"بل أنتم الصائلون"

الأحد، 19 نوفمبر 2017 01:34 م
"بل أنتم الصائلون"
أحمد نجيب كشك يكتب:

إن الحديث عن الحكام وولاة الأمور في بلاد المسلمين ووصف الحاكم بـ" الصائل " ، يجعلنا نقف مباشرة أمام حقيقة لا جدال فيها وهي أننا في مواجهة عنيفة مع فكر منحرف متمثل في منهج الخوارج هذا المنهج العفن الذي لا يأخذ من الإسلام الصحيح إلا ما يوافقه وإن حدث تعارض فإنه يطوع النصوص ويئولها لخدمة أهدافه التدميرية ، ولعل هذا كان واضحا وضوح الشمس في كلام (إرهابي الواحات) في لقائه التلفزيوني حيث وصف الحاكم (بالصائل) وخلط بين معاملة الأفراد ومعاملة الحكام مخالفا بذلك ما جاء به الإسلام موافقا لما سقاه إياه شيوخه من انحراف وفساد . وحتى نستطيع الرد على ذلك لابد من بيان معنى الصائل وأحكامه ، فالصائل في الإسلام هو المعتدي على غيره بظلم وبطش ونحوه وقد يكون فرد واحد أو قد تكون جماعة، كالسارق وقاطع الطريق والبغاة والخوارج وغير ذلك،وقد جعل الإسلام للمظلوم حق مشروع في الدفاع عن النفس ضد الصائل ولكن بحدود وبمقدار ما اعتدى به عليه دون تجاوز الحد حيث يبدأ دفعه بالتخويف ثم ينتقل للأخف فالأخف حتى لا تتسع دائرة الضرر وحتى لايتحول الشخص من مظلوم لظالم.

الدليل على ذلك قوله تعالى:(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) وهذا الحكم خاص بالمعاملة بين أفراد المجتمع ، وقد أباح الشرع قتل الصائل إن لم يتمكن دفعه إلا بالقتل ولا شيء عليه وإن غلبه الصائل فقتله فهو شهيد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:"من قتل دون ماله فهو شهيد "، وقد ورد أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله، أرأيتَ إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ فقال: لا تعطه مالك ،قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتِلْه، قال: أرأيتَ إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد . قال: أرأيتَ إن قتلتُه؟ قال: هو في النار ( لكن المشكلة في هؤلاء وأمثالهم من الجهلة وأنصاف المتعلمين والمنحرفين ممن يتبعون شيوخ الضلالة والفتنة ودعاة الدم والهدم ، قد خلطوا الأمور بقصد أو بدون قصد ولم يفرقوا بين تنزيل هذه الأحكام على الأفراد في المجتمع وبين طريقة معاملة الحكام وولاة الأمور في ضوء الكتاب والسنة وفعل الصحابة فقد أتوا بشبهات ضلوا وأضلوا بها الناس ، منها (أنه يجب قتال السلطان الجائر من باب قتال الصائل على الأموال) ومنها (أن عدم قتال السلطان الجائر فيه تعطيل لحديث من مات دون ماله) وجعلوا حجتهم في ذلك أن الحكام أخذوا أموال الناس لأنفسهم وأنهم مكنوا غير المسلمين منها وغير ذلك من الانحرافات والشبه التي ما أنزل الله بها سلطان ، والصحيح الثابت في الإسلام أننا حتى لو وافقناهم بأن هذا الحاكم ظالما أوجائرا ، فإن الحاكم يستثنى من حكم دفع الصائل السابق ذكره لورود الأدلة الكثيرة على ذلك منها على سبيل المثال لا الحصر حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ،قال:قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال: "تسمع وتطيع" للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك "فاسمع وأطع").

هنا بين الحديث أن هذا الاعتداء بالضرب وأخذ المال من قبل الحاكم على المحكوم ، لا يبيح للمسلم أبدا الخروج عليه ونزع اليد من طاعته وأنه إن مات كذلك مات ميتة جاهلية ، وقد جاء في الإجماع لابن المنذر ما نصه :(فإن كل من نحفظ عنهم من علماءِ الحديث على أن من لم يمكنه أن يدفع عن نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته "ألا يفعل" ) وإنما جاء حكم الإسلام هذا حتى لا ينعدم وجود إمام يقود البلاد فتحدث الفوضى وتخرب البلاد وتضيع الحقوق وتستباح الممتلكات العامة والخاصة وتهدر الأرواح وتسفك الدماء وتنتهك الأعراض كما رأينا وسمعنا وشاهدنا وما زلنا نرى في بلاد ثورات الخراب العربي . هذا هو الإسلام الوسطي المعتدل الصحيح القائم على الكتاب والسنة الذي أراده الله ورسوله والذي نعرفه منذ أن أكمل الله تعالى هذا الدين والذي جاء للحفاظ على الأفراد والمجتمعات ، فعن أي دين يتحدث هؤلاء وأي شرع ينادون بتطبيقه ؟ إنه دين وشرع الخوارج المارقين كلاب أهل النار شر قتلي تحت أديم السماء  ... فاحذروهم.

نسأل الله أن يحفظ شباب وبلاد المسلمين من شرورهم وأن يقطع دابرهم وأن ينعم علينا في بلادنا مصر الحبيبة بالأمن والأمان والتقدم والرخاء وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه.

 

تعليقات (1)
بارك الله فيك
بواسطة: محمد نور الدين
بتاريخ: الأربعاء، 22 نوفمبر 2017 12:12 م

بارك الله فيك يا شيخنا

اضف تعليق


الأكثر قراءة