حق مصر وحقد الأحباش: بعد التدليل.. شىء من العين الحمراء!
الأحد، 19 نوفمبر 2017 03:00 م
فى الوقت الذى تصاعدت فيه أزمتان كبيرتان فى الإقليم من حولنا، أزمة داخل العائلة السعودية إثر قرارات لجنة التطهير ومكافحة الفساد باعتقال كبراء وأمراء وأغنياء بتهم الفساد والارتشاء وغسل الأموال، ثم أزمة غريبة عجيبة هى استقالة رئيس حكومة لبنان فجأة من خارج أرض بلاده، صعدت إلى صدارة اهتمام المصريين، أزمة تتعلق بالحياة والموت
هى سد النهضة وإعلان وزارة الرى توقف المفاوضات الفنية مع الجانب الإثيوبى، الذى رفض، ومعه السودان الشقيق، وملعون أبو «الشقيق» هذه لأنها كلمة طاهرة على مواقف انتهازية، التقرير الاستهلالى للمكتبين الاستشاريين الفرنسيين، حول الآثار الضارة المحتملة لبناء السد على دولتى المصب وهما السودان ومصر. وبالمناسبة هو أيضا غير ملزم، والعجيب أن مصر كانت وافقت على إسناد حق اختيار المكتبين إلى إثيوبيا نفسها، بمعرفتها، لكى تقطع عليها حجج التلكؤ والتنطع والاستهبال والمماطلة المستمرة منذ ست سنوات.
والأعجب حقا أن هذا السد لو تصدع فسوف يغرق مدينة الخرطوم، عاصمة الشكيك السودانى وتصير قابعة تحت تسعة أمتار من المياه، فى ثلث الساعة، وفق المقاييس العلمية التحذيرية.
ماذا ومن استمال السودان ضد مصر، بل ضد السودان نفسه؟ ذلك هو السؤال.
موقف إثيوبيا يتفق تماما ومصالح إثيوبيا، وموقف السودان لا يتفق مع مصالح السودان، بل يتفق مع محفظة أمير قطر تميم، ووزير ماليته فعلا كان موجودا قبل أيام هناك!
توقفت إذن المفاوضات الفنية، ومع إعلان توقفها سافر إلى تميم فى قطر رئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين، وبات المصريون يهرون فى أنفسهم، وانطلقت صيحات الغضب، والدعوات إلى إجراءات تأديبية ضد أديس أبابا وضد الخرطوم.
أعود وأكرر أن إثيوبيا تتصرف مع مصر بطريقة تنطوى على الخداع والابتزاز، وهى تعلم، أو لديها علم مسبق بأن خياراتك محدودة، ولن تبلغ حد استعمال القوة، مهما فعلت هى بنا، ولسوف تمضى فى استكمال بناء السد. انتهت بالفعل من تشييد ٦٠٪ منه.
تريد إثيوبيا بالاتفاق مع السودان على تفريغ مهمة المكاتب الاسشارية من مضمونها العلمى، بحيث تصبح المعلومات التى يوردها عن أضرار السد المحتملة لا وزن لها.
بالطبع هناك سلسلة من الخطايا السياسية أدت إلى الفخ المنصوب لنا حاليا فى منابع النيل أولها جريمة يسمونها ثورة ٢٥ يناير التى أضعفت الدولة المصرية وهددت الأمن القومى، وأطلقت شوية عيال وجهلة راحوا إثيوبيا باسم الجلابية والدبلوماسية الشعبية، ورفعوا الأكف المتشابكة مع ميليس زيناوى رئيس وزراء إثيوبيا وقتها، وتلت ذلك فيما أذكر جلسة خيارات الحرب السرية المذاعة على الهواء مباشرة من قصر الاتحادية، برئاسة الأهطل محمد مرسى، وتحدث فيها المخبولون، عن كيفية ضرب أو استمالة إثيوبيا حتى لا تبنى السد!
