جدل بين السنة والشيعة
هل مات النبى مسموما بالزرنيخ على أيدى اليهود؟
الجمعة، 01 ديسمبر 2017 03:00 مكتب- عنتر عبداللطيف
ما حقيقة موت النبى محمد صلى الله عليه وسلم مسموما على يد امرأة يهودية.. وما رأى أهل السنة فيما يقوله الشيعة؟ خاصة أن إدارة محافظة النجف العراقية أعلنت السبت الماضى الموافق 18 نوفمبر عن مشاركة خمسة ملايين زائر فى إحياء ذكرى استشهاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عند مرقد الإمام على رضى الله عنه، حيث يؤكد الشيعة أن الرسول مات شهيدا من أثر سم «الزرنيخ» تناوله مع الطعام، لذلك يعقدون مجالس عزاء فى هذه الذكرى التى تكون قبل الاحتفال بمولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بأيام من ذات الشهر، حيث جرى تنظيم العديد من مجالس العزاء بالفعل من قبيل مجلس العزاء الذى نظم فى منزل آية الله العظمى الشهيد السعيد السيد محمد الصدر بحضور جمع من طلبة الحوزة العلمية.
كانت وفاة النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة 11 هـجرية يوم الاثنين، كما أكدت أغلب المصادر، ولكن الآراء تضاربت فى تحديد شهره وساعته، فيرى أهل السنة أن الرسول توفى فى اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول، بينما الشيعة يعتقدون أنها كانت فى اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر.
الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الراحل رحمة الله عليه، كان قد أجاب على موقع وزارة الأوقاف فى مايو 1997 حول سؤال «هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم مات متأثرا بالسم وكيف يحدث ذلك له؟» قائلا: «ثبت فى الصحيحين أن يهودية سمَّت النبى صلى الله عليه وسلم فى شاة، فأكل منها لقمة ثم لفظها وأكل معه ثلاثة منهم بشر بن البراء، والتى قامت بذلك زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم، وقد احتجم على كاهله، وأمر من أكل منها فاحتجم فمات بعضهم.
وهناك خلاف فى الاقتصاص منها، كما أن هناك خلافا فى كيفية أكل النبى منها، هل مضغها ثم لفظها، أو ابتلعها، وبقى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة ثلاث سنوات حتى قال فى وجعه الذى مات فيه «ما زلت أجد من الأكلة التى أكلت من الشاة يوم خيبر، فهذا أوان انقطاع الأبهر منى».
قال الزهرى: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا (زاد المعاد - خيبر)، والأبهر عرق مستبطن بالصلب متصل بالقلب، إذا انقطع مات صاحبه فكان ابن مسعود وغيره يرون أنه صلى الله عليه وسلم مات شهيدا من السُّم الذى تناوله فى خيبر.
يقول الزرقانى، فى شرج المواهب اللدنية «ج 8 ص 260»: ومن المعجزة أنه لم يؤثر فيه فى وقته، لأنهم قالوا: إن كان نبيا لم يضره، وإن كان ملكا استرحنا منه، فلما لم يؤثر فيه تيقنوا نبوته حتى قيل: إن اليهودية أسلمت، ثم نقض عليه بعد ثلاث سنوات لإكرامه بالشهادة.
وتابع الشيخ عطية: وحادث السم رواه البخارى بطوله فى الجزية فى باب «إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم» وذكره فى الطب بطوله أيضا فى باب «ما يذكر فى سم النبى صلى الله عليه وسلم» واختصره فى غزوة خيبر فى باب «الشاة التى سُمَّت للنبى» وقيل إنها أخبرته بأنها مسمومة، فقال لأصحابه: ارفعوا أيديكم، وكان الذى حجّمه هو أبو هند أو أبو طيبة.
اختتم الشيخ عطية كلامه قائلا: «هذا مجمل ما جاء فى هذه الحادثة من الروايات عن وضع السُّم للرسول، وأنه مات متأثرا به فمات شهيدا أو غير شهيد، فمقام النبوة لا يعدله مقام، ويكفى أن الله نجاه من السم القاتل لساعته، فكان معجزة تصدق رسالته، والموت مكتوب عليه كما هو مكتوب على غيره {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30
أخرج أبو داود فى السنن (4512) عن أبى سلمة ولم يذكر أبا هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة زاد فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمّتها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال «ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتنى أنها مسمومة»، فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصارى، فأرسل إلى اليهودية «ما حملك على الذى صنعت؟»، قالت إن كنت نبيا لم يضرك الذى صنعت وإن كنت ملكا أرحت الناس منك، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ثم قال فى وجعه الذى مات فيه «ما زلت أجد من الأكلة التى أكلت بخيبر فهذا أوان قطعت أبهرى»،
حسنه العلامة الألبانى فى تعليقه على السنن (4512)، وفى الحديث 4514 وقع نحوه متصلا من طريق آخر.
