أول معيد كفيف بـ"إعلام القاهرة" يروي لـ"صوت الأمة" قصته من الألف إلى الياء (حوار)
الأربعاء، 18 أكتوبر 2017 09:57 م
عمل واجتهاد ومثابرة وتوكل على الحي القيوم، فجازاه الله خيرا وعوض صبر والدته وحلم والده جزاء عظيم، جرت به الأقدار لتحول بين حلم والده في أن يراه طبيبا في المستقبل بعد أن لمس علامات النبوغ والتفوق الدراسي منذ سنواته الأربعة الأولي، فقد بصره إثر حادث أليم تعرض له في سن السابعة لتدور به الأيام، ويواصل تفوقه الدراسي حتى صار أحمد رحمة، أول معيد كفيف في تاريخ كلية الإعلام جامعة القاهرة.
ومع قدوم 2018 عام ذوى القدرات الخاصة، تثبت تلك التجربة العظيمة لكل شخص مدى وصول آفاق الطموحات والمستقبل لدى هؤلاء، وأن العجز الحقيقى ليس جسديا وإنما فكريا لدى كل شخص ييأس من الحياة والعمل، "صوتت الأمة"، التقت أحمد رحمة، أول معيد بجامعة القاهرة، وكان هذا الحوار:
من هو أحمد رحمة؟
أحمد عبد المنعم رحمة، من قرية شيبة مركز الزقازيق محافظة الشرقية، عمرى 23 عاما، أصبحت أول المكفوفين على الجمهورية فى المرحلة الثانوية أدبى فى 2012، وبعد الثانوية بسبب تفوقى وطموحاتى التحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة.
ماذا عن فقدان بصر أحمد رحمة؟
أنا كنت طفل طبيعي جدا في الصغر، وأتقنت القراءة والكتابة وأنا عندي 4 سنين، لأني من طفولتي وأنا أذهب إلى الدروس مع أختي الكبرى وكانوا بيحفزوني على الكتابة والرسم من صغري، وعندما لمسوا في بوادر الاستجابة اهتموا أكثر وعملت والدتى على تحفيظي للقرآن الكريم وفي سن 5 سنوات كنت حفظت جزء عم.. وبدأوا يكلموني عن طموحي وماذا أريد، كانت رغبتي الدائمة أن أصبح دكتور وأرتدي البالطو الأبيض، وأعالج المرضى، وفي السادسة من عمري التحقت بالمدرسة.
وهنا كانت البداية، تعرض لي أحد أولياء أمور الطلاب بالضرب ظنا منه أني تسببت في إيذاء ابنه، فحدث لي انفصال بشكبكية العين ونزفت، وباءت جميع العمليات الجراحية بالفشل حتى فقدت بصري تماما في سن 9 سنوات.
وكان مبدأ والدي العفو عند المقدرة ورغم أن والدتي كانت مصرة على التقاضي إلا أن والدي رفض فما حدث أمر الله، والقضاء لن يعيد بصر ابني، ومنذ ذلك اللحظة قطعت وعدا مع والدي أني ولم أستطع أن أكون طبيبا، فسوف أصبح أستاذا جامعيا.
كيف تم تعيينك كمعيدا بكلية الإعلام؟
لائحة التعليم فى كلية الإعلام تقوم بتعيين الأوائل الثلاث من قسم الصحافة، واثنان من قسم الإذاعة والتليفزيون، ومثلهم فى قسم العلاقات العامة والإعلان، فترشيحى كمعيدا تم من خلال الكلية، فقد أرسلو لى جواب تعيين، ولكن الكشف الطبى رفض، كونى غير مناسب لممارسة تلك المهنة، ولكن تدخلت عميدة الكلية دكتور جيهان يسرى، وقدمت جواب لرئيس الجامعة حينها، الدكتور جابر نصار، باستثنائى من هذا الشرط الذى يرفض تعيينى فى لوائح تعيين ذوى القدرات الخاصة بالكلية، كونى مؤهل ولدى قدرات كاملة فى التعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
كيف استطعت تخطى اختبارات الكلية؟
كان الامتحان على شاشة الكمبيوتر، وكان هناك قارىء للشاشة وكان تعاملى معاه جيدا، بالإضافة إلى تعلمى الدائم من "يوتيوب"، أصبح بإمكانى التعامل مع التكنولوجيا والأجهزة بسهولة.
نريد أن تكشف لنا عن أصعب المراحل التى واجهتك فى حياتك؟
أكثر صعوبة واجهتها فى حياتى فى ظل هذه الظروف، هى الوصول للمعلومة والاطلاع على كتاب وبالتالى كنت فى حاجة دائمة لمساعد أو مرافق، وكانت والدتى هى من تولى تلك المرحلة، قبل الثانوية العامة، أما عن الكلية أصبحت أجد بدائل، فكنت على سبيل المثال أقوم بطباعة الكتاب وتحويله إلى برنامج الوورد ثم بعد ذلك طباعته على طريقة برايل، كانت تلك المرحلة تحتاج جهد طويل وتكلفة باهظة، فصفحة الطباعة تبلغ 2 جنيه،أما برايل تكاليفها باهظة للغاية.