من الخطايا أيضا إسناد ملف التفاوض إلى وزير رى ضحل ضعيف، وخبراء ليسوا على قدر من الكفاءة ولا الذكاء السياسى ولا لديهم الحجة ولا المعلومات والحقائق التاريخية التى ترد وتفند وتدحض الجانب الإثيوبى، بل والشكيك المناوئ السودانى! ولقد نتذكر بكل الأسى كيف بح صوت عالم كبير فى الموارد المائية وإدارتها هو الدكتور نادر نور الدين، ولم يستمع إليه أحد، ولا استدعاه أحد للرد على الثعلب الإثيوبى المفاوض المراوغ. كان الرجل يتمزق ألما وهو يحذر من مكر الأحباش ومماطلتهم، والرهان على فرض الأمر الواقع، حتى إذا استوى السد قائما، وامتلأ ت خزاناته بالمياه، وقفت مصر عاجزة عن اتخاذ أى إجراء عملى يحفظ حقوقها الدولية فى مياه النيل. القانون الدولى لا يعطى الأحباش حق احتكار النيل، فهو نهر دولى وحقنا محفوظ فيه، وإثيوبيا شيدت وتشيد دون إخطار مصر وموافقتها، وهذا انتهاك للقوانين المتعلقة بالأنهار التى تمر عبر عدة دول، منبعا ومصبا.
ما يغيظ حقا فى الموقف المصرى، على المستوى السياسى الإصرار على نغمة «من حق إثيوبيا.. من حق إثيوبيا»، حسنا إن حقد إثيوبيا وليس حقها هو ما يحركها ضد مصالحنا وضد وجودنا وحقوقنا، وهى جامحة بأموال من قطر ودعم سياسى وفنى من تركيا التى قدمت إليها نموذج سد الفرات التركى الذى حجز المياه عن الأراضى فى سوريا والعراق حتى تملحت. لهجة الاسترحام والتودد والذوق والتأكيد على أنه لا رصاصة أبدا فى جسم السد، منحت الأحباش طمأنينة وتصلبا. صرنا كالزوج المتيم بامرأة ركع عند قدميها فشمخت واشترطت. فى العلاقات الدولية، بل فى العلاقات الإنسانية العادية توجد قاعدة ذهبية اسمها: الضعف يدعو للعدوان. الضعف يشجع القوى على الاعتداء. ونحن بخطاب السهوكة البرلمانى والإعلامى والتحسيس على الكلام حتى لا يأخذ الأحباش على خاطرهم، أتحنا لهم اجتياز نصف خط التفاوض بنجاح. ولا نزال نواصل تسديد الأهداف فى مرمانا لحسابهم.
شىء من العين الحمراء سوف يجدى مع من استقبلوا الذوق والمودة والمعونات والاستثمارات بالجحود والابتزاز. النيل روحنا ومن يلمس روحنا نخنق روحه. ومن الواضح أن الرئيس السيسى كان على علم مبكر بهذه النهاية، لأنه حذر من فوق منبر الأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى من أن النيل «مسألة حياة أو موت»، كما نبه إلى مخاطر إضاعة فرصة التفاوض الناجح وإهدارها.
النيل حياة لنا أو موت لهم!
وهو ما عاد إليه الرئيس فى منتدى شباب العالم قبل أيام فى شرم الشيخ وأكده.
بالطبع ما زلنا نذكر كلمات الرئيس قبل ثلاث سنوات عن السد وخطره على مصر حين قال : اطمنوا.. انا مضيعتكوش قبل كده.. يبقى حضيعكم فى الموضوع ده.
بطبيعة الحال، نثق فى الدولة المصرية، ونثق أن الخيارات موضوعة منذ زمن، فليست مصر بدولة رد الفعل العاجل. ولا هى بالدولة التى تفرط فى نقطة ماء ولا حبة رمل.
ومع ذلك فإن هناك دعوات برلمانية أو سياسية إلى مواصلة لهجة الطبطبة والهدهدة على إثيوبيا، هى بمثابة موافقة ضمنية على استكمال خطة الأحباش والأتراك والقطريين، لتعطيش مصر. ساعتها لن يكون فينا عقل. فليس بعد الموت موت، الكرة الآن فى قدم الرئيس.