شي جين بينج هذه حضارتنا

الأحد، 19 نوفمبر 2017 04:10 م
شي جين بينج هذه حضارتنا
عبد الحليم محمود يكتب:

إذا قلت أني سأكتب الآن عن الحضارة الفرعونية فسوف تنصرف فورًا إلى السوشيال ميديا! وليكن.. فالموضوع كان وما يزال حديث العالم عن ما له معنى وقيمة. في حوار الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينج بالمدينة المحرمة  ببكين.  قال ترامب لنظيره: "سمعت أن التاريخ الصيني يعود عمره إلى خمسة آلاف عام" فرد بينج "نعم نحن لدينا ثلاثة آلاف عام من التاريخ المكتوب باللغة الصينية" .. رد ترامب  "لكن أعتقد أن الحضارة المصرية هي الأقدم بثمانية آلاف عام".. فأجاب بينج "نعم ولكن الحضارة الصينية هي الوحيدة المتواصلة كل هذه السنوات فنحن أحفاد التنين".

الرئيس بينج له كتاب هام في الحكم والإدارة وصاحب مبادرة الحزام والطريق التي أحدثت حراكًا اقتصاديًا غير مسبوق وفق تقرير الحزب الشيوعي الصيني الصادر في الحادي والثلاثين من أكتوبر لعام ألفين وسبعة عشر، ورغم آرائه السياسية العظيمة إلا أن رأيه في الحضارة المصرية التي وصفها بالاندثار في حين نعت الحضارة الصينية بالتواصل هو رأي يحتاج لمناقشة في سطور موجزة.

الحضارة عند بينج هي التبادل المادي بين الإنسان و الطبيعة هي العمل والسيطرة والصناعة، هي الجيل الخامس من الطائرات الحربية وحاملة الطائرات والوقود الجليدي والتسوق بلا إنترنت وسوق المال وبورصة شنجهاي، هذه الحضارة في جانبها المادي، والحضارة عندنا ليست تمثال "أبو الهول" أو معبد "أبو سمبل" أو قناة السويس أو بورصة الأوراق المالية فقط، لكنها نبع يفيض في الأفق.

الحضارة المصرية هي الإنسان، ذلك السر الإلهي العجيب والروح الطاهرة التي نفخها الله فيه من روحه وأسجد لها ملائكته، "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين"، هي حضارة مرتبطة بالسماء من خلق آدم إلى قيام الساعة، ذلك المزج المبهر بين توحيد أخناتون وأممية ووصايا إبراهيم وألواح موسى وبشارة عيسى ونبوة محمد "صلي الله عليهم أجمعين.

هي الدين القيم والأخلاق والرحمة التي تجاوزت حدود الزمان والمكان بل تخطت حدود البشر إلى عالم الجن والملائكة "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، هي معجزة القرآن وإشعاع الأزهر الذي اقتبس منه مهاتير محمد نهضة ماليزيا، وشكّل فكر العالم الصيني محمد ماكين.

حضارتنا تنير وتحتاج الي تأمل، وحضارة بينج تحتاج إلى تعلّم وقد تستورد.. إن التراكم والتواصل ليس شرطًا لبناء حضارة مثل حضارة بينج، فالإمبراطورية الأمريكية لم تتجاوز مائتين وخمسين عامًا، وقد تفنى الحضارة المادية بقنبلة ذرية أو انشطارية فتصبح كأن لم تغن بالأمس، وتبقى القوى الروحية للحضارة تبني وتعمّر ليكتمل البناء الحضاري "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا".

حضارتنا هي الإلهام الإلهي والقوة الروحية التي ردت همجية التتار بعد احتلالها الصين، وهي من حطمت خط برليف الحصين بروح اتقدت بكلمة الله وقدرته.

سؤالي للدكتور زاهي حواس وقد كانت حضارتنا حديث منتدى شباب العالم في شرم الشيخ -أعتقد أن حواس لم يأخذ الوقت الكافي ليوضح مساهمات الحضارة المصرية في الحضارة العالمية بمفهومها الشامل كما ذكرت- وقبل أن أطرح السؤال أريد أن أعرض موقفًا للكاتب الصحفي الأستاذ محمد حسنين هيكل مع أحد رؤساء فرنسا، وهو الموقف الذي يتشابه مع موقف رئيس الصين بينج، عندما سأل الرئيس الفرنسي هيكل، قائلًا: هل تعرف لماذا عاشت الحضارة الإغريقية؟.. قال هيكل لا.. فقال الرئيس لأن الحضارة الإغريقية هي حضارة الأحياء مبدعة الفنون والعلوم.. والحضارة الفرعونية هي حضارة الأموات مبدعة القبور!

وسؤالي هنا: هل هذه هي فكرة رؤساء فرنسا الثقافة والحضارة والفنون عن مصر وحضارتها؟  وهل كتاب الموتى ونصوصه الجنائزية وريشة الحقيقة "ماعت" والوحش الخرافي "عمعموت" المنتظر بجانب الميزان لينقض علي المذنب، هو ما يعرفه الرؤساء عن حضارة مصر!

هذه أقوال ومواقف لها دلالات وإشارات؛ لأن النتائج سريعة متتالية، وفرنسا مكتشفة حجر رشيد الذي فك رموزه أحد أبنائها شامبيلون، وتمثاله الذي يضع قدمه على رأس أخناتون الآن في جامعتي الكلية الفرنسية بباريس وجرنوبل، ألا يعد ذلك تفريط في حق وكرامة الوطن! وهذا نفهمه إذا كان نوعًا من التعصب الديني ضد أخناتون رمز التوحيد! وما لا نستطيع فهمه أن يكون نوعًا من السخرية والازدراء، فدولة الثقافة والفنون تزدري حضارة هي أنطقتها بفك رموزها! إلا إذا كانت تفسيرات شامبيلون عن حضارتنا لا صحة لها وتصب فيما يسمى صراع الحضارات قديمًا كما تصب قدمه علي رأس أخناتون حديثًا.

ومن يعتبر قولي عبثيًا فهو محق لا شك وملاحظته صائبة تماما، لكن كيف يفسر لي أن الحضارة التي حسبت مدارات الكواكب والأفلاك والنجوم من خمسة آلاف عام لتتعامد الشمس علي وجه رمسيس الثاني بمعبد "أبو سمبل" في ظاهرة فريدة تتكرر يومي الثاني والعشرين من أكتوبر والثاني والعشرين من نوفمبر من كل عام، ما زالت تقف عند كتاب الموتى كما قال الرئيس الفرنسي وينحصر مداها الحضاري بالمفهوم المادي عند الرئيس  الصيني بينج أليس هذا غريبَا! أم أنه درس زمن ومحنة حياة وأزمة حضارة غزاها المحتل فكريَا - وما زال -  وهجرها أبناؤها ومازالوا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة