نجيب سرور.. أُميات فارس آخر زمن (بروفايل)
الأربعاء، 25 أكتوبر 2017 01:00 ص
كانت مصر في فترة الخمسينات حُبلى بالثورة وشهد نجيب سرور وهو على مقاعد الدراسة انطلاق ثورة 23 يوليو وواكب بعد تخرجه العدوان الثلاثي على مصر مما عمق في نفسه الكره الشديد للامبريالية والاستعمار والرأسمالية وكان منطقيا أن يلتزم الخط الأحمر فانتمى إلى الحزب الشيوعي وطار إلى موسكو في بعثة حكومية لدراسة الإخراج المسرحي وكانت له أراء مُناهضة للوحدة مع سوريا، كان يرى وقتها أن النظام المصري يبطش بالطلبة فتحول إلى معارض سياسي في الخارج وسحبت منه البعثة والجنسية.
وفي عام 1964 كانت مخابرات صلاح نصر في اوج سطوتها وكان من الطبيعي آن يحل نجيب سرور ضيفا على زنازين صلاح نصر فيعذب وينفخ ويصلب، ومع ذلك كانت بصمة نجيب سرور على الحياة الثقافية في مصر واضحة للعيان حتى يوم وفاته في 24 أكتوبر من عام 1978 فقد شارك في الحياة الثقافية شاعراً وناقدا وباحثا وكاتبا مسرحيا وممثلاً ومخرجا حتى أصبح أحد إعلام المسرح العربي المعاصر.
أميات نجيب سرور
وكتب نجيب سرور ما بين 1969 و 1974 قصائد هجائية في قالب الرباعيات سجل فيها ما رآه قلبا للأحوال وسيادة النفاق والتصنع وتحكم "التافهين" حسب رأيه، بشروط معيشة وإبداع الموهوبين، بلغة تعد فاحشة وإباحية بكثير من التصريحات الجنسية وكلمات السباب، عرفت في مجموعها بعنوان "أميات".
مع عودة الشاعر إلى مصر عام 1964 بدأت حياته الفنية والأدبية والسياسية التي استمرت قرابة الأربعة عشر عام حتى وفاته متأرجحة بين النجاح والمعاناة الشديدة، بكتابة وتقديم النصوص الدرامية ومسرحياتها، استهلها في عام 1965 بعمل مسرحي من إخراج كرم مطاوع بعنوان "ياسين وبهية".
مسرحياته
ثم كتب مسرحية "يا بهية وخبريني" عام 1967 بإخراج كرم مطاوع ثم "آلو يا مصر" وهي مسرحية نثرية، كتبت في القاهرة عام 1968 و"ميرامار" وهي دراما نثرية مقتبسة عن رواية نجيب محفوظ المعروفة من إخراجه عام 1968، واستمر تألق نجم نجيب سرور مع هذه الأعمال التي نشرت معظمها كُتب في طفرة الصعود في السبعينات.
وفي عام 1969 قدم نجيب سرور من تأليفه وإخراجه المسرحية النثرية "الكلمات المتقاطعة" التي تحولت فيما بعد إلي عمل تليفزيوني أخرجه جلال الشرقاوي ثم أعاد إخراجها للمسرح شاكر عبد اللطيف بعد عشر سنوات واستمر تألق هذا العمل الفني حتى عام 1996.
وفي عام 1969 قدم المسرحية النثرية الحكم قبل المداولة، وقد قام بتحقيقها ونشرها كاملة الباحث الجاد محمد السيد عيد، وكتب المسرحية النثرية البيرق الأبيض وفي عام 1970 قدم ملك الشحاذتين وهي كوميديا غنائية مقتبسة عن أوبرا القروش الثلاثة لبرشت و"الشحاذ" لجون جاي من إخراج جلال الشرقاوي.
أعماله الدرامية
تجددت معاناة نجيب سرور بشدة في العام 1971 عندما كتب وأخرج العمل المكرس لمذابح أيلول الأسود في الأردن بعنوان الذباب الأزرق في قالب الكوميديا السوداء، إذ منع عرض هذه المسرحية من قبل أجهزة الرقابة في القاهرة، ثم كتب في العام 1974 المسرحية الشعرية منين أجيب ناس، وقد عرضت في نفس العام أعقبها بمسرحية نثرية لم تعرض وتحمل العنوان النجمة أم ديل ثم بالدراما الشعرية المقتبسة عن مسرحية هاملت لشكسبير وحملت العنوان "أفكار جنونية في دفتر هملت".
معظم أعمال نجيب الدرامية طبعت ونشرت بشكل فردي وكذلك ضمن مجموعة الأعمال الكاملة التي صدرت عام 1997، كما أن أغلب أعماله الشعرية كتبها فرادى خلال فترات متباعدة ثم جمعها في دواوين أو مجموعات، فالمجموعة الشعرية "التراجيديات الإنسانية" كتب بعض قصائدها في مصر منذ 1952 وضمنها قصائد أخرى كتبها في موسكو قبل سفره إلى بودابست.
اضطهاده
في فترة السبعينيات واجهت نجيب سرور ظروف قاسية للغاية وصل فيها اضطهاده وفصله من عمله مدرسًا في أكاديمية الفنون في القاهرة إلى التشرد المأساوي مما حفزه، وهو الإنسان الذي يكره الصمت والخنوع والاستسلام، على كتابة قصائده الساخنة انتقد فيها بشكل لاذع سياسة حكومة الرئيس الراحل أنور السادات تجاه الوطن والشعب وخاصة قمع الحريات العامة وحرية التعبير والتسلط على المثقفين والتنكيل بالمواطنين، وقتها تحاملت عليه أجهزة السلطة فلفقت له التهم المختلفة وساقته إلى مستشفى الأمراض العقلية، وقد تكرر ذلك سعياً من السلطة لتحطيم نفسية نجيب سرور.
وفي عام 1978 صدرت له "بروتوكولات حكماء ريش" وهي عبارة عن أشعار ومشاهد مسرحية و"رباعيات نجيب سرور" التي كان قد كتبها بين عامي 1974 و1975، واستمر إنتاج نجيب سرور حتى وفاته فقد كتب ديوان الطوفان الكبير وديوان فارس آخر زمن عام 1978 ولكنهما لم ينشرا حتى صدرت أعماله الكاملة في العام 1997.