«الواحة وعربها.. داعش ما يقربها».. يبقى الفن والتاريخ والأصالة، أهم أسلحة مواجهة التطرف والإرهاب فى أى مجتمع، وهذا ما ستجده متوفرا بغزارة عند زيارة الواحات، التى يواجه أهلها محاولات اختراق الإرهاب بالغناء الفولكلورى، المعبر عن حالة التلاحم، والاحتشاد، فى خندق الوطن؛ لحماية الأرض والعرض.
الحالة التى يعيشها أهالى الواحات، والتى تعبر عنها كلمات أغنيات يشدون بها كل ليلة فى خيمة الصخرة البدوية، بصوت عذب لمطرب الواحة، علاء السنوسى، على أنغام البرجولّة، تؤكد أن الضامن الحقيقى لحماية أى مجتمع من السقوط فى قبضة التطرف والإرهاب، هو التمسك بالتراث الثقافى.
ورغم أن الواحات البحرية، جزء من أرض مصر العريقة، وتمثل المدخل الغربى إلى المناطق المكدسة بالسكان على شريط النيل، فإنها بقيت مهملة من الجميع إلى أن كاد يختطفها الإرهاب، كما حدث فى سيناء، ولم يستيقظ الوطن لأهمية الواحات إلا بعد أن فوجئ الجميع بأن العناصر المتطرفة تسعى لتنفيذ مخطط لنقل المعركة من الشرق إلى الغرب، وتطويق الدولة.
الكلمات التى بدأنا بها هذا التحقيق الميدانى من قلب الجنة المنسية على الطرف الغربى للوطن، تعبر عن يقين حقيقى يعتقده الأهالى، وهو أن «الواحة وعربها.. داعش ما يقربها»، وتبدو هذه الثقة الشديدة واضحة بالفعل، فى الحياة اليومية لأهالى الواحات البحرية، التى لم تتأثر مطلقا بما تناوله الإعلام، عن وجود الإرهاب بمنطقتهم، أو عن احتمالات تزايد التوغل للعناصر المتطرفة من الأراضى الليبية إلى مصر، عبورا بأرضهم، واكتفوا بإشهار درعهم الواقى وهو الفن، الذى يجعل منهم بيئة عصية على الفكر التكفيري؛ لأنها ما زالت متمسكة بالثلاثى الساحر: الفن، والتاريخ، والأصالة.
سفرنا إلى الواحات البحرية، مرتبط بسيل المعلومات التى تناولها الإعلام، عن تلك المنطقة، والذى تدفق على عقول مشاهدى البرامج اليومية، على مختلف القنوات؛ منذ عملية الواحات الإرهابية الدنيئة، ومعركة البحث والثأر التى دارت هناك، إلى أن تمكنت القوات الأمنية من ضبط وتصفية الخلية المسئولة عن هذا الجرم الذى راح ضحيته ١٦ من رجال الأمن البواسل.
«صوت الأمة» كالعادة كانت حاضرة هناك، وفى الوقت المناسب وفق الظروف المتاحة، لتلقى الضوء على كواليس ما جرى، وتكشف طبيعة الحياة فى ذلك المكان، الذى أصبح فجأة محط أنظار العالم كاملا.
ولا يمكن فصل الرحلة إلى الواحات، عن سلسلة الرحلات التى خضناها فى مختلف المحافظات، لكشف أسرار الإرهاب، ومناطق وجوده، ليس من باب إلقاء اتهامات جزافية، أو رسم صورة غير حقيقية للأوضاع على الأرض، وإنما للمساعدة فى جذب الانتباه، وإطلاق أجراس الإنذار فى الوقت، والمكان المناسبين، دون تهويل أو تهوين، وهو ما نعتقد أنه الدور الحقيقى للإعلام، وإحدى الوسائل التى يستعين بها المجتمع ليرى، ما قد يخفى فى ظل بعد المسافات، وتسارع الأحداث.
رحلة الساعات الأربع..
تقع الواحات البحرية فى شمال غرب الصحراء الغربية، على بعد 360 كيلومترا من الجيزة وتقع إلى الجنوب الشرقى من واحة سيوة، على بعد 320 كيلومترا، وتبعد عن واحة الفرافرة شمالا 200 كيلومتر ولا تربطها طرق مرصوفة سوى بالجيزة والفرافرة.
وتبعد الواحة أيضا مسافة 180 كيلومترا غرب محافظة المنيا، التى يربطها حاليا بها طريق سريع.
الرحلة إلى الواحات البحرية تستغرق فى الظروف العادية، ما بين أربع، إلى خمس ساعات كاملة، تزيد أو تنقص بحسب كفاءة وسيلة السفر، وحفظ السائق للطريق، والذى يمكنه من الاستفادة بمهاراة الحفظ، لتفادى عثرات الطريق الضيق، ذى الحارة الواحدة للاتجاهين.
تعد الرحلة إلى الواحات من أصعب التجارب التى خضناها؛ لأن الطريق إليها موحش إلى حد كبير، ولا يوحى إطلاقا بالدفء، والمحبة، والبشر، والطلاقة التى يجدها، ويشعر بها كل غريب يضع أقدامه هناك، زائرا.
أما أهم ما يهون الطريق الذى لا ترى على جانبيه سوى الصحراء، وتعيش فيه «على أعصابك» لضيقه، وسير السيارات عليه فى الاتجاهين، ومنها شاحنات نقل البترول، فهو الركاب من أهالى الواحات، الذين يكفى الإنصات إليهم، والاندماج فى حكاياتهم، مع إلقاء النظر تجاه قطار البضائع الذى ينقل الحديد الخام من مناجمه إلى المصانع، فى سلسلة متواصلة من الحركة لا تنقطع، لإعادة الهدوء للنفس والتلهى عن خطورة الطريق!
معالم الواحات البحرية، تظهر قبل نحو 50 كيلومترا من الدخول الفعلى إليها، إذ تتغير معالم الصحراء، فيتحول اللون الأصفر المعتاد، إلى موجات متتالية من الألوان البيضاء، والحمراء، والسوداء، وينتهى هذا الكرنفال من الألوان فى الصحراء التى تحتضن الطريق، بجبال عالية، يحمل سفحها اللون الأثير لدى عيون البشر، ورمز الحياة الأزلى، الأخضر.
حلاوة الحياة..
يلقى اللون الأخضر، فى الواحات البحرية خاصة، بظلال محببة على النفس البشرية، ويفهم الزائر لهذا المكان لماذا هو دليل الحياة فعليا، إذ إن هذا اللون، وما يدل عليه من وجود الماء، يمثل رمزا بالغ الأهمية لهذا الذى حضر توا من قلب الصحراء، ليجد نفسه أمام أصل الحياة فيشعر بحلاوتها مفرطة فى وجدانه.
الأمان للجميع.. هل يمكن تصور أنك فى القرن الـ21، يمكن أن تجد مجتمعا مفتوحا دون حاجة إلى جهاز أمنى قوى، يبسط الأمن والأمان بالقوة؟
الإجابة على هذا السؤال تبدو حاسمة بالنفى، لولا الواحات البحرية، تلك المنطقة التى يحكمها قانون خاص، يجعل الأهالى هناك يتعاملون باعتبارهم عائلة واحدة كبيرة جدا، فالمنازل هناك لا تغلق، والمزارع التى تضم أغناما، ورؤوس ماشية تساوى ملايين الجنيهات متروكة بلا حراسة، لأن «الجميع أهل، وليس بيننا خائن»، بحسب تعبير الأهالى.
عندما وصلنا إلى الواحات البحرية لأول مرة، وكان ذلك ليلا، حيث السكون والهدوء يغلفان كل شيء، فوجئنا بالسائق يترك السيارة مفتوحة، ومفتاح التشغيل فى مكانه، وفى حقيبتها الخلفية، التى فتحناها لأخذ أمتعتنا، «جركن بنزين» ممتلئ عن آخره.
تحركنا قليلا، وسألنا السائق: «هل نسيت أن تغلق السيارة؟»، فأجاب بابتسامة هادئة بلهجته البدوية المخلوطة بالمفردات الصعيدية الشهيرة: «عندنا نترك السيارات مفتوحة؛ لأنه ما لدينا لصوص، وكذلك ربما يحتاج أحد الأهالى أن يستخدمها فى قضاء مشوار ليلا، كأن يذهب إلى الطبيب، فنحن ليس لدينا مواصلات».
وأضاف: «نترك السيارات مفتوحة، ومستعدة للتحرك فى أى وقت، حتى يستفيد منها الجميع، ومن المشاهد المعتادة أن نجد من يطلب منا التوصيل إلى مكان ما، دون أن نفكر فى الحصول على أجر».
الواحات.. أصالة وتاريخ..
الأصالة والتاريخ هما أول ما تشى به الطبيعة فى الواحات، التى بدأت الأقدام البشرية تطأ أرضها فى العصور القديمة، حين استوطنها البدو الرحل بين الأراضى المصرية، والليبية، قاصدين الاستفادة من انخفاض الواحة، وما تم تخزينه فى جوفها من مياه الأمطار، فى إقامة مجتمع زراعى، يغنيهم عن الترحال وراء الطعام، والكلأ.
عيون ساخنة..
من أبرز ما تهاديك به الطبيعة فى الواحات البحرية، هو تلك العيون المائية باهرة الجمال، ذات المياه الساخنة، التى لا يمكن التعرف على السبب الحقيقى لسخونتها، ولا ما تتميز به من فوائد صحية، ويكتفى الأهالى هناك بوصفها بأنها «مياه كبريتية»، تشفى الكثير من الأمراض!
دلو ورماح وفانوس الشفاء..
ويحكى أهالى الواحات عن البركة التى تتدفق مع مياه العيون التى تنتشر على أرضهم، وبخاصة عين دلو، وعين رماح؛ اللتين تعتبران مصدرا للشفاء من السحر، والأمراض، والهموم.
ويؤكد الأهالى أن عين دلو، وعين رماح، يدلان التائه عبر إضاءة فانوس الشفاء من الضلال، حتى يصل إلى رغبته، كما أن من يشرب ماء هاتين العينين لا يصاب بسحر أبدا.
وتضم الواحات البحرية، عيونا مائية عذبة، أخرى هي: «البشمو، أم الأفعى، عين المفتلة»، كما تضم منخفضا رميلا شهيرا هو «غرد»، ويطل عليه سلسلة من الجبال، أهمها جبل الهفوف.
تمحو وتحنو..
عرف أهالى الواحات هجمات الغزو، منذ فجر التاريخ، حين تبادلت القبائل التى استعمرت المكان، وأشهرها قبيلتا «تمحو»، و «تحنو»، الإغارة على بعضها البعض، من أجل بسط النفوذ والسيطرة على آبار المياه، ومناطق العشب.
وبحلول عصر الأسرة الـ26، من الأسر الفرعونية، استتب الأمر فى الواحات، وجنح أهلها للسلام، والإعمار، وتقف حاليا على أرضها، الكثير من الشواهد على التاريخ العريق لتلك المنطقة، فنجد فيها معابد لآلهة الفراعنة، وبخاصة فى منطقة القصر بمدينة الباويطى، التى تعد عاصمة الواحات البحرية «الشمالية».
وتضم منطقة القصر المذكورة، عشرات المقابر المنحوتة فى الجبال، لكبار مسئولى العصر الرومانى، بالإضافة إلى بقايا القصور الرومانية، وهى بالمناسبة، آثار لا تلقى رواجا لدى المهربين؛ لعدم وجود إقبال عليها، إذ يتقصر الهوس الأثرى على التاريخ الفرعونى فقط، طبقا لما أكده الأهالى بالواحات.
ولعل من أهم الأماكن بالواحة أيضا، منطقة «الحيز»، الواقعة بين الواحات البحرية وواحة الفرافرة، وتقع على مسافة 50 كيلومترا، جنوب الباويطى، ورغم ذلك فإنها تخلو من الخدمات، وأهمها وجود الكهرباء، حتى الآن.
مشكلات يومية..
تضم الواحات البحرية، بشكل عام 8 قرى ووحدات محلية، تتبعها عشرات العيون، وتقع فى منخفض يزيد على 2000 كيلومتر مربع، وتمتاز بجوها المعتدل صيفا وشتاء والطبيعة الخلابة، وتشتهر برحلات السفارى، والسياحة العلاجية، والاستشفاء بالمياه الكبريتية الساخنة.
ويصل سكان الواحات البحرية إلى نحو 50 ألف شخص، حاليا، تعتمد حياتهم على الزراعة بمياه الآبار، وهم بالطبع يعانون بشدة؛ لغياب الخدمات التى تعزز من فرص تنمية أنشطتهم، وهو ما جعلهم غير قادرين على زراعة احتياجاتهم من الخضراوات، وبخاصة التى تعتمد على أنظمة الرى غير المتوافرة لديهم.
ويبرع أهالى الواحات فى زراعة النخيل، والزيتون، باعتبارهما أهم المحاصيل التى يتفننون فى الاستفادة من الصناعات المصاحبة لهم.
ويتوزع أهالى الواحة بتعدادهم القليل، الذى يمثل خليطا من البدو، والبربر الليبيين، على مساحة شاسعة من الأرض، فى قرى الباويطى، التى تعد العاصمة، ومعها قرى منديشة، والحارة، والحيز، بالإضافة إلى مستعمرة مناجم الحديد.
بنيت طرق هذه القرى بشكل يشبه الأزقة فى شوارع الريف المصرى المعتادة، لكنها تحولت إلى أطلال من الطوب اللبن، وانتقل الأهالى منها إلى بنايات حديثة الطراز، بالطوب الأبيض «الدبش»، فى ظل أراض متسعة يصل سعر المتر فيها تجاريا إلى 200 جنيه فقط!
ويشكو أهالى الواحات البحرية، من غياب الخدمات، وبخاصة المتعلقة بالصحة، إذ إن المنطقة تضم مستشفى أنشأه الدولة على أحدث الطرز العالمية، ويضم أجهزة هى الأحدث أيضا، لكنها غير مستغلة، بسبب عدم وجود أطباء فى المستشفى، مما يضطرهم إلى السفر قاطعين مسافات شاسعة، إلى محافظة الجيزة التى تعد أقرب محافظة إليهم.
وتعد المواصلات، إحدى أهم المشكلات التى يواجهها أهالى الواحة، فى الربط بينهم وبين المحافظات المحيطة، فتكلفة الشخص الواحد إذا أراد السفر إلى القاهرة، تتجاوز 150 جنيها، منها 85 جنيها أجرة السفر من الواحات إلى المنيب فى الجيزة فقط!!
وإذا قررت السفر بعد الثالثة عصرا فإنك ستعانى الأمرين، انتظارا لاكتمال ركاب السيارة المسافرة، فى رحلة انتظار قد تمتد لأكثر من 6 ساعات، وهو ما حدث لنا فى رحلة عودتنا من هناك.
أزمات متعلقة بالمرأة..
تعيش المرأة فى الواحات حياة صعبة، فى ظل رفض المجتمع انخراطها فى أى عمل عام، حتى أن لجوء المرأة للممارسة أى مهنة يعد من المحرمات، حتى لو كانت بحاجة إلى إعالة أسرتها، أو مساعدة زوجها، كما أن الكثير من سيدات الواحة بلا أوراق ثبوتية.
وتلجأ بعض السيدات إلى العمل فى مصنع وحيد للتمور، هو الذى تسمح إدارته لهن بالعمل، فى التعبئة، والفرز، وغيرها من المهام، مقابل 50 جنيها يوميا.
المتمردة..
ولم تنجح فى التمرد على هذا النمط الصعب من حياة المرأة إلا سيدة، تسمى حنان عبدالكريم، التى رغم حصولها على الثانوية العامة فقط، فإنها تقود حركة نسائية فاعلة لتغيير أوضاع السيدات فى الواحة، حتى أنها أكملت تعليم ابنتها، وأدخلتها كلية الشرطة.
وتطالب حنان مسئولى التضامن الاجتماعى، والمجلس القومى للمرأة بدعم جهودها الرامية إلى تغيير أوضاع المرأة.
وتطالب حنان أيضا بإيجاد ممثلة للمجلس القومى للمرأة من بين بنات الواحة، حتى يصبحن قادرات على التعبير عن المشكلات التى تعيشها المرأة فى الواحة.
