"صوت الأمة" في قرية الجاسوس "عبد الملك".. 200 شاب من أبناء "نوسا" يعيشون بإسرائيل.. والأهالي: مالناش حد هناك
الجمعة، 13 أكتوبر 2017 11:00 مهناء قنديل - تصوير صلاح الرشيدى
رغم مرور أكثر من 20 عاما على واقعة، ضبط الرقيب البحري السابق، "عبد الملك عبد المنعم"، ابن قرية نوسا الغيط، التابعة لمركز أجا بمحافظة الدقهلية؛ بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، فإن هذه القرية ما زالت تمثل لغزا حائرا، لم يلق الاهتمام الكافي لحله!!
يتمثل هذا اللغز في معلومة أكدها عدد من شهود العيان، وهي أن هذه القرية ما زال أبناؤها إلى الآن، يجهرونها، إلى أوروبا ومنها إلى إسرائيل للزواج من فتيات إسرائيليات، والعيش والعمل هناك، حتى وصل عددهم وفق تقديرات ميدانية لنحو 200 فرد.
هذه المعلومات فتحت مجددا باب الحديث عن شباب مصر الذين هجروا وطنهم، تحت غطاء البحث عن لقمة العيش، وسافروا إلى أوروبا، ومنها لإسرائيل، التي فتحت لهم أحضانها، كيدا لمصر، والمصريين.
وتكمن خطورة هذه القضية الحساسة، في أن المجتمع يرفض مناقشتها، رغم تزايد أعداد الشباب الراحلين إلى هناك، والذين يلجأون للزواج من إسرائيليات.
وتعد قرى محافظة الدقهلية، وبخاصة نوسا البحر، ونوسا الغيط، التابعتين لمرحز أجا، من أهم الأماكن التي يسافر شبابها إلى الخارج، ويتجه عدد كبير منهم لدولة الاحتلال الصهيوني، حتى أن التقديرات تشير إلى أن هاتين القريتين وحدهما، يعيش من أبنائهما في مدن إسرائيل، نحو 200 فرد، ما بين متزوجين من فتيات إسرائيليات، وبين من حصلوا على فرصة للعيش هناك كأجانب.
المثير أنه رغم أن هذه المعلومات معروفة على نطاق واسع شعبيا، خاصة في الدقهلية، فإن الأهالي في القريتين يرفضون الاعتراف بها، ولا يرددون سوى جملة واحدة هي: "أولادنا في أوروبا، ومالناش حد هناك في إسرائيل"!!
"صوت الأمة" زارت قرى الدقهلية للتعرف على سر سفر الشباب إلى أسرائيل، رغم أن هذه القرى ذاتها تحظى بقدر من الحياة أفضل من غيرها في الصعيد على سبيل المثال، بل إن هذه القرى تضم عددا من الأجانب الذين يعيشون على أراضيها، وبينهم فتيات من جنسيات أوروبية، تزوجن من مصريين، ويعيشون معهم في الدقهلية، راضيات بمستوى الحياة!!
حكاية عبد الملك الجاسوس
تعود تفاصيل واقعة ضبط الجاسوس عبد الملك عبد المنعم علي حامد، إلى عام 1996، ويقول أحد أبناء القرية، ويدعى "علي"، ويبلغ من العمر 59 عاما: "نعيش في نوسا الغيط، حياة البسطاء من جميع أبناء مصر، لا علاقة لنا إلا بلقمة العيش، ولا نطلب إلا الستر، لكن في الوقت ذاته، وكما في كل مجتمعات الدنيا، يوجد بيننا من يعميهم العوز؛ فتضعف نفوسهم، ويقبلون بيع أخلاقهم، وضمائرهم، ومنهم ما يغلب الطمع قلبه فيخون وطنه".
وأضاف: "في شهر مارس من عام 1996، فوجئنا بأعداد هائلة من قوات الأمن، تقتحم القرية، وتغلق جميع مداخلها، ومخارجها، وتلقي القبض على الرقيب بحري سابقا، عبد الملك عبد المنعم، وعلمنا بعدها أنه متهم بالتجسس".
وتابع: "كان الجميع يحبون عبد الملك، بسبب تاريخه المشرف، وتطوعه للعمل في القوات البحرية، واشتراكه في حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر، إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1978، كما عمل بعد ذلك على سفينة التابعة لشركة استثمارية شهيرة بالإسكندرية، وكانت حالته المادية ميسورة، وهو ما أصاب الأهالي بصدمة عارمة؛ لأنهم لم يجدوا مبررا لفعلته ضد وطنه".
وأردف "علي" قائلا: "تصرف عبد الملك، ألقى الضوء على هذا النوع من الجرائم، وأيقظ انتباه أهالي القرية، للمسافرين إلى الخارج، من الشباب؛ ليتبين بعد حين أن عددا كبيرا هاجر إلى إسرائيل، تزوج هناك، ويرفضون العودة إلى مصر"، لافتا إلى أنه بمرور السنوات، خلت القرية من نصف شبابهما، مضيفا: "صحيح أنهم ليسوا جميعا في إسرائيل، وإنما توزوعوا بين فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وكوريا الجنوبية، إلا أن المعلومات تؤكد أن قرابة 200 من هؤلاء المسافرين، باتوا الآن يعيشون بين الإسرائيليين، في مختلف المدن المحتلة".
ويحكي أحد أهالي "نوسا الغيط"، رافضا ذكر اسمه، قصة أول فوج من أبناء القرية، غادر إلى إسرائيل قائلا: "كانوا 50 شابا، غادروا مصر في عام 1993، إلى إيطاليا، ومنها إلى قبرص، ومنها إلى إيلات، ليدخلوا إسرائيل، ويعملوا كحمّالين لنقل الأثاث، والأمتعة".
وكشف عن أن معظم هذا الفوج الذي سافر إلى تل أبيب، كانوا موظفين حكوميين، يتحصلون على رواتب شهرية، لا تتجاوز 200 جنيه، وهو ما دفعهم إلى الحصول على إجازات بدون رواتب، والسفر إلى تل أبيب بعدما علموا أنهم سيكونوا قادرين على تحصيل ما لا يقل عن 3000 شيكل شهريا، وهو مبلغ كبير في هذا التوقيت.
وأضاف: "لم يستمر الأمر كثيرا، إذ بدأ عدد منهم رحلة العودة، إلا أنهم وجدوا مقاطعة، ورفضا، واستهجانا من أهالي القرية، وخاصة السيد خشان، وإبراهيم الفسخاني؛ لأنهام أول العائدين الذين تلقوا غضبا عارما من الجميع، إلا أنه بمرور الوقت عادت المياه إلى مجاريها، وهو ما شجع غيرهن على السفر من جديد إلى هناك".
سافرت إلى إسرائيل
"إبراهيم.س"، 50 سنة، واحد ممن سافروا إسرائيل، يقول لـ"صوت الأمة": "سافرت إلى إسرائيل، وأنا في الـ30 من العمر، وذهبت إلى هناك عبر طابا، وعملت شيّالا، رغبة في جمع المال، وأسوة بالكثير ممن سافروا إلى هناك في هذه الأوقات، وعندما عدنا لم نجد ترحيبا، ومنا من أصر على البقاء، ومنا من سافر مرة أخرى، لكن إلى إحدى الدول الأوروبية.
قصة فتاة ألمانية
وعلى عكس الأحداث في نوسا الغيط، وكمن يسبح ضد التيار، تعيش سيدة ألمانية، مع زوجها المصري، في تلك القرية الدقهلاوية، سعيدة بوجودها بين أهالي مصر الطيبين.
ويحكي أحمد متولي، زوج الألمانية، "أندريا يونان"، قصته فيقول: "كنت ممكن غادروا القرية في عام 1993، ولم أزل بعد في الـ20، لكني ذهبت إلى ألمانيا، بعدما فقدت فرصة الزواج بمن أحبها؛ نظرا لضيق ذات اليد".
وأضاف: "في ألمانيا لا صوت يعلو على صوت العمل، واستطعت أن أجد عملا، وبالجد والاجتهاد، أوجدت لنفسي مكانا بين أقراني، والتقيت أندريا يونان، وتزوجنا، ومع صلاح الأحوال، وتحسن الوضع المالي، عدت وهي معي إلى بلدي، نعيش الآن فيها، دون شقاء".
أما الزوجة الألمانية فتقول: "حضرت إلى مصر 10 مرات، وفي المرة الأخيرة،وجدت تغيرا للأفضل فى الأحوال فى مصرفى عهد الرئيس السيسى، فقد عشقت الحياة بين المصريين، وحينما أحضرإلى مصر، لا أحب الإقامة في أي بلد خارج نوسا الغيط".