موحد إنجلترا المسلم

الإثنين، 30 أكتوبر 2017 11:36 ص
موحد إنجلترا المسلم

في أكتوبر 2017 خرج اكتشاف أثري هام، حيث وجد رفات جثث دفنت على الطريقة الاسلامية في مناطق تابعة لنفوذ قبائل فايكنج، وهذه ليست المرة الاولي التي نكتشف فيها ارثاً اسلامياً في مناطق نفوذ القبائل الاسكندنافية العتيدة التي اجتاحت أوروبا وآسيا الوسطي ما بين عامي 793 و1066.
وفايكنج هم قبائل جرمانية اسكندنافية، تنتمي الى ثلاث دول اسكندنافية هي النرويج والدانمارك والسويد، وقد وصلوا الى القارة الامريكية قبل الاسبان وتحديداُ كندا عبر الإبحار من بحر الشمال الى السواحل الشمالية للقارة الامريكية دون النزول الى موقع الولايات المتحدة الامريكية أو أمريكيا الوسطي أو الجنوبية اليوم، وكانت لهم بعض الممالك في إنجلترا واسكتلندا والاناضول وايرلندا وايسلندا وجرينلاند.
وكانوا محاربين عظماء، ونظر الأوروبيين الى فايكنج باعتبارهم قبائل جرمانية همجية بسبب اجتياحهم بعض الاديرة المقدسة، ولكن في تسعينات القرن التاسع عشر نشأت حركة ثقافية في الدانمارك والسويد وانجلترا تعيد تقييم منجزات فايكنج الحضارية.
ورغم محاربتهم للدول المسلمة في زمنهم، ولكن فايكنج تاجروا ايضاً مع الدول المسلمة، وكعادة المؤرخين الإسلاميين الجهلة وكوارثهم ، ظن المسلمون ان فايكنج شعب روسي وتزخر الكتب التاريخية الإسلامية بهذا الخلط الرهيب، والمؤرخين المسلمين قدموا خدمات جلية للجاهلية، على سبيل المثال هم مؤسسو نظرية ان كل ما هو قادم من آسيا خصوصاً اسيا الوسطي هم شعوب تركية، وهى نظرية روجت لها الدولة العثمانية ثم الجمهورية التركية اليوم رغم ان اغلب شعوب آسيا اما سلافية او ابنة السهوب الاوراسية او قبائل تتارية ، و شعب الجمهورية التركية اليوم ما هو الا نتائج تزاوج القبائل التتارية مع قبائل الخزر اليهود الأجداد الأوائل لــ كافة يهود العالم اليوم (أي ان يهود اليوم هم أبناء عمومة الشعب التركي وليس ما يسمي الشعوب العربية) كما بينت في كتابي التتار المسلمون عبر مراجع تاريخية بعيداً عن جاهلية المؤرخين المسلمين.
وقد أبدع المؤرخين المسلمون في العام الأول من الحرب الصليبية الاولي حينما ظنوا مع قادة الدول الإسلامية ان من يهاجمهم هي الإمبراطورية البيزنطية فحسب ولم يتفهموا طبيعة الحلف الأوروبي الذى يهاجم سوريا ولبنان وفلسطين والاناضول الا بعد عدة اشهر من بداية الحرب وبعض الكتابات لم تستوعب هذا الامر الا بعد حلول عام كامل على بدء الحرب!
وقد اكتشف مراراً عبر السنوات الماضية آثار وحلي بها عبارات عربية ومسلمة، ما يعني ان الدين الإسلامي انتشر بينهم – بنسبة ضئيلة – دون ان يشكل ذلك كارثة او حروب داخلية وذلك في القرن التاسع، وان الإسلام عموماً كان جزء من المشهد الديني والثقافي في أوروبا في العصور الوسطي قبل الغزو الاسلامي لأيبريا او الاناضول.
وفى هذا الإطار، جرى اكتشاف آثري هام عام 1841، وهو عبارة دينار انجليزي يعود الى عصر الملك الإنجليزي أوفا ريكس، وقد نقش على الدينار نص التوحيد الإسلامي، إضافة الى اسم أوفا.