الشيخ الباويطى..
رحلتنا فى محافظات مصر المختلفة، أكدت لنا أن صحة المقولة التى يتندر بها البعض، وهى أن الشعب المصرى «متدين بطبعه»، إذ يبدو هذا التدين واضحا فى أنه ما من مكان زرناه إلا وجدنا للأضرحة، والأولياء وجودا طاغيا فى حياة البسطاء.
وتمتلئ الواحات البحرية، بسلسلة طويلة من الأولياء، منهم: الشيخ مبارك، والشيخ بدوى، واللذين تتراص مقاماتهما، وأضرحتهما، إلى جوار آخرين كثر، بطراز واحد فى منطقة محددة يسميها أهالى الواحات «المقامات».
سيد الأولياء.. الشيخ أحمد بن يوسف الباويطى، هو سيد أولياء الواحات البحرية، الذى يتمتع بمكانة راسخة فى نفوس الأهالى توارثوها كابرا، عن كابر، حتى أن هم مدن الواحات، وعاصمتها تسمى باسمه.
ويروى الأهالى عن الباويطى أنه تتلمذ على يدى الإمام الأعظم، أبو حنيفة النعمان، ذو المكانة العالية لدى المسلمين عامة، والمصريين بوجه خاص.
وحضر الباويطى إلى مصر، قادما من المغرب العربى، قاصدا المرور بها، وصولا إلى الأراضى المقدسة؛ لأداء الحج، ولأن الأهالى أحسنوا استقباله، فإنه قرر أن يعيش بينهم بعد عودته من الحج، فأقام بين أهالى الواحة، يعلمهم أصول دينهم إلى أن توفى بينهم، وبنى الأهالى له مقاما، ومسجدا، حظيا باحترام كبير.
ويؤكد الأهالى أن إهمالهم لضريح الباويطى، حتى بدأ يتهدم، كان سببا فى قلة البركة فى حياتهم، وتراجع مستواهم المعيشى، وهذا ما يعتقدونه وعبّر عنه عدد كبير من أهالى الواحة.
متحف الواحة..
من الأمور المثيرة فى الواحات البحرية، حرص الأهالى الشديد على أصالتهم، وتاريخهم، وهو ما دفع النحات الشهير بين أبناء الواحة، الذى يدعى محمود عيد، إلى تحمل مشقة إنشاء متحف خاص، جسد فيه البيئة التى يعيش فيها، بسلسلة طويلة من المنحوتات العبقرية.
بالتمر تحلو الحياة..
بالتمر تحلو الحياة، ترسم هذه الكلمات شعارا يعيش تحت ظلاله أهالى الواحات؛ الذين أتقنوا زراعة النخيل، وإنتاج التمور حتى احتلت مصر المركز الأول عالميا فى إنتاج التمور على مستوى العالم، بعد وصول الإنتاج السنوى إلى مليون ونصف المليون طن سنويا، بما يمثل أكثر من 17 ٪ من الإنتاج العالمى.
واعتاد أهالى الواحات عامة، والواحات البحرية على وجه الخصوص، تلقى الإشادات العالمية بإنتاجها من التمر، كمحصول استراتيجى.
الزواج مسئولية العروس..
فى الوقت الذى صارت فيه مسئولية تكاليف الزواج موزعة بشكل شبه متساو بين العريس وعروسه، بمختلف محافظات مصر، فإن أهالى الواحات ما زالوا حريصين على تقاليدهم التى توارثوها على مدار التاريخ.
تعتمد أهم تقاليد الزواج الواحية، على تحمل الزوجة جميع تكاليف تأثيث منزل الزوجية، باستثناء غرفة النوم، التى يتحملها الزوج، وفى مقابل ذلك تقضى الزوجة حياتها داخل منزلها، لا تغادره لأى سبب كان، فتعيش فى كنف زوجها، الذى يتولى جميع شئونها على الأصعدة كافة.
