كواليس ثغرة الدفرسوار.. حصار "شارون" وجنوده بدأ من هنا
الأحد، 15 أكتوبر 2017 06:11 ممحمد أبو ليلة
في يوم 15 أكتوبر من عام 1973 وبينما كانت الحرب مشتعلة على الضفة الشرقية لقناة السويس، قامت طائرة استطلاع أمريكية فوق منطقة القتال بالتحليق فوق سماء قناة السويس، ولم تكتف بتغطية الجبهة بالكامل بل طارت فوق الدلتا قبل أن تخرج نهائياً من المجال الجوي المصري دون أن تُصاب بأي أّذي.
"كان من الممكن أن تكون هذه الطلعة الاستطلاعية إنذار للقيادة المصرية بأن العدو يمكنه أن يقوم باختراق الجبهة وهو مطمئن تماماً وانه يتحتم علينا أن نسحب الفرقة 21 مدرعة والفرقة 4 مدرعة إلى غرب القناة ولكن هذا لم يحدث، لكن العدو لم يضع الوقت وبدأ عملية اختراق مواقعنا خلال مساء 15 أكتوبر".. هكذا كتب الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر في مذكراته.
وفي نهار 16 أكتوبر بدأت المعلومات تصل إلي مركز القيادة بأن عدد من كتائب الصواريخ المصرية المضادة للطائرات قد هوجمت بواسطة دبابات العدو وكانت بعض هذه الكتائب تقع على عمق 15 كم غرب القناة لقد كان الموقف مائع وعجزت قيادة الجيش عن تحديد حجم ومكان القوة المعادية وكانت دبابات العدو تظهر فجأة بقوة 7- 10 دبابات بالقرب من احد المواقع تلك الكتائب ثم تشتبك مع الموقع من مسافة ألفين متر وتقوم بتدميره ثم تنسحب وتظهر فجأة.
السبب
"لقد كان قرار تطوير الهجوم هو أول غلطة ترتكبها القيادة المصرية خلال الحرب وقد جرتنا هذه الغلطة إلى سلسلة أخرى من الأخطاء التي كان لها أثر كبير على سير الحرب ونتائجها".. قال ذلك الشاذلي.
فلم تكن كتائب الصواريخ المصرية لديها الأسلحة الكافية التي تستطيع أن ترد بها على مثل هذا الهجوم وبالتالي فإن دبابات العدو كانت تنسحب بعد تنفيذ المهمة دون أن تتلقى أي عقاب.
وعقد قيادات الجيش مؤتمر في صباح يوم 16 أكتوبر من العام نفسه لبحث الموقف واتفق الشاذلي مع وزير الدفاع على أن تقوم مصر بتوجيه ضربة قوية ضد العدو في منطقة الاختراق صباح يوم 17 لكنهم اختلفوا مرة أخرى في طريقة توجيه الضربة.
لكن الشاذلي كان يرى ضرورة إعادة الاتزان إلى مواقعنا الدفاعية بسحب جزء من قواتنا في الشرق إلى غرب القناة ولكن مع تعديل في الأسلوب طبقا للمواقف الجديد.
حيث اقترح سحب الفرقة 4 مدرعة واللواء مدرع 25 من قطاع الجيش الثالث خلال الليل وان تقوم فجراً بتوجيه الضربة الرئيسية ضد قطاع الاختراق بقوة لواءين مدرعين من غرب القناة وفي اتجاه شمال شرقي وفي الوقت نفسه يقوم اللواء 116 مشاة بتوجيه ضربة ثانوية من الغرب إلى الشرق بينما تقوم الفرقة 21 مدرعة بتوجيه ضربة من مواقعها شرق القناة في اتجاه جنوبي بهدف إغلاق الطريق المؤدي للثغرة من الشرق.
السادات يرفض اقتراح الشاذلي
بعد ساعات قليلة دخل السادات إلى المركز 10 – مركز إدارة الحرب- ، "شرحت الاقتراحات للرئيس لكنه لم يمهلني لكي اتمم مقترحاتي وثار ثورة عارمة وفقد أعصابه واخذ يصرخ في وجهي بعصبية- أنا لا أريد أن اسمع منك مرة ثانية هذه الاقتراحات الخاصة بسحب القوات من الشرق إذا أثرت هذا الموضوع مرة أخرى فاني سوف أحاكمك- حاولت ان اشرح له بان المناورة بالقوات شيئ والانسحاب شيئا خر لكنه كان في ثورة عارمة لا يريد ان يسمع.
