متى يتحول النقاش لخناقة؟
الخميس، 02 نوفمبر 2017 01:12 م
تبدأ الحوار مع أحدهم.. وفجأة ينقلب إلى معركة.. قد تُنهي علاقتكما للأبد.
متي تنسحب فورًا من أرض المعركة قبل أن تبدأ؟
1-(حوار الطرشان)
عندما تترك من تتناقش معه يعرض وجهة نظره أولًا. مُنصتًا السمع له. وبمجرد أن تبدأ النقاش معه، تجده يرد بنفس وجهة نظره التي تركته بكامل حريته يعرضها في أول النقاش.
أتركه يتكلم كيفما يشاء. واقفل عليك أذنك حفاظا على طاقتك.
-إنت صح يا معلم.. ديه المسج اللي ضروري توصل له.
وإلا أنت وحدك من سيحتمل عاقبة الكلام مع أطرش لا يسمع.. ستخرج منه في أبسط الاحتمالات (ببطحة) في رأسك المصونة.. أو مستهلكًا لكامل طاقتك دون أدنى نتيجة.
2-(حوار التهديد)
عندما تبدأ النقاش معه فتجده فجأة بدأ (يُرهبك) بجمل مثل:
-لو إنت مكانهم. لو ابنك مكانهم.
إهرب فورا من نقاش مثل هذا. هذا شخص يشخصن الفكرة فيك أو في أحد المقربين لك بدلا من تحييد العواطف والمشاعر. فيتبقي لك اختيار من إثنين لا ثالث لهما إذا استمررت في الحوار معه:
إما تهاجمه مثلما يهاجمك تهينه أو تضربه. وإما تخاف منه وتنسحب فيستطيع بذلك أن يُحييد رأيك ويلجمك بلجام من (الخوف من أو الخوف على).
وكل ذلك بفعل تدفق الإدرينالين الذي استثاره الشخص الذي يناقشك عندما شخصن الفكرة بإصراره على وضع نفسك بدلا من الفكرة محل الحوار.
كن على ثقة:
"أنت لا تناقش شخوص الآخرين. انت تناقش الفكر الذي يحمله هؤلاء الآخرين".
3-(كارثة الشعارات المطلقة)
عندما تجد الشخص الذي يناقشك يضع فجأة شعارات مطلقة مثل (لقد خلقنا الله أحرارا) أو ما شابه ذلك خلال حواركم العقلاني. فورا لا تدخل في حوار مع شخص يفعل ذلك، ذلك أن الفكرة أساس نقاشها منطقي " نسبي". والشعار مطلق القيمة.
هو يحتمي من ضعف قدرته على الحوار وغياب منطقه وحجته خلف تلك الشعارات المطلقة.
قد تستخدم أنت بعقلانية إحدى الأخلاقيات المطلقة القيمة لتدعيم وجهة نظرك وكيف تراها على قدر عالي النسبة من الصواب. إنما لا تقحم فجأة في الحوار مع هذا الأداء التمثيلي المبالغ فيه. هذا جرس إنذار بقرب بدأ المعركة. وقد أعذر من أنذر.
4- (إصبع السبابة)
عندما تجد من ينقاشك فجأة بدأ في أن يشير تجاهك بإصبع السبابة، تاثير ذلك أيضا هو تهييج عواطفك واستثارتها. وحتما ستكون نهاية هذا الحوار معركة بالأيدي. أو فرارك منه وإحساسك بالغضب الشديد تجاهه مما يؤثر على علاقتكم فيما بعد.
هذه معركة وليست حوار. لا تستمر فيها مهما كان.