وتقول مدرسة سابقة، بالواحات، تدعى نسمة عبدالغفار، إن تقاليد الزواج لم تتغير منذ عقود طويلة، إلا فى الأشياء التى يحرص الأهل على وجودها فى منازل أبنائهم، مضيفة: «كنا فى السابق نشترى مجرد حصيرة، وحلة كبيرة نسميها أنجر، ويتولى العريس تأثيث غرفة فى منزل أهله، ولا يتم كتابة قائمة منقولات، كما أنه من النادر اللجوء للمحاكم لحل الخلافات، وبخاصة الزوجية، وهى أمور يحلها كبار العائلات».
وأضافت: «نادرا أن تصل الفتاة لدينا إلى سن العشرين دون زواج، أما طقوس الزفاف فتستمر 3 ليال، يتغنى خلالها الجميع بالفلكلور الشعبى الواحى، على أنغام المجرونة، التى يسميها البعض البرجولة».
وتابعت: «يحرص أهالى العروسين على تقديم الولائم للمهنئين لمدة أسبوع كامل، كل بقدر ما يستطيع، ويعد طبق الكشك أكلة رئيسية فى الأفراح، كما لا تتراجع الأسر عن تقديم التالتة، وهى أكلة الصباحية»، لافتة إلى أن إهمال أى من هذه الطقوس، يؤدى إلى تحول هذا الشخص إلى إنسان منبوذ، وغير محبوب.
وأضافت: «فى حالات المآتم يحرص جيران أسرة المتوفى، على استضافتهم لمدة 3 أيام، يكونوا فيها مسئولين عن طعامهم وشرابهم؛ كنوع من التكافل.
حكاية الملولو..
يعتبر عبدالمنعم مبروك الملولو، واحدا من أهم الأسماء التى يحفظ تاريخا أهالى الواحات البحرية، ويثير مجرد ذكره، شعورا بالفخر داخلهم.
أهالى الواحات، يؤكدون أن «الملولو»، كان أسطورة فى قص الأثر، واقتفاء التائه فى الصحراء، وكانت له صولات، وجولات فى كشف مخابئ العناصر الإجرامية المطلوبة أمنيا، حتى أن الأهالى أطلقوا عليه لقب «GBS الصحراء»، مؤكدين أنه صاحب اليد العليا فى وصول أى حملة أمنية إلى مبتغاها فى قلب الصحراء.
مجرد ذكر «الملولو»، يدفع الأهالى إلى سرد قصص لا تنتهى عن قدراته الخارقة فى معرفة دروب الصحراء، حتى أنه كان قادرا على معرفة المكان، بمجرد وصفه له.
وبعد استشهاد «الملولو»، خلال هجوم شنته ضده العناصر الإجرامية؛ بعد خسائرها الفادحة بسببه، قدمت القوات المسلحة أفضل تكريم له، وتم إطلاق اسمه على أهم ميادين الباويطى، عاصمة الواحات البحرية.
الشهيد صالح أبو القاسم.. وعلى أثر الملولو فى البطولة، وافتداء الوطن يأتى الشيخ صالح أبو القاسم، ابن قرية الحيز، الذى اختطفته العناصر الإرهابية، وذبحته، عقابا على تعاونه من الأمن؛ فى كشف الممرات الجبلية وإرشاد قوات الأمن إلى مخابئ الدروب الصحراوية.
معركة تقليم أظافر الإرهاب ووقف التهريب على الحدود الليبية.. شهدت الفترة التى تلت سقوط أركان الدولة فى ليبيا؛ إثر الاحتجاجات المسلحة ضد الرئيس الراحل معمر القذافى، نشاطا هائلا للعناصر الإرهابية، ومهربى السلاح والممنوعات على الحدود الغربية لمصر، خاصة أن سقوط الجارة القابعة فى الغرب، تزامن مع حالة من الاضطراب الأمنى الشديد فى مصر، عقب ثورة 25 يناير.
وخاضت القوات المسلحة معركة شرسة مع العناصر الإجرامية بجميع أنواعها، لتحقيق عدد من الأهداف، منها: منع تسلل الهاربين من التضييق الأمنى على عناصر أنصار بيت المقدس، عقب القضاء على وجودهم المؤثر بسيناء، وكذلك وقف سيل الأسلحة المهربة من قبل العصابات التى استولت على ترسانة الجيش الليبى، وكذلك حماية الحدود من اختراقات عصابات الإتجار بالبشر، والمخدرات.
