الزواج في مصر العثمانية في العدد الجديد من "مراصد" بمكتبة الإسكندرية

الأحد، 26 نوفمبر 2017 12:08 م
الزواج في مصر العثمانية في العدد الجديد من "مراصد" بمكتبة الإسكندرية
مكتبة الإسكندرية
الإسكندرية - محمد صابر

صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الأربعون من سلسلة "مراصد" بعنوان "الزواج في مصر العثمانية"، إعداد محمد سيد محمود حسين؛ باحث دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية.
 
يضم العدد دراسة لقضايا الزواج في مصر العثمانية، منذ دخول العثمانيين إلى مصر حتى مجيء الحملة الفرنسية. ويرصد البحث حالات الزواج والمعاملات اليومية في المجتمع المصري في العصر العثماني، من خلال قضايا مسجلة بسجلات المحاكم الشرعية، وبذلك تعتبر تحليلاً للحياة الاجتماعية، من خلال علاقات الأفراد بعضهم ببعض، بالإضافة لعلاقاتهم بالإدارة من خلال تعامل الأفراد مع مؤسسة القضاء والمحاكم الشرعية في الحياة اليومية العامة، وطبيعة الأحكام الصادرة لهم ومدى تأثيرها عليهم، ومن هنا يساعد البحث على قراءة التاريخ من القاعدة الشعبية.
 
وتركز الدراسة على الربط بين فقه الأحوال الشخصية، وقضايا الزواج في مصر العثمانية؛ للوقوف على مدى أهمية الأثر الفقهي في قضايا الزواج، ومدى التزام مؤسسة القضاء في مصر العثمانية بالفقه في قضايا الأزواج. وقد اتبع الباحث المنهج التاريخي؛ حيث إن هذه الدراسة في الأصل دراسة تاريخية لقضايا الزواج في مصر العثمانية، كما استعان بالمنهج التحليلي لدراسة بعض القضايا.
 
واعتمد الباحث على المصادر الأولية المتمثلة في الوثائق غير المنشورة بسجلات المحاكم الشرعية؛ كمحكمة الباب العالي، ومحكمتي القسمة العسكرية، والقسمة العربية، ومحاكم الأخطاط؛ كمحكمة الصالحية النجمية، ومحكمة الصالح المحفوظة جميعها في دار الوثائق القومية، بالإضافة إلى كتب الفقه الإسلامي فضلاً عن العديد من المراجع العربية والمعرَّبة.
 
وتتتبع الدراسة عقد الزواج منذ بداية توثيقه في مصر العثمانية، سواء للمسلمين أو للأقباط، وقد كان الأقباط يقومون بتسجيل عقود زواجهم في المحاكم الشرعية، وقد كان لها صيغ محددة كتبت بها هذه العقود، ولم تختلف صيغ عقود الأقباط عن صيغ عقود المسلمين، والرسوم التي كان يتحصل عليها القاضي مقابل كتابة عقد الزواج وتوثيقه في المحكمة، وقد كان هذا أمرًا ملزمًا للمصريين في مصر العثمانية طبقًا لقانون نامه مصر.
 
ويتطرق الباحث إلى سن الزواج في مصر العثمانية، فقد كانوا يقومون بعقد القران في سن صغيرة نسبيًّا فيكفى البلوغ لزواج الشاب والفتاة. ثم يستعرض بعد ذلك طرق اختيار الزوجة في مجتمع شرقي محافظ، كان فيه فصل شبه تام بين الرجل والمرأة قبل الزواج، كما تناول الباحث مبالغ المهور المختلفة في مصر العثمانية، وكيف أنها تباينت بين الارتفاع والانخفاض حسب الحالة المادية والاجتماعية للرجل والمرأة، وقام بدراسة أهم الشروط التي كتبت في عقود الزواج. ويختتم الباحث الدراسة باحتفالات الزواج وبعض العادات التي  كانت موجودة في حفلات الزواج في مصر العثمانية.
 
وقد انتهت الدراسة إلى نتيجة مهمة مؤداها أن الآباء كانوا حريصين على بناتهم؛ فإن كانوا قد زوجوهم وهم في سن صغيرة، ولكن كانوا حريصين كل الحرص أن يتم هذا الزواج وبناتهم قادرات على تحمل المسئوليات الشرعية للزواج.
 
اتضح من خلال البحث أيضًا أن المرأة كانت تتمتع بكامل حقوقها؛ مثل ألا تتزوج إلا بموافقتها، فلا يتم إجبارها على الزواج، وكذلك حق المثول أمام القضاء الشرعي دون وكيل عنها، فتحضر مجلس القضاء وتتسلم مهرها بيدها، أو أن تقوم بتزويج نفسها بنفسها دون وكيل عنها، أو أن تأتي إلى القاضي وتطلب مؤخر كسوتها، أو بقية نفقتها على زوجها، على عكس ما كان معروفًا عن وضع المرأة في العصر العثماني، على أنها كانت لا تخرج من البيت إلا للضرورة القصوى.
 
وكان يتم في الزواج مراعاة تكافئ المكانة الاجتماعية بين الزوجين، فنجد أنه كان يحرص الأعيان وأفراد الطبقة الثرية على أن يتزوجوا ممن يساوونهم أو يعلونهم قدرًا اجتماعيًّا أو ماليًّا، وكذلك حرص رجال الأوجاقات على اتخاذ زوجات لهم ولأولادهم من أبناء الأوجاق، وكان ذلك في بداية العصر العثماني في مصر. ولكن بعد أن انصهر العنصر العثماني في الشعب المصري، بدأوا في الزواج والاختلاط بالمصريين، فتزوجوا من بنات التجار وكبار العلماء، وقد تفاوتت قيمة المهور أيضًا في مصر في العصر العثماني، على حسب المكانة الاجتماعية والمادية للأزواج والزوجات.
 
وعند كتابة عقد الزواج كان للمرأة الحق في وضع الشروط التي تناسبها؛ مثل عدم التزوج عليها ما دامت في ذمته، أو حتى عدم إرجاع إحدى مطلقاته، أو ألا يمنعها من الخروج لزيارة أهلها، أو عدم ضربها ضربًا مبرحًا، أو أن تشترط على زوجها ألا ينقلها من منزلها، أو أن يوفر لها سكنًا مناسبًا يليق بمكانتها الاجتماعية، أو شرطًا لتوفير النفقة والكسوة اللازمة لها، أو توفير جارية لها لخدمتها، أو شرط ألا يمنعها من السفر لأداء فريضة الحج مع والدها إذا أرادت، مما يغير الفكرة التي كانت متخذة عن العصر العثماني، بأنه عصر ذكوري لم تمثل فيه المرأة أي دور في المجتمع.
 
وقد حافظ الحكم العثماني على التقليد الإسلامي، بالحفاظ لأهل الذمة على كيانهم الديني الخاص، واحترام أحكامهم، فيما لا يضر بالنظام السائد في البلاد في نفس الوقت، فقد كانت أحكام البابا تنفذ على رعاياه الذين يلجئون إليه، وكذلك الحاخام اليهودي الذي كان له دور مماثل لدور البطريرك على رعاياه من اليهود، ولم تتدخل الدولة العثمانية في الفصل في قضايا الأحوال الشخصية لأهل الذمة، فقد كانت القضايا الزوجية من أهم اختصاصات البطريركية، بحكم أنها أمور دينية بالدرجة الأولى، ولكن إذا أراد أهل الذمة تسجيل عقد الزواج في أحد المحاكم الشرعية وجب على القاضي أن يقوم بهذا التسجيل.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق