله يا سيدة الصراخ.
هل عرفت السيدة الـ«إنّ» التى فى الموضوع؟
وقديمًا يا أيتها المذيعة كان الذى لا يعرف يقول: «عدس» أما الآن فالذى لا يعرف يتطاول على مقام الأزهر، فسبحان الذى يغير ولا يتغير.