وعلى مدار سنوات ست مضت واجهت القوات المسلحة، بجميع أفرعها، وأسلحتها، وأجهزتها الاستخباراتية، والأمنية، ومعها الشرطة، الأنشطة الإجرامية المختلفة.
وتتميز الواحات بتضاريس وعرة، وطويلة، ومتشابكة مع عدد من المحافظات هي: المنيا، والفيوم، وأسيوط، شرقا، بالإضافة إلى الوادى الجديد غربا، ويستغل المهربون سيارات الدفع الرباعى، التى يجلبونها من ليبيا، دون تراخيص، أو لوحات معدنية، فى تحركاتهم، بين مناطق التهريب الخاضعة لنفوذهم.
خريطة تحرك محكمة.. نفذت القوات المسلحة على مدار الفترة الماضية، سلسلة من الخطط الأمنية التى مكنتها من إحباط عمليات تهريب ضخمة لمختلف الممنوعات، كما أنها استطاعت أن تكشف خريطة التحرك المحكمة للعناصر المتطرفة، والمهربين، وأصبح الطريق الذى يسلكونه من شمال السودان، وإريتريا إلى صعيد مصر، ثم الفيوم، والواحات البحرية، وسيوة، ومنها إلى الحدود الليبية، مكشوفا للأجهزة الأمنية المصرية؛ مما حد من عمليات التهريب، التى تشمل فى العادة، البشر، والسلاح، والمواد التجارية، كالسجائر بجميع أنواعها، ومستحضرات التجميل الراقية جدا، والرديئة جدا أيضا.
نجاحات القوات المسلحة بالأرقام.. منذ اندلاع الثورة الشعبية، ضد الرئيس الإخوانى، محمد مرسى، وجماعته الإرهابية، حققت القوات المسلحة، نجاحات كبيرة فى المعركة ضد الإرهاب، والتهريب، على الحدود الغربية، وفى عمق الصحراء، ويمكن تأكيد هذه الحقيقة عبر إلقاء نظرة بسيطة على الأرقام التى يكشف عنها المتحدث العسكرى أولا بأول، ومنها أيضا ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤخرا، من أنه تم تدمير أكثر من 3000 سيارة دفع رباعى حاولت اختراق الحدود.
ويؤكد الأهالى فى الواحات أن أعمال المداهمة الأمنية، والتفتيش، والتمشيط، تجرى يوميا أكثر من مرة؛ لكل الأماكن التى يحتمل وجود عناصر إرهابية، أو نشاط إجرامى بها، مشددين على أن وجود قوات الجيش بالكثافة الحالية، كفيل بردع أى محاولات؛ لزرع بؤر إجرامية، أو إرهابية فى المنطقة.
الحياة السياسية بالواحات..
تعتبر الواحات البحرية، دائرة انتخابية تابعة لمحافظة الجيزة، كامتداد لدائرة 6 أكتوبر، ولم يحظ أبناء الواحات، بفرصة الفوز بمقاعد البرلمان، وكانت التجربة الوحيدة للترشح لعضوية مجلس الشعب، قبل ثورة يناير، لكادر تابع للحزب الوطنى، يدعى عبدالسلام الواحاتى، لكنه لم يوفق.
أما فى أعقاب ثورة يناير، ترشح كادر تابع لحزب النور فى الانتخابات الأخيرة، ويدعى محمد عبدالباسط، لكنه لم يوفق أيضا، رغم الانتشار الكبير للتيار السلفى، وأتباع حزب النور فى الواحات.
وتخلو الواحات البحرية، من أى مقرات للأحزاب، باستثناء مقر وحيد لحزب الوفد، إلا أنه يكاد ينهدم بعد أن هجره الحزب، وتركه للزمن.
الجمعيات الشرعية..
كالعادة تملأ الجمعيات الشرعية، الفراغ الذى تخلفه الدولة بمؤسساتها الرسمية، وكذلك الاجتماعية، والحزبية، وهو ما يحدث فى الواحات أيضا، إذ تسيطر الجمعية الشرعية التابعة للتيار السلفى، على الخدمات التى يحتاجها الأهالى، من تحلية مياه الشرب، ورفع مياه الآبار، وغيرها من الخدمات.