خالد عزب يكتب عن كتاب "القاهرة منتصف القرن التاسع عشر"
الجمعة، 03 نوفمبر 2017 09:00 ص
صدر عن الدار المصرية اللبنانية كتاب "القاهرة منتصف القرن التاسع عشر"، من تأليف إدوارد وليم لين، وترجمة وتحقيق د.أحمد سالم سالم، الذي سبق وترجم كتاب "تاريخ مصر في العصور الوسطى"، للمستشرق الإنجليزي ستانلي لين بول.
الكتاب الصادر حديثًا له اهمية كبيرة، فهو أول عمل بعد كتاب الحملة الفرنسية يتحدث عن مدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى عصر المؤلف. كان هذا الكتاب جزءًا من مخطوط "وصف مصر"، الذي كتبه لين أثناء رحلته الأولى، وقد اعتزم في بادئ الأمر الاحتفاظ بما كتبه عن وصف العاصمة لعمل مستقل، لكنه على ما يبدو قد غير خطته فيما بعد فقام باستخلاص ما يتعلق بالقاهرة من مخطوطه وزاد عليه بقصد إلحاقه بكتابه "المصريون المحدثون"، إلا أنه استبعد ذلك في آخر الأمر مكتفيًا بإلحاق بعض الفقرات بذلك الأخير تحوي وصفًا عامًا لشوارع القاهرة، وظل كتابه عن القاهرة مخطوطًا غير منشور، حتى عمد ابن أخته ريجنالد ستيوارت بول Reginald Stuart Poole إلى إعادة نسخ مخطوط خاله وتنقيحه عام 1847م تحت سمع وبصر لين، وهو نفس المخطوط الذي سلمه ريجنالد بول إلى ستانلي لين بول قبيل عام 1896م ليقوم الأخير بنشره على الفور بعد عشرين عامًا كاملة من وفاة لين بعنوان "القاهرة منذ خمسين عامًا Cairo Fifty Years Ago"، أي منتصف القرن التاسع عشر. وهذا ما دفع المترجم بعد مرور مائة وعشرين عامًا إلى تغيير الاسم الذي أطلقه ستانلي بول ليصبح "القاهرة منتصف القرن التاسع عشر".
وترجع أهمية هذا الكتاب - كما يشير مُعِدُّه - إلى عرضه صورة واضحة للقاهرة عام 1847م من خلال عين خبيرة ودقيقة كعين لين، استطاعت بحنكة التقاط بداية التأثير الغربي على المدينة، والفصل الدقيق بين كل ما ينتمي في الأصل إلى المدينة العربية الإسلامية وكل مستحدث عليها، هذا بالطبع غير وصف الكثير مما اندثر أو تغيرت معالمه على مر الزمن.
وينقسم الكتاب إلى عشرة فصول، حاول المؤلف بإيجاز في أول فصلين منها ذكر أهم ما يتعلق بنشأة المدينة وتطور حواضرها القديمة التي تتابعت منذ نشأة الفسطاط مرورًا بالعسكر والقطائع حتى إنشاء القاهرة، ثم تطورها وامتدادها بعد ذلك في العصرين الأيوبي والمملوكي، اعتمادًا على ما ذكره المقريزي.
وبداية من الفصل الثالث بدأ في وصف المدينة الحديثة، من لدن بولاق وهو ميناؤها على النيل حتى المدينة نفسها بأسوارها وأبوابها. ومن الفصل الرابع أخذ في تقسيم ما سيتم تناوله داخل المدينة، بداية من قلعة صلاح الدين وتأسيسها وأهم المباني التي تشتمل عليها؛ ثم شوارع المدينة ودروبها وحاراتها ومتاجرها ومنازلها وأسواقها، يلي ذلك أهم المساجد داخل المدينة ثم أهمها خارج المدينة، وفي الفصل الثامن تَحَدَّث عن المقابر والجبانات، وأفرد الفصل التاسع عن جزيرة الروضة، وأختتم الكتاب في الفصل العاشر بالحديث عن مصر العتيقة وأهم مبانيها القديمة كجامع عمرو وقصر الشمع.
أما مؤلف الكتاب، الإنجليزي الشهير إدوارد وليم لين (1801-1876)، فكان قد شغف منذ حداثته بالدراسات العربية، وكان للذوق السائد آنذاك في الغرب دافعًا كبيرًا له لأن يَنْحَى هذا الاتجاه، وهو ما كان مُتَّسِقًا مع مواهبه وقدراته التي كَرَّسها بالكامل خلال نصف قرن لدراسة الشرق وأهله ممثلاً في مصر، وزاد على ذلك التخصص في لغتهم والتبحر فيها حتى صار علمًا من أعلام الاستشراق في العصر الحديث، يرجع إليه وإلى أعماله أساتذة الدرسات العربية والمشرقية في الجامعات الأوروبية، خاصة لما لمسوه فيه من التجرد الكامل والنأي عن العصبية أو الهوى وهو ما يشوب الكثير من الدراسات الإستشراقية، فصار يلقب بالأستاذ الكبير بعد أن أنجز بمفرده ما لا يقوى على إنجازه فريق من العلماء، وشَكَّلت أعماله بل كلماته منهجًا سارت عليه وتأثرت به أجيال من المستشرقين وصولاً إلى القرن العشرين.