ففي أحد وجهي القطعة توجد كتابة باللغة العربية وهي "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، وفي الحافة كتبت عبارة "محمد رسول الله"، ثم الآية الكريمة "أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله".
أما في وسط الوجه الثاني فنجد كتابة عربية أخرى وهي "محمد رسول الله". وفي وسط هذه الجملة سجل اسم الملك "أوفا" باللغة الإنجليزية. أما في الحافة فقد كتب باللغة العربية: "بسم الله.. ضرب هذا الدينر سبع وخمسين ومائة".
والقطعة الذهبية المحفوظة الآن في شعبة النقود القديمة في المتحف البريطاني، ويمكن الاطلاع على صور رقمية للعملة بسهولة عبر شبكة الانترنت، فقد اكتب:
Coin of the King offa rex
وقد خرجت العديد من النظريات حيال الدينار الإنجليزي الا ان الرد عليها كان سهلاً بل واتى عبر اثريين ومؤرخين في الغرب ايضاً.
قيل ان بعض ملوك أوروبا قد سكوا عملات باللغة العربية من اجل التعامل التجاري مع الدول الإسلامية في أوروبا وافريقيا وآسيا، واتى الرد انه كافة العملات العربية الصادرة من أوروبا كانت تكتفى بكتابة اسم الملك الأوروبي، ولكن كتابة نص ديني كامل وصريح لم يكن موجوداً، وكتابة نص ديني كامل وصريح هو عادة إشارة الى ديانة البلد المصدر، خصوصاً ان نص التوحيد في الإسلام هو اشهار صريح بالانتماء ودخول الشخص الى هذا الدين.
ولكن من هو الملك أوفا ريكس، وما هو دوره في تاريخ إنجلترا وما هي حقيقة الدينار الإنجليزي ؟
المؤرخ الإنجليزي فرانك ستينتون (1880 – 1967) Frank Stenton، رئيس الجمعية التاريخية الملكية البريطانية ما بين عامي 1937 و 1945 والذى يعد من ابرز مؤرخي بريطانيا في القرن العشرين ، حسم الامر في موسوعة "انجلو – ساكون إنجلترا" Anglo-Saxon England التي تعد اهم واكبر مرجع لتاريخ إنجلترا على الاطلاق.
يقول ستينتون انه خلال عام 757 تولَّى أوفا ريكس مُلك ميرسيا بإنجلترا بعد مقتل ابن عمه إيزلبالد خلال الحرب الاهلية في هذه المملكة التي كانت تقع داخل إنجلترا.
وميرسيا Mercia، أو ما يطلق عليه اسم انجلترا الوسطى Middle England التي كانت مملكة ملكية ضمن سبع ملكيات كانت موجودة آنذاك تشكل ما يعرف بــ إنجلترا اليوم (وأقول إنجلترا وليس بريطانيا)، وقد وسع أوفا مملكته بعد أن فتح هذه الملكيات الصغيرة حوله أمثال كنت Kent ووست West، وساكسونس Saxons وولش Welsh، كما قام بتزويج ابنته من حاكم وساكس Wessex وحاكم نورثومبيا North mbia فوسع بذلك دائرة نفوذه حتى شمل كل أجزاء إنجلترا تقريباً.
ولكن الخلافات بين الفاتيكان بقيادة البابا أدرينا الأول وموحد إنجلترا اشتعلت دون سبب واضح في كتب التاريخ باستثناء مقولة انتشرت ولم يستطع الفاتيكان التحقق منها الا وهي ان ملك إنجلترا أوفا قد تحول للدين الإسلامي سراً وبدأ في مراسلة حكام الاندلس المسلمين ولكن الامويين في الاندلس تجاهلوا رسالته.