هل ترى أحمد رحمة فى يوم من الأيام من كبار الإعلاميين أو مقدم برامج توك شو؟
فى الحقيقة، أفضل مجال التدريس عن التعامل مع برامج التوك شو والتقديم التليفزيونى، فمتعة العلم لدى هى التدريس للطلاب، وأصبح من الأساتذة المتميزين بالجامعة.
أحمد رحمة الدكتور المستقبلى ما المقرر الذى تفضل التخصص فيه؟
مادة اتصال سياسى، من أكثر المقررات التى أريد التدريس بها مستقبليا، فهى مادة تضم توظيف الميديا بشكل عام كالعلاقات الدولية، الدبلوماسية العامة، الصراع الدولى.
ما هى أبرز النجاحات التى حققتها؟
أبرز نجاح حققته، هو تعيينى معيدا بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فذلك هو هدفى منذ فترة طويلة، وأننى كنت متمارس جدا فى التعامل مع برامج التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى تعاملى الجيد مع جميع برامج الكمبيوتر كالأوفيس وبرنامج الوورد، ومن النجاح الذى حققته أيضا هو عمل صيانة كاملة لأجهزة الكمبيوتر واللاب توب، وذلك عن طريق برامج السوفت وير وغيرها، وطريقة التعلم الذاتى التى ساعدتنى كثيرا من خلال برامج "يوتيوب".
ماذا تنتظر من الدولة في 2018 كونه عام ذوي الاحتياجات الخاصة؟
في البداية اعترض وبشدة على هذه التسمية "ذوي الاحتياجات الخاصة"، وأرى أن التسمية المناسبة وكما يطلقها الغرب هي "ذوي القدرات الخاصة"، فلماذا ننظر إليهم على أنهم أصحاب حاجات ونضعهم دائماً في خانة الاحتياج؟! فبالمجهود المنظم والعلمي نستطيع أن نكسبهم بعض المهارات الخاصة، التي من الممكن أن تُخرج من داخلهم أفضل ما عندهم ويصبحوا قادرين على العطاء والإنتاج والمشاركة في بناء ونهوض الوطن، فالمجتمع المصري لديه مسئولية تجاه هذه الفئة وهي عدم النظر إليهم ككتلة غير عاملة والتيقن بأنها كتلة قادرة على العطاء والبذل.
أما عن كلمة الرئيس السيسي أن 2018 هو عام ذوي القدرات الخاصة، فهذه بادرة أمل ومن الرائع والضروري أن رأس الدولة يهتم بذوي القدرات الخاصة، هذا بدوره سيترتب عليه اهتمام المسئولين القائمين بالفعل على توجيه ورعاية هذه الفئة ولكن إذا كان 2018 هو عام ذوي القدرات الخاصة، فما هو حال 2019 و2020 وما بعد ذلك، وماذا قبل 2018؟!، ومن وجهة نظري "أننا لن نحيا عاما ونموت مئة عام".
كيف تنظر إلى ما تفعله الدولة مع ذوي القدرات الخاصة؟
الدولة حاليا ومنذ أمد بعيد توفر لذوي القدرات الخاصة، الخدمات في المواصلات والمرافق العامة كبطاقة تعفيهم من دفع رسوم ركوب القطارات والمترو، ولكن هل هذا كافٍ!
فالمكفوفون خاصة يفتقدون لكثير من الدعم فيما يتعلق بالأجهزة التعويضية، التي تمكنهم من التعامل مع الأشياء المختلفة من حولهم وقراءة الكتب والنشرات الورقية بشكل فردي، وعلى أبسط مثال أدوات الكتابة والقراءة وطباعات برايل باهظة الثمن، فلا بد من توفير هذه الوسائل بالمجان أو بأجور رمزية من خلال الجامعات، بدلا من ترك الكفيف يعاني من أجل الحصول على بغيته في التعلم والاطلاع.
ما هي طموحاتك المستقبلية؟
طموحاتي أن أتقدم في بحثي العلمي ورسالة الماجيستير، وأن تتاح لي فرصة منحة دراسة بإحدى مدارس الإعلام الأوروبية أو الأمريكية، لكي ارتقي بمستواي العلمي وبمستوى البحث العلمي في مجال الاتصال بمصر.
أحمد رحمة المعيد المتميز لمن يحب أن يهدي نجاحه حتى الآن؟
إن الفضل لله جميعا، ثم والدتي شريكة الكفاح والنجاح، ثم إخوتي التي أعانوها على طريقها، ثم كل من علمني حرفا وزودني بعلم، وأنار لي بصيرتي بالعلم والمعرفة وهم كثر بداية من أساتذتي بالمرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية العامة، ثم أساتذة كلية الإعلام ومدرسيها وأعضاء هيئتها المعاونة.