5-(عمي التعميم)
عندما تجد من يناقشك يستخدم مفردات لغة مثل (كلهم. كل الناس) أو أي مفرد لغوي معبر عن التعميم. التعميم عمي سيعميه عن النقاش الحر المنطقي. حاول هنا أولا معه أن تزيح سواد التعميم من عينيه، فقل له أعتقد (أغلب مش كل). إذا وافقك استمر في الحوار. إذا وجدته يصر على (كل). إنهي هذا الحوار فورا. لأنه حوار من طرف واحد وهو مصمم يقنعك برأيه. والله وحده يعلم هل سيتركك دون أن يقضي عليك وعلى رأيك أم أنه سيحاول فقط أن يثيرك بعدم استماعه لك؟
6-(إنت)
عندما تجد من يناقشك يستخدم (إنت) في إشارة لسعادتك كثيرا. أو في غير مكانها. هذا شخص يريد أن يشخصن الفكرة فيك باستخدامه للغة المخاطبة باللفظ "أنت ". وأنت تناقش الفكرة ولا تناقش ذاتك.
فورا إهرب فسيثير عقلك العاطفي أيضا وينطلق أدرينالينك متحفزا كما قلت لك سابقا. إما هاجما عليه مشتبكا معه بيديك وإما فارا من معركته كارها إياه واليوم الأسود اللي فكرت فيه تتناقش معاه.
7- أدلة(منطقية)
عندما تبدا في صياغة أدلة منطقية تدلل بها على صحة رأيك. منطقية عقلانية بحتة. فتجد من تناقشه يردد لك على نغمة واحدة:
-لا لا لا لا.
فتطالبه أن ينتظر ليسمع. فتجده على نفس تون النغمة. هذا إنسان يريد أن يعيش في(البطاطا) بكامل إرادته. يرفض الاستماع للمنطق إذن لماذا تأخذ من وقتك وتتناقش معه؟
8-(الشخصنة)
عندما تستمع له جيدا فتجده يناقش شخص وليس فكرة يحملها شخص، فتبدأ أنت تفصل الشخص الذي يحدثك عنه عن الفكرة التي يحملها. وتجده مصرا على ربط الفكرة بالشخص مرة من وراء مرة. دون أن يستمع لصوت العقل الذي تحدثه به. هذا حوار بلا جدوي.
هو يربط الفكرة بشخص داخل عقله يكرهه أو يحبه. هل عساك أن تفتح قلبه وتجعله يغير مشاعره تجاه هذا الشخص؟
لا يمكن. يستحيل.
كما أنه يستحيل ان تستمع لشخص يحب أو يكره شخص وتناقشه فيها. أنت وقتها لا تناقش الفكرة المجردة. انت تناقش أحاسيس الإنسان الذي تتناقش معه. هذا حوار غبي بلا أي نهاية سوي المعركة.
***
في النهاية عرضت عليك عزيزي القاريء بعض من كثير مما يجعلنا كثيري العراك في بلادنا العربية. ولا اجد أجمل من مقولة الشافعيّ رحمه الله:
"رأيي على صواب يحتمل الخطأ. ورأي غيري على خطأ يحتمل الصواب".
تلك المقولة التي تمتليء بالعديد من المفاهيم الخاصة ببناء إنسان على ثقة عالية بنفسه.
وفي نفس الوقت متواضع تواضع العلماء الذين كلما إزدادوا علما، إزدادوا علما بمدي جهلهم. ولذلك هو يري رأيه مهما ظنّه مكتملا، ناقصا.
ينقصه (منظور الآخر)، هذا الذي يحترم وجود رأيه لأنه حتما (سيكمل) له ما لم يعرفه بعد.فيتواضع له ويستمع له.
وبذلك يكون قد جمع بين (الثقة بالنفس والقدرة على طرح الرأي بشجاعة بعد تحري الأدلة الدالة عليه + مع التواضع لإحتمالية أن يكون هناك آخر يملك الجزء الآخر من الحقيقة).
فالحقيقة الوحيدة:
"أنه لا إنسان يملك بمفرده كل الحقيقة".
كلا منّا يعرض رؤيته لها من منظوره الذي إذا ما تكامل مع مناظير غيره كقطع (البازل). صارت الرؤية مستنيرة والراي على درجة عالية من السداد والحكمة. فأصاب به الوجهة الصحيحة وصحت معه بوصلة حياة الإنسان والمجتمع.