وفى العموم هذه ليست اول او اخر حالة تجاهل اندلسي لحادث كهذا، فقد ترك الاندلسيين العديد من الامارات الإسلامية في قلب إيطاليا وأوروبا الغربية تسحق امام الغرب دون الاستجابة للاستغاثة، فقد استقروا في الاندلس وتنعموا بالنساء الاوروبيات فلما الحاجة للفتوحات الإسلامية اذن؟
وكانت أكبر محطة للخلاف بين موحد إنجلترا وبابا الفاتيكان هو تحرَيّض البابا أدريان الأوَّل لمَلِك إيست إنجليا (إنجلترا الشرقية) لمحاربةِ أوفا؛ لعداوته للبابويَّة وللكنيسة، وللعقيدة الكاثوليكيَّة كما نصت المراسلات، وهنا وقعتْ معركة بين الطرفين انتهت بانتصار أوفا، ونجح في أسر ملك أيست إنجليا في مايو 794، وقَتَله بيده.
جُنَّ جنون البابا، وهنا أرسل إلى إنجلترا عام 786 بَعثةً مسيحية على رأسها أسقف أوستيا المشهور بتجارِبه التبشيريَّة، فضلاً عن مجموعة أخرى من كِبار رجال الدِّين المسيحي، وهذه هي البعثة الأولى التي ترسلها البابوية إلى إنجلترا، ما يدل على خطورة الأوضاع المترديَّة التي وصلتْ إليها المسيحيَّة في إنجلترا وقتذاك، ويدل ان هنالك موجة من التحول للإسلام قد سرت في إنجلترا وقتذاك.
وقد حرض فاتيكان ملوك ويلز على مهاجمة إنجلترا، فسارع الملك أوفا الى بناء سور يمتد من شرق انجلترا الى غربها ماتزال آثاره باقية حتى اليوم، وهذا السور يشكل حاليا الحدود النظرية الفاصلة بين انجلترا وويلز ويعد معلما تاريخيا وسياحيا مهما ما يزال يعرف باسمه القديم.. سور أوفا Offa's Dyke.
وحينما توفى عام 796 مع وجود شبهات تاريخية حول مقتله، دُفِن في مصلى صغير، وذلك على غير عادة ملوك ميرسيا الذين يُدفنون في كاتدرائيتهم، وقد امتد حكمه لإنجلترا الى تسعة وثلاثين عاماً اعتباراً من 757 حتى 796 وكان من أقوى ملوك إنجلترا في ذلك العهد المبكر من تاريخها، وقد سارع خلفائه على عرش إنجلترا الموحدة الى إحراق كافة الوثائق والمراسلات التي خلفها، بل وظل اسمه مجهولاً في المناهج الدراسية الإنجليزية حتى عام 1922، كأن رجالات السياسة والدين في فاتيكان وانجلترا يتخلصون من ارث مرحلة تاريخية لا يريدون ان تظهر للوجود.
اذن هو موحد ممالك إنجلترا السبع، وحامي إنجلترا من سطوة الفاتيكان وويلز، ولكن المريب في الامر انه ظل محجوب عن كتب الدراسة في إنجلترا حتى عام 1922، وقت عرض ديناره الإسلامي في المتحف البريطاني في زمن كانت بريطانيا تستعيد ذكرياتها وعلاقاته مع العالم الإسلامي والعربي على ضوء استقرار الغزو البريطاني لدول إسلامية من شبه الجزيرة الهندية مروراً بالعراق والخليج العربي وصولاً الى فلسطين ومصر والسودان، تماماً مثلما يجتاح العالم الغربي اليوم لوثة العلاقات الغربية الإسلامية المبكرة على ضوء محاولة الغرب الاستفادة من 2 مليون ايد عاملة تم تهجيرها من المشرق الى المغرب خلال الربيع العربي على اثر احتياج السوق الأوروبي الى ايدي عاملة رخيصة نظراً لارتفاع سن المواطن الأوروبي.
هذا ما جرى في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن الثامن، وما ظل مدفوناً مع دينار إنجلترا الإسلامي ألف سنة الى ان تم اكتشاف هذا الدينار عام 1841 ولم يعرض للعامة او تعرض قصته الا عام 1922 في إنجلترا، ثم يحدثونك اليوم عن حرية تداول المعلومات والفكر والارث الثقافي والحضاري الذى لا يجب ان نخجل منه او نقفز فوق بعض فقراته.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق