آثارنا المنهوبة في الخارج.. والمهملة بالداخل
السبت، 02 ديسمبر 2017 03:57 م
وزير الآثار السيد خالد العناني في رده على تساؤلات بعض النواب حول حجر رشيد، القطعة التي كانت المفتاح لحل لغز اللغة المصرية القديمة، قال إن التأخر في استرداده من بريطانيا يرجع إلى أن التعامل في استعادة الآثار ليس بالقانون المصري، ولكن وفقا للقانون الدولي للآثار والاتفاقيات الدولية الخاصة بذلك، كما أعلن عن سرقة 33 ألف قطعة أثرية من مخازن الوزارة!
كل يوم يتأكد لنا فشل الجهات المعنية في إدارة هذه الثروة التي لا مثيل لها في العالم، ولذا فقد ظهرت مؤخرا مطالبات مشروعة من البعض بإفساح المجال للشركات الخاصة لإدارة المواقع الأثرية، حيث إن دخول شركات خاصة سيسمح بالصيانة والحفاظ على هذه المواقع وتسويقها ضمن أساليب عالمية مستحدثة لمجابهة الإهمال الذي نعاني منه، ولما لا؟ فليس عيبا الاعتراف بعدم القدرة على إدارة تلك الكنوز بالشكل المطلوب، وتركها لذوي الخبرة والهمة والكفاءة ليقوموا بهذا الدور المهم.
وأود هنا أيضا أن أسأل كمواطنة مصرية عن حال القطع الأثرية الموجودة حاليا بالمتحف المصري بالتحرير، وأن أستنكر الإستهانة بأهميتها ،فالمتحف المصرى آثاره لا تقدر بثمن كتراث بشرى وإنسانى، كل العالم يعلم قيمته وأهميته إلا القائمون عليه، الذين تساهلوا فى الحفاظ على مقتنياته ومستواه، فقد كنت في زيارة ثقافية للمتحف الأسبوع الماضي برفقة زوجي وأبنائي رغبة في توسيع مداركهم، وتعريفهم بحضارة بلدهم وعظمتها، وما قدمته للبشرية، وبالفعل كانت زيارة شيقة ومفيدة ومليئة بالمعلومات، حيث صاحبنا مرشد سياحي، سرد لنا المعلومات الكاملة حول تاريخ كل قطعة، وإنجازات المصريين القدماء في كافة المجالات، مما جعلنا نشعر بالفخر بمصريتنا وماضينا، ونأسف على ما وصل إليه حال المصريين الآن، وكان لسان حالي يقول ما قالته الفنانة يسرا في فيلم لا تسألني من أنا (أنا بنت مين يا دادا؟).
فمن المحزن جدا ما وصل إليه حال المتحف والاستهتار بما يحويه من كنوز، فبعض القطع متروكة في العراء في مدخل المتحف معرضة لعوامل الجو والتلوث وكأنها شيء بلا قيمة !
أما المتحف من الداخل فحدث ولا حرج فلا يوجد تنظيم، ولا حرس بالشكل الكافي، والدواليب الزجاجية التي تحتوي على بعض القطع متروكة بلا رقيب ولا حسيب ينظم التعامل معها ويمنع لمسها، وهناك أطفال يركضون كما لو كانوا في حديقة عامة، وآخرون يقفون على الحوامل لالتقاط الصور دون أي حذر أو تحضر في التعامل.
إن المتحف المصري يحتوي على آثار وكنوز من آلاف السنين بقيت لتشهد على حضارة شعب كان منارة العالم في الفنون والعلوم وكل مناحي الحياة، للأسف (كان) لأن أغلب من بقي من سلالة هذا الشعب العظيم أناس لا يدركون قيمة ما يملكون، ولا يقدرون قيمة العمل وتحمل المسؤولية.
من الملفت أيضا أنه عند السؤال عن إمكانية تواجد مرشد مرافق لنا، كانت إجابة الإدارة أن المتحف لا يوفر مرشدين، ولكنهم متواجدون ويمكن الاتفاق مع أحدهم دون أدنى مسؤولية من قبل المتحف! وهذا ما قمنا به بالفعل، لا أفهم لماذا لا يوفر المتحف مرشدين مقابل أجر كنوع من أنواع زيادة الموارد، بالإضافة لضمان كفاءتهم وصحة معلوماتهم التي يعطونها للسائح مصريا كان أو أجنبيا، كيف أيضا أن تكون الرحلات المدرسية أو الأسرية أو الجامعية مقتصرة على مشاهدة القطع بشكل عشوائي دون الاستفادة بالمعلومات التي تثري الزيارة.
وأخيرا لا أستوعب كيف يستهين وزير الآثار بمصر وكنوزها وحضارتها بهذا الشكل؟
عزيزي وزير الآثار أرجوك أترك حجر رشيد يرقد بسلام في وطن لا ينتمي إليه ولكنه أأمن عليه من وطنه، وأترك كل قطعة خارج مصر محفوظة ومقدرة تشهد على عظمة شعب كان يوما هنا، أتركها واعقد اتفاقيات جديدة مع الدول المستولية عليها بأن تحصل مصر على نسبة من مَوْرِد تلك القطع لعدة سنوات، إلى حين اتخاذ قرار حقيقي وجاد بالحفاظ عليها، والتعهد بحمايتها ورعايتها وإدارتها بما يرضي الله، وما يحقق للمصريين أكبر استفادة مما ورثوه عن أجدادهم، حينها استعيدوها مرة أخرى، واجعلوها تسعد بالعودة إلى أرضها محفوظة مصانة.
وأخيرا وبرغم كل ما ذكرت، إلا أنني أدعو المصريين جميعا لاصطحاب أبنائهم والاستمتاع بتلك الرحلة الشيقة دون الالتفات لمشكلات المكان فهو حقا يستحق الزيارة.