وفى الصحيحين من حديث شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك، أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجاءوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك قالت: أردت لأقتلك، فقال: «ما كان الله ليسلطك علىّ» أو قال: «على ذلك»، قالوا: ألا تقتلها؟ قال: «لا»، قال أنس: فما زلت أعرفها فى لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهرى، ثنا ابن وهب، أخبرنى يونس، عن ابن شهاب، قال: كان جابر بن عبدالله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمّت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارفعوا أيديكم» وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة، فدعاها فقال لها: «أسممت هذه الشاة؟».
قالت اليهودية: مَن أخبرك؟ فقال: «أخبرتنى هذه التى فى يدى» وهى الذراع، قالت: نعم، قال: «فما أردت بذلك؟»، قالت: قلت إن كنت نبيا فلن يضرك، وإن لم تكن ملكا استرحنا منك، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعاقبها، وتوفى بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم النبى صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذى أكل من الشاة، حجّمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبنى بياضة من الأنصار.
للباحث الإسلامى إسلام بحيرى بحث طويل بعنوان «قصة مقتل النبى «صلى الله عليه وسلم» بالسُّم على أيدى اليهود باطلة» انتهى فيه إلى أن: «ما كان الله ليترك نبيه فريسة لغدر اليهود المتوارث، ولكى نقبل حديث البخارى ولكى يستريح مقدسو التراث يجب أن نزيد - معاذ الله - على آية العصمة لتقول «إن الله يعصمك من الناس» - إلا اليهود -، فكيف نقبل حديثا به كل هذه المعايب لمجرد أن رجلا واحدا مهما علا شأنه قرر أن يخرجه لأنه رآه صحيحا، فهل أصبح عقل البخارى أو تصحيحه وحده بلا متابع هو إجماع الأمة، ويا ليت ذلك فى واقعة عادية بل فى حدث جلل وكبير، وقد حذرنا الله فى الكتاب بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا» الأحزاب 69، فأى إيذاء للنبى أكبر من أن نطعن فى نبوته بالكلية، والآيات تنضح بعصمته وفق قوله.
أما الشيعة فإنهم يرون أن استشهاد النبى صلى الله عليه وآله مسموما أورده الشيخ الصدوق وعدّه من عقائد الشيعة، حيث قال: اعتقادنا فى النبى صلى الله عليه وآله أنه سُم فى غزوة خيبر، فما زالت هذه الأكلة تعاوده حتى قطعت أبهره فمات منها.. وقد أخبر النبى والأئمة أنهم مقتولون، ومَن قال إنهم لم يقتلوا فقد كذبهم.
يقول علماء الشيعة: «نعم، بعض القدماء من علمائنا الأبرار (رضوان الله عليهم) لم تثبت عندهم شهادة النبى (صلى الله عليه وآله) بالسُّم، وذلك يعود للاختلاف فى المبنى، حيث إن مبناهم فى الأحكام والموضوعات لا يتم إلا بالأخبار المتواترة، ومن المعلوم أن شهادة النبى (صلى الله عليه وآله) بالسُّم أو العمومات الدالة على شهادة جميع المعصومين لم ترد بها الأخبار المتواترة التى توجب القطع، بل وردت بها أخبار تورث الظن القوى.
قال العلامة المجلسى: «مع ورود الأخبار الكثيرة الدالة عموما على هذا الأمر والأخبار المخصوصة الدالة على شهادة أكثرهم وكيفيتها كما سيأتى فى أبواب تواريخ وفاتهم (عليهم السلام)، لا سبيل إلى الحكم برده، نعم ليس فيمن سوى أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وموسى بن جعفر وعلى بن موسى (عليهم السلام) أخبار متواترة توجب القطع بوقوعه، بل إنما تورث الظن القوى بذلك ولم يقم دليل على نفيه، وقرائن أحوالهم وأحوال مخالفيهم شاهدة بذلك».
(نقلاً عن العدد الورقى)