خلال مساء 17 أكتوبر نجح العدو الإسرائيلي في بناء أول كوبري له في منطقة الدفرسوار وعبر عليه لواءان مدرعان من فرقة برن وبحلول فجر 18 أكتوبر كانت للعدو غرب القناة فرقتان مدرعتان كانت أحداهما بقيادة شارون وتتكون من لواء مدرع ولواء مشاة والثانية تتكون من لواءين مدرعين وضد هذه القوات كلها وجهت القيادة المصرية اللواء مدرع 23 وكانت النتيجة هي فشل الهجوم وخسران اللواء عدد كبير من دباباته وكان هذا اللواء الاحتياطي الاستراتيجي بعدها أصبحت الضفة الغربية عارية من الدبابات.
ويرى اللواء أركان حرب أحمد أسامة إبراهيم أحد أبطال حرب أكتوبر أنه حتى يوم 9 أكتوبر لم تكن الفكرة موجودة لدى الرئيس السادات في تطوير الهجوم ، وفي يوم 14 أكتوبر صدر القرار بتطوير الهجوم.، وكان هناك رفض من قادة الجيوش، ومن رئيس الأركان الفريق سعد الشاذلي، لأن أوضاع القوات والإمكانات المتاحة لا تسمح بعملية التطوير، وقتها تدخل القائد الأعلى بقرار سياسي وليس عسكري، وكان موقف المشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع وقتها مساند لرأى الرئيس السادات.
حصار شارون وجنوده
في يوم 26 و28 أكتوبر أصبحت القوات الإسرائيلية محاصرة بين جبهتي المقاومة الشعبية المصرية وقوات التصفية المصرية مما أجبر القوات الإسرائيلية على وقف أعمال القتال والالتزام بقرار 338 لوقف إطلاق النار ابتداء من 22 أكتوبر.
وبصفة عامة كانت القوات المصرية ضعف القوات الإسرائيلية غرب القناة، كما أن القوات الإسرائيلية كانت منهكة بشدة بسب حرب استنزاف شنها الجيش المصري عليها بداية من بعد وقف إطلاق النار بيومين.
وقال موسي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في شهادته على المعاركة يوم 16 و17 و18 أكتوبر :لم أستطع إخفاء مشاعري عند مشاهدتي لأرض المعركة فقد كانت المئات من الدبابات والعربات العسكرية محترقة ومدمرة و متناثرة في كل مكان ولا يبعد عن بعضها البعض سوي أمتار قليلة، وكانت من بين الأسلحة المدمرة صواريخ سام 2 وسام 3 ومع إقترابي من كل دبابة كنت أتمني ألا أري العلامة الإسرائيلية عليها.
وتابع ديان: وانقبض قلبي كثيراً من كثرة الدبابات الإسرائيلية المدمرة فقد كان بالفعل هناك العشرات منها، ولم أشاهد هذا المنظر طوال حياتي العسكرية حتي في أفظع الأفلام السينمائية الحربية فقد كان أمامي ميدان واسع لمذبحة أليمة تمتد إلى أخر البصر فقد كانت تلك الدبابات والعربات المحترقة دليلاً على المعركة الأليمة التي دارت هنا.
وكانت الدفاعات الجوية المصرية استعادت كامل توازنها مما جعل القوات الإسرائيلية غرب القناة دون دعم جوي، حيث أن القوات الإسرائيلية يوصلها بشرق القناة ممر ضيق يبلغ 10 كيلومترات فقط ويمكن للجيش المصري قطعه بسهولة. لذا فإن المحصّلة هي أن القوات الإسرائيلية التي أرادت بها إسرائيل أن تخلق أزمة في الموقف العسكري المصري أصبحت كأنها رهينة لدى الجيش المصري، ونجحت بذلك القوات المصرية في إنهاء خطر الثغرة والعودة لمعادلة كفة الحرب مع إسرائيل، وأدى ذلك إلى انتهاء الحرب الفعلية، لتبدأ الحرب الإستراتيجية التي خاضها السادات من أجل السلام.